هيام القصيفي – الأخبار
فما إن صدر مرسوم تشكيل الحكومة، وقبل تحديد موعد جلسة الثقة، حتى بدأت حملة إعلامية وسياسية مبرمجة لضخّ الإيجابيات المفتعلة، والترويج المشابه لما حصل قبل خمس سنوات، حين لم يكن البلد قد بدأ مرحلة الانهيار الفعلي. حينها وعد عون والحريري اللبنانيين بعهد ذهبي، ومعهما رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل، وحزب الله رابع أعمدة التسوية الرئاسية: وعود بالكهرباء 24 ساعة في عام 2019 ومحاربة الفساد، وحل أزمة النازحين السوريين والتنقيب عن النفط في البحر وكل العناوين الفضفاضة التي انتهت مع حكومة الحريري الثانية، بلحظة 17 تشرين عام 2019. اليوم، يعيد أفرقاء العهد والحكومة الشعارات نفسها، مع إضافة بند أساسي في استكمال حماية مصرف لبنان بصورة لا لبس فيها، كما المصارف وأصحابها الذين زار رئيس جمعيتهم القصر الجمهوري غداة تشكيل الحكومة، وكأن لا دور لجمعيته في ما وصل إليه حال الانحدار. وإذا كانت حكومة الحريري الأولى قد أعادت في جلسة للحكومة برئاسة عون التجديد لحاكم مصرف لبنان رياض سلامة لولاية جديدة، فإن حكومة ميقاتي، التي نال فيها عون حصة وافية وأكثر، بسطت مسبقاً مظلّة الحماية على الحاكم وعلى المصارف، وستكون كل محاولات الضغط على الطرفين من باب الابتزاز لا أكثر ولا أقل، لتحصيل مكاسب أكثر. وفي ذلك يستعيد رئيس الجمهورية والرئيس الجديد للحكومة نشوة الانتصار الذي بدأ عام 2016، ويستكمل في الاتجاه ذاته، بعدما خرجت من تلك التسوية كل «الأثقال» الداخلية.
فإذا كان ميقاتي يحاول كسب الانتصار الحكومي، والترويج لإنجازات لم ولن تحصل، فإن اللافت أن يستعيد التيار الوطني الحر حركته الداخلية والدبلوماسية محلياً وخارجياً، على إيقاع تشكيل الحكومة، وكأنه وحده أمّ الصبي في ولادتها. وهو يحاول تزخيم «انتصاره» في ما يشبه الترتيبات التي قام بها مع الحريري، خلال جلسات مجلس الوزراء في شهور العسل بينهما. وهذا سيترك بصماته في جلسات مجلس الوزراء المقبلة، لأن هذه الحكومة لا تنحصر مهمتها في الإشراف على الانتخابات، بل سيكون لديها الكثير من الملفات المعلقة والتعيينات والتسويات، التي سبق للعهد أن لفت في أكثر من مناسبة إلى ضرورة الاتفاق عليها مسبقاً، قبل الدخول الى مجلس الوزراء. ويستفيد التيار أكثر اليوم من غياب الكثير من الأصوات المعارضة في مجلس الوزراء، كما كانت الحال في حكومة الحريري الأولى، وهذا مكسب في حد ذاته. إذ إنه لا معارك مفترضة ولا مناكفات بين خطين سياسيين يلتقيان عند نقطة واحدة، على عكس ما كان يجري في حكومة الرئيس تمام سلام، الأمر الذي سيساهم في إعادة تعويم التيار سياسياً ووزارياً في حكومة يُشهر وزراء فيها انتماءهم الى العهد والتيار من دون مواربة، ويتمتعون بنفس الصفات الباهتة التي يمتاز بها وزراء التيار وأكثرية نوابه. ويستفيد كذلك من المباركة الأميركية والفرنسية لحكومة تقطيع الوقت، وإنْ لم تشمله في شكل خاص. فالتسوية لم تحظ حينها برضى سعودي، أو مباركة أميركية فعلية، في مقابل تغطية فرنسية كاملة. فيما يدخل عون وميقاتي الحكومة في ظل عدم رضى سعودي، لكن بتغطية أميركية وفرنسية. وتسعى باريس للاستفادة من اللحظة، بعدما روّجت قبل أسابيع لاختيار ميقاتي بديلاً للحريري، ووجّهت أكثر من رسالة مباشرة عن حرصها على علاقة جدية مع حزب الله، فلا تتخطّاه في تشكيل الحكومة أو في الملفات التي لهما مصالح مشتركة فيها، ومنها عسكرية وأمنية.
هذه التقاطعات ستسمح للتيار بأن يعيد تعويم نفسه، ويتخطّى دور حزب الله الأول في صياغة التسوية الجديدة وإخراج الحكومة، ليصرف عملية التأليف في أكثر من اتجاه، ونصب عينيه الانتخابات النيابية. لكن يبقى السؤال: إلى أيّ مدى ستبلغ «شهوة» التيار التي تتضاعف أحياناً كثيرة الى حد تطويق حلفائه، فتصطدم بميقاتي الذي يدرك تداعيات تجربة التعايش الفاشلة بين عون والحريري. وهو سيكون واقعاً تحت ضغط شارع سنّي خلفي يمثله نادي رؤساء الحكومات السابقين، ومصالحه الخاصة في إبقاء حكومته على قيد الحياة من أجل استثمارها عربياً وخارجياً. فالرجل لا يريد التضحية بهذه المصالح، كما فعل سلفه. ولأن التيار يعرف ذلك تماماً، لن يتأخر في أن يكرّر تجربته في الضغط والمغامرة مع ميقاتي الى الحد الأقصى.