عبارتان أرسلتا مع “الاستمارة الحكومية” الى الرئيس سعد الحريري مساء الأحد الفائت حرص الرئيس ميشال عون أو الدائرة المحيطة به من خلالهما على إستفزازه، ما دفعه الى قلب الطاولة أمس على طروحات جبران باسيل الذي بات واضحا أنه هو من يُسيّر أمور قصر بعبدا.
في الشكل، لا يمكن مخاطبة الحريري بصفة رئيس وزراء سابق، فهو رئيس مكلف بمرسوم صادر عن رئيس الجمهورية بناء لتصويت 65 نائبا.
كما لم يسبق في تاريخ الجمهورية اللبنانية أن تم إرسال هكذا نموذج أو إستمارة الى رئيس حكومة لتعبئتها وكأنه “باش كاتب” يعمل لدى دوائر القصر الرئاسي.
أما في المضمون، فإن الرئيس عون أراد من خلال العبارتين والاستمارة سواء عن قصد أو سواء بتوريطه من قبل فريق باسيل، الاساءة الى الحريري أولا، ومخالفة أحكام الدستور ثانيا، ومن ثم التطاول على رئاسة الحكومة ومصادرة صلاحيات الرئيس المكلف، وطرح نفسه بديلا عنه في عملية التأليف، خصوصا أنه لا يحق لرئيس الجمهورية تحديد أسماء الوزراء ولا شكل ولا مضمون الحكومة الذي يبقى حصرا من مهام الرئيس المكلف، ليستدرج بسلوكه غضب طائفة بكاملها.
أما محاولات دوائر القصر تبرير ما حصل والايحاء بأنه إجراء روتيني يسعى من خلاله رئيس الجمهورية الى تسهيل وتسريع ولادة الحكومة، فيأتي وفق قاعدة “كاد المريب أن يقول خذوني”، خصوصا بعدما فوجئت الرئاسة ومن لفّ لفها بردة فعل الحريري الذي إنتصر لرئاسة الحكومة وربح على عون بالنقاط، وبعدما شاهدت وسمعت ردود الفعل السياسية على هذا التصرف الذي يؤكد بدون أدنى شك بأن ميشال عون وجبران باسيل لا يريدان سعد الحريري رئيسا للحكومة.
وعلى هذا الأساس حاول عون في البداية إستفزاز الحريري بتوجيه الدعوة له عبر وسائل الاعلام، لكن الحريري تلقف الأمر ولبى الدعوة وأشاع أجواء إيجابية ترافقت مع محاولات حثيثة داخليا وخارجيا لانضاج التسوية التي كان يعمل عليها “الخليلان” واللواء عباس إبراهيم والتي تتناغم مع المبادرة الفرنسية.
وعندما وجد عون أن الحكومة تتجه لتكون أمرا واقعا، أمعن في إستفزاز الحريري بارسال الاستمارة مع العبارتين ونجح في الاطاحة بها، بعدما إنقلب على المرسوم الذي أصدره يوم تكليف الحريري بمخاطبته بـ”رئيس الوزراء السابق”، فكيف لمن يحمل هذه الصفة أن يشكل حكومة.
يمكن القول إن التسوية التي يعمل عليها الخليلان واللواء إبراهيم ودخل إليها مؤخرا وليد جنبلاط قد سقطت، كما تلاشت المبادرة الفرنسية التي يسعى وزير الخارجية جان إيف لودريان لتحويلها الى مبادرة أوروبية بإدراج ملف لبنان في إجتماعات الاتحاد الأوروبي وذلك لمزيد من الضغط الذي قد يترجم عقوبات على من تثبت إدانته بالتعطيل.
في غضون ذلك، يبدو أن السلوك العوني ـ الباسيلي لن يترك أحدا مع أحد، فبدا التباين واضحا في الموقف الشيعي من الأزمة الحكومية والذي للمرة الأولى لم يبق أسير الغرف المغلقة، حيث عبر السيد حسن نصرالله عن دعم توجهات عون ـ باسيل والدعوة الى تشكيل حكومة سياسية أو تكنوسياسية، فجاء الجواب من مجلس قيادة حركة أمل بدعم تشكيل حكومة إختصاصيين بما يعني الوقوف الى جانب الحريري، في وقت تنفض أكثرية القوى السياسية مسيحية وإسلامية ودرزية يدها من التيار الوطني الحر الذي بدأ يعاني من أزمات داخلية ترخي بثقلها على وضعه التنظيمي، فيما يواجه الحريري مغالاة القوات اللبنانية وتقلبات وليد جنبلاط، وتراجع دعم حزب الله.
أمام هذا الواقع يبدو الكل خاسر، فرئيس الجمهورية سيكمل بقية عهده من دون حكومة وسيعيش عزلة تفكها بين الحين والآخر زيارات تقليدية لا طائل منها، وسيشهد على مزيد من الأزمات التي سيوثقها التاريخ، والرئيس الحريري لن يدخل السراي الحكومي وسيبقى رئيسا مكلفا، أما الشعب اللبناني فسيكتوي بنار الدولار والغلاء والأزمات على إختلافها ووربما يستوطن الساحات والشارع مطالبا باسقاط هذا العهد.