زياد عيتاني – اساس ميديا
ثلاث ثوابت لا يمكن إغفالها عند الحديث عن سُنّة لبنان:
1- أنّ قضيّتهم المركزية هي القضيّة الفلسطينية.
2- رهانهم الوطني دائماً وأبداً هي الدولة ومؤسّساتها.
3- لا يمكن اختصارهم بطرف واحد أو حزب أو جماعة أو تيّار، فـ”أمرهم شورى بينهم”، أي لا قرار أحاديّ لأيّ طرف منهم مهما كان حجمه وقدرته.
لماذا ذكر هذه الثوابت الآن؟ بداية لأنّ الذكرى تنفع المؤمنين. وثانياً تحوّلت حرب غزة من دون أيّ مواربة وتورية إلى ما يشبه الإشكالية الضاغطة، حتى إنّه يمكننا إطلاق عليها “فتنة غزة” بين السُّنّة في لبنان بحيث تتّجه البيئة السُّنّيّة إلى انقسام عمودي من شأنه أن يُسقط السقف على رؤوس الجميع. الروح الجماعية عند سُنّة لبنان اجتمعت على فلسطين ودعمها، ثمّ انقسمت حول صحّة التحالف مع الحزب أو عدم صحّته في الطريق إلى دعم فلسطين.
هذه الفتنة تتّجه لإرساء معادلة باطلة مفادها أنّ هذا قاوم إسرائيل وذاك لم يقاوم إسرائيل، فيما المعادلة الصحيحة: هذا دعم فلسطين متحالفاً مع الحزب وذاك دعم فلسطين رافضاً التحالف مع الحزب وتجاوز كلّ ارتكاباته في السنوات العشرين الفائتة من سوريا والعراق واليمن وانتهاء في شوارع بيروت حين اغتيل الرئيس رفيق الحريري من قبل “أشرف الناس” كما سمّاهم السيد حسن نصر الله، أو عندما استُبيحت بيروت وأهلها في 7 أيار 2008.
التصاق السُّنّة في لبنان بالقضية الفلسطينية وشرعيّتها لم يؤثّر على التزامهم بمفهوم الدولة ومؤسّساتها
قدّم السُّنّة كلّ شيء
لم تقدّم طائفة أو مذهب في لبنان للقضية الفلسطينية ما قدّمه سُنّة لبنان منذ بداية الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين، وتحديداً سنة النكبة 1948، حين بدأت طلائع النازحين الفلسطينيين بعبور الحدود اللبنانية قادمين من مدن عكا وصفد وحيفا…
خاض سُنّة لبنان كلّ الحروب الفلسطينية في لبنان إمّا بالمباشر أو بالمشاركة في تداعياتها ودفع أثمانها في بلداتهم ومناطقهم. من فتح لاند في قرى شبعا والعرقوب مروراً بالطريق الجديدة ومتفرّعاتها وصولاً إلى طرابلس والبدّاوي، ومن هناك إلى نهر البارد ومخيّمه، التصق السُّنّة في لبنان بالقضية الفلسطينية ووجودها العسكري في لبنان لدرجة أنّ التهمة التي راجت في ذلك الحين هي أنّ منظمة التحرير هي جيش السُّنّة في لبنان..؟!
سُنّة لبنان
مع الإشارة إلى أنّ أبا حسن سلامة كان صديق بشير الجميّل، وعماد مغنية وغيره الكثير من أبناء الجنوب كانوا نشطاء بارزين في الكتيبة الطلابية التابعة لحركة فتح وتحوّلوا مع الأيام إلى كوادر ومؤسّسي التنظيم العسكري للحزب.
ما تذمّر سُنّة لبنان يوماً من فلسطين وقضيّتها. حوصرت بيروت فما استسلموا، لا بل وقفوا بشيبهم وشبابهم مع كلّ أهل بيروت لوداع المسلّحين الفلسطينيين عام 1982 ناثرين الأرزّ ومطلقين الرصاص في الهواء.
التصاق السُّنّة في لبنان بالقضية الفلسطينية وشرعيّتها لم يؤثّر على التزامهم بمفهوم الدولة ومؤسّساتها، فكانوا بيضة القبّان في كثير من النقاشات والمواجهات بين سندان أبي عمّار (ياسرعرفات) ومطرقة الرئيس السوري حافظ الأسد، ودائماً كانت المسائل والقضايا الطارئة تزان عند قياداتهم بميزان الذهب لمصلحة الدولة ومؤسّساتها، فدفعوا ثمن ذلك قادة شهداء ومنفيّين. صائب سلام وتقيّ الدين الصلح وحسن خالد ونهاد المشنوق وناظم القادري وتطول اللائحة…
سُنّة لبنان عصب الدولة وروحها وضمانة استمراريّتها ووجودها، فقوّتها من قوّتهم وقوّتهم من قوّتها، وكلّ محاولات تجاوزهم جلبت الحروب والويلات
لا يمكن اختصار السُّنّة
في كلّ المحطّات والمراحل ما تمكّن أحد من اختصار السُّنّة بشخصه. لم يكن صائب سلام زعيماً أوحد ولا رشيد كرامي ولا تقيّ الدين الصلح، حتى رفيق الحريري ما تمكّن من احتكار السُّنّة بأكثريّتهم الساحقة إلا باستشهاده الملحميّ في وسط بيروت، وهو أمر استثنائي لا يمكن الارتكاز عليه، وقد أثبتت ذلك الأيام.
سُنّة لبنان عصب الدولة وروحها وضمانة استمراريّتها ووجودها، فقوّتها من قوّتهم وقوّتهم من قوّتها، وكلّ محاولات تجاوزهم جلبت الحروب والويلات على كلّ اللبنانيين. من الاتفاق الثلاثي عام 1985 الذي وُقّع في دمشق برعاية نظام الأسد ممثّلاً بعبد الحليم خدّام، إلى 7 أيار 2008، فحكومة القمصان السود عام 2010، وانتهاء بحكومة حسان دياب السيّئة الذكر، محطّات خُيّل للبعض من الشركاء في المعادلة السنّية أنّهم قادرون على إلغاء أو تهميش السُّنّة فما أصابوا لكنّهم أُصيبوا.
على خلفيّة كلّ ذلك لا يمكن لأحد المزايدة على سُنّة لبنان بالالتزام والوفاء والمقاومة من أجل فلسطين وقضيّتها، كما لا يمكن لأحد أخذ السُّنّة أو قضيّتهم خارج مفردات الدولة وانتظامها إن لجهة اللغة الوطنية البعيدة عن التطرّف والغلوّ، أو لجهة الإيمان باحتكار الدولة وحدها دون غيرها للعنف والسلاح، أو لجهة أنّه لا يمكن لأحد مصالحة السُّنّة كما يشتهي أو يهوى، فمصالحتهم تكون أوّلاً وأخيراً بروح الكرامة الجامعة والحقوق العادلة التي يتساوى بها كلّ اللبنانيين دون تمييز.