بقلم عبد الرزاق قرحاني
من عَبَق الماضي الناصع الأصيل، ومن صفحات التاريخ المجيد، ومن خلال هذا الشهر الكريم، نستلهم العبر والحكم العظيمة، حيث حفل شهر رمضان المبارك على مرّالتاريخ بالعديد من الصفحات المشرقة والأحداث المهمة.
فكما أن للصائمين إنتصرات على شهواتهم في هذا الشهر الكريم ، لتصفو بها نفوسهم، وتسموا أرواحهم.. كذلك كان في هذا الشهر الأغر، محطات للصائمين، تألقت في تاريخهم، وتحققت بإيمانهم وعزيمتهم ، ودونت على صفحات مشرقة ستبقى خالدة في النفوس والنصوص عبر العصور..
– ولعل المحطة التاريخية الأولى في (العام 610 م، 13 قبل الهجرة) حيث كانت البداية لهذا الدين العظيم والرحمة المهداة للعالمين، الذي أرادها رب الناس أجمعين، أن تكون في شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبيّنات من الهدى والفرقان.. فكانت، مع نزول الوحي في شهر رمضان المبارك على الحبيب محمد عليه أفضل الصلاة والسلام وهو في غار حراء، حيث ناداه جبريل عليه السلام “إقرأ يا محمد”، فأجابه ما أنا بقارئ، فرددها عليه الوحي ثلاثاً، حتى قال له ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ، خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ، اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ ، الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَم، عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ﴾ لتتوالى من بعدها تلك الصفحات المشرقة التي دونت بقلم مداده إيمان وعلمٌ وعملٌ ويقين…
– وفي السنة الثانية للهجرة كانت بدر الكبرى, محطة حملت في طياتها ألف عبرة وعبرة .فكانت درّة ناصعة ونجمة مضيئة في سماء حقبة تاريخية أصابتها جاهلية مظلمة… فانتصرت القلة المؤمنة الصابرة على الكثرة الظالمة بإذن الله…
قال اللّه تعالى مبيّنًا هذه الحقيقة الساطعة: ﴿وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُواْ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾
وقال عزّ من قائل: ﴿كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾
– وفي السنة الثامنة للهجرة، أنعم اللّه تبارك وتعالى على الصائمين بقيادة رسوله الأمين . في 20 رمضان بفتح مكة المكرّمة حيث صار الناس يدخلون في دين اللّه أفواجًا كما أخبرنا اللّه تعالى بذلك في كتابه المبين.
– وفي العام العاشر للهجرة، انتصر الصائمون في غزوة تبوك نصرًا مظفرًا. حيث جهز النبيّ صلى الله عليه وسلم جيشًا جرّارًا في زمانٍ عصيبٍ، اشتدّ فيه الحرّ والجدب في البلاد، فحَضَّ عليه الصلاة والسلام أهل الغنى على النفقة في سبيل اللّه، وأهل الفتوة والعزيمة على الجهاد. وسار بهم النبي الأكرم قاصداً جيش هرقل ملك الروم الذي كان قد أعد العدة للنيل من محمد وصحبه، فلما رأى جيش هرقل، محمداً وصحبه دب الرعب في قلوبهم وأرسلوا مبعوثاً منهم – يوحنا بن رؤبة – لمصالحة النبيّ. فكان نصراً مظفراً دون قتال بفضل من الله. وبهمة واخلاص وصدق الصائمين القانتين الموقنين بنصره المبين. حيث قال النبيّ صلى الله عليه وسلم: “نُصرتُ بالرعب مسيرة شهر”
– وفي السنة العاشرة للهجرة، بعث الرسول صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب كرم اللّه وجهه في سريّة من الصائمين إلى اليمن، وحمّله كتابًا إلى أهلها، فأسلمت قبيلة همدان جميعًا في يوم واحد.
– وفي رمضان من العام ٥٣ للهجرة سجل التاريخ المجيد، فتحٌ لجزيرة «رودس» بقيادة القائد الأموي جنادة بن أبي أمية رحمه اللّه.
– وفي رمضان من العام 93 للهجرة، تم فتح الأندلس على يد القائد المقدام طارق بن زياد رضي اللّه عنه.
– وفي رمضان من العام 222 للهجرة، تم فتح مدينة “بابك” بخراسان في عهد الخليفة المعتصم.
– وفي السادس من رمضان عام 223 للهجرة، “فتح عمورية”، بقيادة الخليفة العباسي المعتصم. حيث استنجدت امرأة به وصرخت “وامعتصماه” فسمع بالخبر وجهز جيشا لنصرتها.
– وفي التاسع من رمضان عام 559 للهجرة كانت “واقعة حارم”. حيث استعاد نور الدين زنكي مدينة حارم بالشام من الغزاة الفرنجة وأسر قائدهم .
– وفي الرابع عشر من رمضان عام 570 للهجرة، فتح “بعلبك” ، على يد صلاح الدين الأيوبي .
– وفي رمضان من العام 583 للهجرة، استرداد مهد المسيح ومسرى النبي، من المحتلين. وتحرير ” بيت المقدس” في “موقعة حطين” بقيادة صلاح الدين.
– وفي رمضان من العام 584 للهجرة، فتح الكرك وصفد وطرد الغزاة الغاصبين.
– وفي رمضان من العام 647 للهجرة، كانت معركة المنصورة، حيث دارت رحاها في مصر بين قوات الفرنجة بقيادة لويس التاسع ملك فرنسا، والأيوبيين بقيادة الأمير فخر الدين يوسف بن شيخ الشيوخ. وفارس الدين أقطاي الجمدار وركن الدين بيبرس البندقداري. وأسفرت المعركة عن هزيمة المحتلين هزيمة كبرى منعتهم من إرسال حملات جديدة إلى مصر، وكانت بمثابة نقطة البداية التي أخذت بعدها الهزائم تتوالى عليهم حتى تم تحرير كامل بلاد الشام .
– وفي الرايع والعشرين من شهر رمضان عام 658 للهجرة، كان صدَّ الغزو المغُولي الذي اجتاح أجزاءً واسعةً من العالم الإسلامي. في معركة “عين جالوت” قرب الناصرة في عام 1259م، فكانت واحدةً من أهم وأشهر المعارك في عهد الدولة المملوكية بقيادة ” سيف الدين قطز” و” الظاهر بيبرس”
– وفي رمضان من العام 663 للهجرة، تحرير المغرب من الصليبيين .وفتح انطاكيا على يد السلطان الظاهر بيبرس عام 666 . وفتح شقحب عام 702 للهجرة.
– أما في الثاني عشر من شهر رمضان العام 805 للهجرة. وصل السلطان محمد الفاتح أسوار القسطنطينية، ليكن هذا التاريخ محطة أساسية وفاصلة في تاريخها. لتتوالى بعدها الفتوحات: فكان فتح قبرص في عهد المماليك عام 829 . كما فتح السلطان العثماني سليم الأول بلاد المجر عام 927 للهجرة.
– وفي عصرنا الحديث ، كان العاشر من رمضان عام 1393 للهجرة الموافق للعام 1973م. محطة نادرة في تاريخ الصراع العربي الاسرائلي، حيث انتصرت فيها الجيوش العربية على الصهاينة في مواجهات نادرة.
تلكم صفحات مشرقة جَرت وقائعها في شهر كريم، لتبقى عَبرالتاريخ مشاعل نور وضياء تذكرنا بعظمة هذا الشهر العظيم. الذي أراده الله شهر صيام وقيام وتكافل وعزّة ، تتحقق بتقوى االله تعالى والتزام بشرعه الحنيف، والسَّير على نهج نبيّه الكريم والتأسي بأخلاق المصطفى عليه أفضل الصلاة والتسليم.