غادة حلاوي – المدن
تختلف الأسباب وتبقى النتيجة واحدة: تأخير الإعلان عن التشكيلة الحكومية. من فحوى ما قاله، كان واضحاً أن الرئيس المكلف نواف سلام لم يعد مرتاحاً للنقاشات التي يخوضها مع القوى السياسية، والتي تريد كلها التمثل في الحكومة، وفي حقائب سيادية أو وازنة. ما يعقد التشكيل ليس برنامج الحكومة وخطتها للمستقبل، وهي حكومة لن يزيد عمرها على أشهر، وإنما توزيع الحصص.
منزعج الرئيس المكلف، لكنه لن يتراجع، بدليل أن موقفه لا يزال على حاله منذ تكليفه حول مراعاة مبدأ الكفاءة وفصل النيابة عن الوزارة. لكن الغريب في الأمر أن القوى السياسية تصر على أسماء تظن للوهلة الأولى أن الطوائف المراد تمثيلها خالية إلا من إسم أو إثنين مطروحين لتولي حقيبة وزارية. هو فعل تحقير للطوائف تمارسه الأحزاب والقوى السياسية يلحق الأذى بالبيئة الشعبية التي يمثلها هؤلاء.
الثنائي في الصدارة
لغاية اليوم لا يمكن حصر العقبة التي تعترض تشكيل الحكومة بفريق دون آخر. يتصدر الثنائي لائحة القوى التي تصر على موقفها من ناحية اختيار الحقائب وتسمية المرشحين لتوليها، وبعده القوات. حسمت حقائب الثنائي مبدئياً وبقيت العقبة في التسميات. حسب المعطيات فإن تسمية ياسين جابر لم تعد عقبة وحيدة، وإن كان الرئيس المكلف تجاوزها لكون وضعية جابر كوزير سابق مماثلة لوضعية غيره من الوزراء السابقين المرشحين لتولي حقائب وزراية في الحكومة العتيدة، من أمثال طارق متري وآخرين. برز خلاف جديد حول طرح علاء حمية الذي لم يتحمس لتسميته الرئيس المكلف لأسباب وضعها في عهدة الثنائي، كذلك تمنى لو يتم استبدال اسم الدكتور طلال عتريسي بوصفة من المحسوبين مباشرة على حزب الله، وأيضاً وجب تسمية بديل عن مرشح حزب الله لوزارة الصحة علي رباح، الذي يميل إلى الاعتذار عن تسلم المهام. وبين رفض الرئيس المكلف وإصرار الثنائي، عاد النقاش مجدداً وكاد يتحول إلى مشكلة، حيث غاب الثنائي عن الاتصال لفترة احتجاجاً.. لولا تدخل رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون، ومبادرة سلام للاتصال برئيس مجلس النواب نبيه برّي، الذي أمهله مدة 48 ساعة لرد الجواب على إمكانية استبدال الأسماء من عدمه. ويأتي هذا الاتصال بعد لقاء سلبي للثنائي مع الرئيس المكلف نقل سلام فحواه إلى رئيس الجمهورية. كان الثنائي يعتبر أن أصل المشكلة يكمن في أن سلام “يفضل تسمية شخصيات من خريجي الجامعة الأميركية، وبالمبدأ هذا ليس خلافا جوهرياً ويمكن معالجته”.
توصف مصادر الثنائي واقع النقاشات الحكومية مع الرئيس المكلف على الشكل التالي: “ما بين الداخل والخارج يتلقى رئيس الحكومة المكلف سيلاً كبيراً من الضغوط والضغوط المضادة، وكأن الحكومة علقت في سلسلة حسابات معقدة هي من طبيعة النظام السياسي اللبناني والاصطفافات السياسية، وما أفرزه المجلس النيابي، بسبب قانون الانتخاب الذي اعتمد، من تكتلات وكتل جديدة ونواب مستقلين زادوا الطين بلة على مستوى التنسيق من أجل تشكيل الحكومة”.
في اعتقاد الثنائي أن رئيس الحكومة المكلف يخضع لضغط المعارضة: “تعتبر جماعة 17 تشرين أن الحكومة امتدادا لثورتهم، وبالتالي هم يرون وجوب أن يكون داخل هذه الحكومة تمثيلاً وازناً لهم، في حين تعتبر القوى التقليدية أنها تمتلك من التمثيل الشعبي ما يمنحها القدرة على المطالبة بحصص وازنة ووزارات سيادية”، وبين هذه وتلك “يقف رئيس الحكومة المكلف وسط كل هذه التناقضات”.
يحاول الثنائي التخفيف من وطأة الخلاف مع سلام، وتقول مصادره “حسمت كل الوزارات، وعد سلام ووفى بوعده تجاه هذا الثنائي. وهذا ما فتح شهية الآخرين على ممارسة الضغوط لنيل حصة. وهو كان وعد بأن يكون لكل كتلة من خمسة نواب حقيبة وهنا بدأت المشكلة”. ولا تنفي المصادر وجود اعتراض على التسميات لكنها تعبتره أمراً قابلاً للحل.
يتخوف الثنائي من وجود طرف يسعى لعرقلة تمثيله في الحكومة. وتقول مصادره “بعض قوى الداخل تلجأ للخارج وتحديداً الولايات المتحدة الأميركية من أجل تسويق رؤى معينة تخدم مصالحها وتعرقل مساعي الرئيس المكلف. الجيد أن عون على مستوى من التوافق وهذا يسهّل. والسلبي هو تمسك القوى السياسية بحصص تعرقل التشكيل وعينها على الانتخابات النيابية المقبلة وتعزز حضوراً قوياً”. ومن هنا يرى الثنائي أن “سلام أمام شبكة من التوازنات الدقيقة التي يفترض مراعاتها. وهو ما لم يجده عند بعض الأفرقاء، خصوصاً ممن يريدون تصفية الحسابات من خلال الحكومة”.
مشكلة التمثيل المسيحي”سهلة”
في ما يتصل بالتمثيل المسيحي، عقبات بالجملة وإن اعتبرتها مصادر المشكلين “سهلة ويمكن معالجتها”. ويندرج في سياقها إصرار القوات على تمثيل وازن بعدد حقائب يزيد على حصة الآخرين، ومثله يريد التيار الوطني الحر. وعلى ما يبدو فإن دفة المراضاة تميل باتجاه القوات والقوى المسيحية الأخرى على حساب التيار، وإن اضطر الأمر لإحراجه فإخراجه من الحكومة. وهذا ما يمكن تلمسه من النقاشات الدائرة وتوزيع الحصص والحقائب بين القوى المسيحية. وعلم أن التيار رفض اقتراح سلام بإسناد السياحة والشباب والرياضة من حصته في الحكومة.
ثمة أطراف مسيحية من خارج الكتل الكبرى تشكو انقطاع التواصل مع الرئيس المكلف. على مستوى التغيريين، برز تحذير واضح للرئيس المكلف بحجب الثقة في حال أسندت المالية للثنائي وحصرية تمثيله في الحكومة.
الغضب السني
أما على مستوى التمثيل السني، ينطبق على خطوة سلام باتجاه طرابلس المثل القائل “بدل أن يكحلها عماها”، وضع في التشكيلة المقترحة إسم شخصية شمالية من عائلة كرامي. ما أثار غضب النائب فيصل كرامي الذي اعترض على عدم تمثيل طرابلس، وفضل لو كانت التسمية أتت منه مباشرة وليس من سلام. وكان كرامي وفي آخر اتصال له مع سلام عاتبه على رضوخه للثنائي، بينما لم يتعاطَ بالمكيال ذاته مع السنة فكان جواب سلام “الشيعة مجروحين ولازم نراعيهم”، فأجابه كرامي: وهل نحن كنا في فترة نقاهة بالخارج؟
سنّياً، متهم سلام بأنه لم يمنح النواب السنة لا الحقائب ولا الأسماء، وتولى المهمة بدلاً عنهم.
عقبة إضافية برزت وليس معلوماً مدى دقتها، وهي في سحب حقيبة الأشغال من الدروز واستبدالها بحقيبة أخرى، بعدما تمت إعادة توزيع الحقائب الخدماتية بين القوى السياسية. فهل ينضم جنبلاط إلى جملة المعترضين على سلام؟
هذه وغيرها، عقد بالجملة، ليس معلوماً كيف سيصار إلى حلها، لكن المؤكد حسب اتفاق رئيس الجمهورية مع سلام، أن الموعد المحدد للنقاش في بعبدا سيكون الأسبوع المقبل، على أمل أن يحمل معه التشكيلة كاملة مع الأسماء.. اللهم إذا لم يكن قبل.