كتب ألان سركيس في “نداء الوطن”:
يبدو أن الرئيس المكلّف سعد الحريري يستنزف كل الحلول، وبات في حكم المؤكّد أنه لن يدخل السراي الحكومي كرئيس فعلي قريباً.
تشتدّ الحرب الكلامية الهوجاء بين الرئيس المكلّف وبعبدا، وهذه الحرب لم تهدأ على رغم الهدن المتقطعة، وما زاد من إشتعالها هو دخول رئيس مجلس النواب نبيه برّي على خطّ دعم الحريري وإستفزازه كلاً من رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس “التيار الوطني الحرّ” النائب جبران باسيل.
ويعتبر مقرّبون من الحريري أن أكبر حاجز وأهمه ويجب إجتيازه هو حاجز عون وباسيل، فرئيس الجمهورية يملك الختم والتوقيع، والحريري لا يمكنه أن يتصرّف وكأن لا رئيس في البلد، هذا بغضّ النظر عمّا إذا كانت مطالب الرئيس محقّة أو لا.
وفي سياق متّصل، فإن كل الجدل الدستوري والقانوني حول تأليف الحكومات والمهل وسحب التكليف لم يوصل إلى مكان، لأن الدستور واضح وهو عدم قدرة رئيس الجمهورية على سحب تكليف الرئيس المكلف، في حين أن الأخير لا يمكنه تأليف حكومة بمفرده ولو كانت كل قوى الداخل والخارج معه. وأمام هذه المعضلة الدستورية التي هي بالأساس صراع أحجام ونفوذ وحصص داخل التركيبة اللبنانية، يقف كل من عون والحريري موقف العاجز، فعهد الجنرال يُستنزف والأرجح أنه قد ينتهي بلا حكومة فعلية قائمة، بينما لن يستطيع الحريري الدخول إلى السراي والتحدّث إلى السعودية والخليج وبقية الدول من موقع رئيس حكومة لبنان، حتى لو كان يملك إجماعاً سنياً من نادي رؤساء الحكومات السابقين ومن مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ عبد اللطيف دريان ودار الفتوى.
وفي السياق، فإن رهان الحريري على الخارج الذي يدعمه من أجل تسجيل نقاط على عون وباسيل لم يوصل إلى أي نتيجة. ففرنسا، الحليفة الكبرى لآل الحريري، تُبدي غضباً على سلوك الرئيس المكلّف ووصلت الأمور إلى حدّ إتهامه بعرقلة مبادرتها، وكذلك روسيا غاضبة عليه على رغم تمسّكها المُطلق به منذ فترة، في حين أن موقف السعودية أكثر من واضح وبات معروفاً، فهي لا تدعم سعد الحريري في مهمته الجديدة.
وإذا كان الحريري يواجه غضباً دولياً، فإن وضع عون وباسيل ليس أفضل بكثير. فباسيل موضوع تحت حزمة العقوبات الأميركية وقد تفرض عليه عقوبات جديدة من دول الإتحاد الأوروبي، في وقت يُعتبر العهد مطوّقاً ويفتقد العلاقات الدولية ولا يستطيع التحدّث إلا مع النظام السوري وإيران و”محور الممانعة”.
ولا يزال الكباش بين الحريري و”مريديه” وبين عون وصهره وفريقه مستمراً، وهذا الأمر يُغضب الجميع ويُعمّق الأزمة الإقتصادية والإجتماعية التي تضرب لبنان. فتأليف حكومة جديدة على رغم الملاحظات على أداء السلطة الحاكمة كان ليريح الوضع نوعاً ما، لكن مسلسل الإنهيارات مستمر وكل يوم ينهار قطاع جديد في لبنان، وهذا بفضل عجز الطبقة الحاكمة عن إيجاد حلول للمشكلات الكبرى التي تنهش جسم الوطن وتقضي على آمال الشعب بالنجاة.
لا يملك عون والحريري مفاتيح الحلّ والربط، فإذا كان هناك جزء من العقدة من الخارج إلا أن العقد الداخلية طاغية ولا يمكن تجاوزها، وبالتالي فإن التعادل السلبي في تعطيل البلد وتدمير مقوّمات وجوده، مستمر بين الرجُلين، ووحده البلد، كل البلد والشعب العظيم، يدفع الثمن الأكبر والأعظم.