
ملاك عقيل – اساس ميديا
يَضغط لبنان على واشنطن كي تدفع إسرائيل للانسحاب كلّيّاً من لبنان ووقف انتهاكاتها، وتوحي واشنطن بالضغط على إسرائيل لمنعها من تكريس حالة الاحتلال، فيما الضوء الأخضر الأميركي مُعطى لتل أبيب منذ التمديد الأوّل لمهلة الانسحاب في 27 كانون الثاني الماضي، للتخلّص من الترسانة العسكرية لـ”الحزب” على كامل الأراضي اللبنانية، والإجهاز على ما بقي من قياداته. شكّل حديث وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس عن “ضوء أخضر من واشنطن لبقاء قوّاتنا في المنطقة العازلة جنوب لبنان”، وأن لا سقف زمنياً للانسحاب، تكريساً لهيمنة إسرائيلية – أميركية كاملة، لا تزال الحكومة ترفع شعار مواجهتها بالدبلوماسية. أمّا حلفاء “الحزب” فيتحدّثون عن “صبر استراتيجي” قد لا يدوم طويلاً!
بموازاة زيارة رئيس الحكومة نوّاف سلام للجنوب، نالَ الجيش اللبناني شهادة “حسن سلوك” من الجانب الفرنسي ضمن لجنة آليّة تطبيق وقف إطلاق النار لجهة تنفيذه حتى يوم الخميس الماضي 170 عملية “موثّقة” لنزع وتفجير السلاح غير الشرعي.
تحدّث ممثّل باريس في اللجنة الجنرال Guillaume Ponchin عن سيطرة للجيش اللبناني على جنوب الليطاني، تحتاج إلى مزيد من الوقت لاستكمالها بسبب “عوائق تقنيّة، وبقاء القوات الإسرائيلية في خمس نقاط حدودية تُلزِم الجيش اللبناني ضمان أمن مداخلها حيث توجد”.
بدأ أوّل الاعتراضات على هذا الواقع حين كشف عضو المجلس السياسي في “الحزب” غالب أبو زينب أنّ “السلاح الذي يضع الجيش يده عليه، يقوم لاحقاً بتدميره، مع رسم علامات استفهام حول هذا الموضوع”.
لكنّ مصادر سياسية تقول لـ “أساس”: يقوم الجيش بتنفيذ بنود آليّة تطبيق القرار 1701 تدريجاً. وإنّ الواقع العسكري على الأرض وقدرات الجيش حيال انتشار أوسع وتقدّم أكبر باتّجاه النقاط الحدودية علاجهما أوّلاً بالسياسة وبالتزام إسرائيلي باتّفاق وقف إطلاق النار والانسحاب، أي بالقرار الكبير بجعل الجنوب نظيفاً بالكامل من الاحتلال، على الرغم من أنّ الجيش يقوم بمهامّ قاسية في الجنوب اليوم من دون أن يجهّز بعد بكلّ مستلزمات البقاء هناك، أو زيادة عديده وتطوير عتاده، وكلّ المستلزمات اللوجستية لتمركزه جنوباً، بعد تغيّر المعادلة بانسحاب “الحزب” عسكرياً.
بموازاة زيارة رئيس الحكومة نوّاف سلام للجنوب، نالَ الجيش اللبناني شهادة “حسن سلوك” من الجانب الفرنسي
قضم قرى محرّرة
أمّا ميدانيّاً فتؤكّد مصادر مطّلعة على الوضع جنوباً أنّه “إضافة إلى النقاط الحدودية السبع (وليست خمسة مواقع) التي أقامت فيها إسرائيل قواعد عسكرية محصّنة، تواصل القوات الإسرائيلية التهديم والجرف واقتلاع الأشجار، إضافة إلى قضم مساحات من بلدات محرّرة في القطاعات الغربي والشرقي والأوسط، وتُغيّر معالم بعض الطرقات في سياق إنشائها للمنطقة العازلة. وعند النقاط الفاصلة بين البلدات الجنوبية المحرّرة والمنطقة العازلة يقيم الجيش، بمؤازرة من “اليونيفيل”، حواجز ثابتة منعاً لاقتراب المواطنين في ظلّ الاستهدافات المستمرّة من قبل العدوّ، فيما لا يزال الجيش نفسه يتعرّض لاعتداءات بالرشقات النارية. ولا يمرّ يوم دون أن ينفّذ العدوّ اغتيالات في الجنوب وبعلبك، وإطلاق طائرات تجسّس رافق بعضها أمس زيارة الرئيس سلام للجنوب”.
صفر تأثير فرنسيّاً
عمليّاً، نحن أمام “صفر تأثير” للمسعى الفرنسي لكبح جماح إسرائيل على الرغم من زيارة الأمينة العامّة لوزارة الشؤون الفرنسية آن ماري ديسكوت للبنان التي توسّعت أكثر بملفّ إعادة الإعمار، وفي ظلّ توتّر أميركي – فرنسي واضح.
في المقلب الآخر، “كوما” تسيطر على لجنة المراقبة الفرنسية-الأميركية لمواكبة وقف إطلاق النار، مع تأكيد مصادر سياسية أنّ “السعودية التي يتوجّه إليها مساء غد رئيس الجمهورية جوزف عون، لم تكن جزءاً من اتّفاق وقف إطلاق النار، وتأثيرها على الأمر الواقع الذي فرضه الإسرائيلي غير مرئي”. لذلك، وفق المتابعين، استاتيكو الاحتلال يُرجَّح أن يتمدّد لفترة قد لا يقدّرها الإسرائيلي نفسه، “المرتاح على وضعه”، في ظلّ الغطاء الأميركي الكامل لاستباحته لبنان جوّاً وبرّاً واغتيالات.
مصادر سياسية لـ “أساس”: يقوم الجيش بتنفيذ بنود آليّة تطبيق القرار 1701 تدريجاً
هنا تفيد المعلومات بأنّ “الرئيس عون، إضافة إلى سلسلة اللقاءات التي يعقدها مع موفدين أميركيين وغربيين في القصر الجمهوري، قد فتح اتّصالاً مباشراً مع واشنطن في سياق الضغط على إسرائيل للانسحاب”، فيما لوحظ عدم صدور موقف رسمي بعد، من بعبدا إلى السراي وصولاً إلى عين التينة، في شأن مناخات التسويق المنظّم للتطبيع مع إسرائيل.
كما أنّ رئيس الحكومة في خطابه الجنوبي المعمّم على الإعلاميين، لم يذكر بالاسم العدوّ الإسرائيلي ولم يستنكر انتهاكاته للاتّفاق، فيما ركّز على “التزامه الشخصي”، لا على وعد فحسب، بأنّ إعادة الإعمار ستكون على رأس أولويّات الحكومة. وقد لوحظ أنّ الوفد المرافق للرئيس سلام لم يضمّ أيّاً من وزيرَي “الحزب” في الحكومة.
تلفت مصادر إلى أنّ “إعادة الإعمار، حتى لو توافر التمويل الماليّ لها، لن يكون منطقياً البدء بها، في ظلّ احتلال إسرائيلي لشريط حدودي كامل من الناقورة غرباً إلى القطاع الشرقي، مروراً بالقرى الأمامية وسط القطاع، وهذا ما يطرح علامات استفهام عن الإكثار من وعود إعادة الإعمار، فيما يمنح العدوّ الإسرائيلي نفسَه حرّيّة الدخول والخروج من بلدات يفترض أنّها تحرّرت، ويحصّن قواعده العسكرية في التلال المحتلّة، ويُكرّس المنطقة العازلة بعمق كيلومترين، ويهدّد بقصف جنازات التشييع”.