منير الربيع – المدن
إنها مرحلة تجميع الأوراق. كل طرف يسعى إلى تجميع ما أمكنه منها. الحال أشبه بغيوم تتلبد في سماء المنطقة وأجوائها، فإما أن تهب عليها رياح مفاجئة تدفعها بعيداً، وإما أن يدفعها تراكمها لأن تعصف، فترعد بمزيد من الاشتعال على الجبهات.
“موعد” حزب الله
يستمرّ السؤال الذي لا جواب عليه، والمتعلق بمدى توسيع رقعة المعارك وفتح الجبهة اللبنانية بشكل كبير. هنا تتضارب وجهات النظر بين تقديرات تفيد بأنه مع الدخول البري الإسرائيلي إلى قطاع غزة فإن المعارك ستتوسع تدريجياً. في مقابل وجهة نظر أخرى تصف حزب الله بأنه “ورقة الجوكر”، والذي لا يحين استخدامها إلا في اللحظة الأخيرة. فحزب الله هو جوكر المحور ودرّة تاجه. لا حاجة ليدخل إلى المعركة بكل ثقله، طالما أن حماس لا تزال قادرة على إطلاق الصواريخ ولم تضعف أو تتلقَ ضربات قاصمة. ثمة من يعتبر أن موعد دخول حزب الله إلى ميدان الحرب بقوة لم يحن بعد، وسيبقى إلى أن تقتضي الحاجة ذلك.
رسالة إيران
تدير إيران المعركة بروية وهدوء، منذ جولة وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان، وتهديداته المتوالية حول نفاد الوقت قبل فتح الجبهات. يوم الخميس أرادت إيران إيصال رسالة نارية، هي أشبه ببروفا أراد الإيرانيون التلويح بها، على قاعدة فتح جبهات غير متوقعة (صواريخ الحوثيين والهجمات على القواعد الأميركية بالعراق وسوريا، إضافة إلى عمليات حزب الله). وهي خطوة تنقسم الآراء حولها. فالبعض يعتبر أن إيران لجأت إلى إيصال رسائل، من لبنان، سوريا، العراق واليمن، إلى الأميركيين بشكل مباشر، وذلك للضغط على الإسرائيليين ووقف الحرب على غزة. فيما معارضو طهران يعتبرون أنها على يقين بأن الأميركيين لا يريدون الإنخراط في الصراع ولا تحويل الحرب إلى إقليمية، إنما يريدونها محصورة في غزة، ولذلك يلجأ الإيرانيون إلى التصعيد ضد أميركا، لعلم طهران أن واشنطن لن تكون جاهزة للتصدي أو المواجهة لأن همومها أكبر. وطالما أن إيران مطمئنة إلى عدم استعداد أميركا للانخراط بالحرب، فهي تذهب إلى التصعيد بوجهها للضغط في سبيل وقف إطلاق النار.
استدراج أميركا
في ظل انتظار الجميع لما سيفعله حزب الله واحتدام المواجهات على جبهة جنوب لبنان، هناك من يلجأ إلى الخروج من القالب التقليدي واختبار آليات جديدة، كمثل دخول الحوثيين على الخطّ، واطلاق صواريخ من هناك، بالإضافة إلى استهداف مواقع أميركية في سوريا والعراق. وكأن الإيرانيين يقولون إن المعركة الأساسية هي مع أميركا وليست مع اسرائيل. وبالتالي، هناك حاجة للقول للأميركيين بضرورة الضغط على الإسرائيليين لوقف الحرب. فالنسبة إلى ايران وحزب الله لن يتمكن الإسرائيليون من تدمير حركة حماس عسكرياً، ولا تحقيق الإجتياح البري لغزة، ولا تهجير الفلسطينيين. ولذا، يجب الانطلاق إلى مسار جديد من المفاوضات خارج هذه الأهداف التي وضعها الإسرائيليون. وهنا يفترض بالكلام أن يكون مع الأميركيين. حتى في الجنوب، فإن الطريقة التي يعتمدها حزب الله، وهي “التقنين” في توجيه الضربات، من دون استدعاء توسيع نطاق الحرب أو المعركة، تندرج في سياق خطّة واضحة ومتكاملة، تشير إلى أن الحزب جاهز ويتدخل، وأنه ليس وحيداً أيضاً في المعركة.
لا بد من مراقبة الأيام المقبلة، وأبرزها مسألة إدخال المساعدات عبر معبر رفح، ودخول الصليب الأحمر للقاء الرهائن. وبحال ترافق ذلك مع تخفيف للضربات العسكرية الإسرائيلية، فإن ذلك سيقود إلى استراحة جزئية لهذه الحرب. ويمكن أن ينتج عن هذا التخفيف من شراستها دفع حماس لإطلاق سراح عدد من الرهائن، ما يمكن أن يفتح المجال أمام المزيد من المفاوضات، للوصول إلى وقف لإطلاق النار. وهذا بحال حصل، سيعتبره الإيرانيون أنه بداية مرحلة إعلان النصر. أما بحال استمر الإسرائيليون على موقفهم في رفض وقف اطلاق النار، واستمرار الغارات والضربات، على الرغم من إدخال المساعدات، فإن هذا الأمر سيدفع محور المقاومة إلى رفع نسبة عملياتهم العسكرية، والإستمرار في تنويعها، مع توجيه ضربات ذات رمزية أكبر، خصوصاً ضد الأهداف الأميركية.