كتب صفوح منجّد
على الرغم من خطورة الأوضاع الإقتصادية والمالية والتموينية بصورة خاصة، فلا أحد من المسؤولين يهتم ويتابع أزمة فقدان الطحين وما يصدر من قِبل الدوائر العالمية حول تعذر إمكانية تأمين القمح للعديد من البلدان النامية ولبنان منها، مع إحتمال إرتفاع أسعار هذه السلعة وإنعكاسها السلبي على القدرة الشرائية من جهة، وعلى إختفاء الخبر من الأسواق وتأثير ذلك على القضايا الغذائية والحياتية وربما الأمنية بشكل خاص.
وتبدو القضية المالية على خطورتها ليست ذات إهتمام من جراء عدم حصول أي تقدم على صعيد تعيين بديل لحاكم مصرف لبنان رياض سلامة الذي خرج من “الحاكمية” دون أن ينصب إهتمام المسؤولين بالجدية المطلوبة لتعيين بديل سواء من بين النواب الأربعة للحاكم أو إختيار رئيس من خارج البنك المركزي إستنادا إلى تشريع الضرورة.
والغريب أن الإهتمام من قِبل المسؤولين ينصب بإتجاه تجميد هذه المسألة على خطورتها وبدلا عن ذلك يسعى هؤلاء إلى المناكفات في ما بينهم ومحاولة توريط بعضهم لبعض من خلال التوجه لإقراض مصرف لبنان من الإحتياط الإلزامي ما بين 600 و 800 مليون دولار تصرف على عِدة أشهر من بينها مبلغ 200 مليون دولار شهريا لدفع رواتب موظفي القطاع العام. عِلما أن هذه المبالغ هي من أموال المودعين ولا يحق للمصرف التصرف بها.
ووسط هذه “المعمعة” تبين أن نواب الحاكم أبلغوا رئيس الحكومة عودتهم عن قرار الإستقالة وأنهم سيتولون المسؤولية إستنادا إلى إلتزام الحكومة ومجلس النواب بالتشريعات، في حين أن رئيس مجلس النواب يمضي في تحركاته ويستخدم كافة المحاولات لحشر ميقاتي بحيث يجد نفسه وحيدا في ميدان هذه المناكفات.
وكل ذلك إن دل على شيىء فإنما يراد منه الإستعداد لفرض ضرائب جديدة وهي على كل حال ليست شعبوية وسيكون لها أثرها الضار والصعب على “البلع” والقبول من قِبل الفئات المتوسطة وما دون والتي تعاني الأمرّين في ظروفها الحياتية.
ويبدو أن مواسم “طوي” الصفحات تتكاثر وتتلاحق إنطلاقا مما أسفرت عنه جولة المشاورات الأخيرة التي أجراها الموفد الفرنسي جان إيف لودريان الأخيرة والتي شملت العديد من المسؤولين ورؤساء الكتل النيابية وعدد من المرشحين الذين راجت أسماؤهم لرئاسة الجمهورية على إمتداد الجولات ال 13 التي جرت منذ الفراغ في مركز االرئاسة الأولى.
ومن هذه الصفحات التي تمت متابعتها وإحصاؤها، صفحة مرشحي التحدي لدى هذا الفريق أو ذاك، كما طُويت صفحة الإستمرار في الفراغ الدستوري إلى مطلع العام الجديد كما حاول البعض أن يروج له، في حين نُقل عن مصادر المبعوث الفرنسي أن زيارته القادمة إلى لبنان في شهر أيلول ستحمل معها بشرى سارة هي إجراء الإنتخابات الرئاسية ومن خلال جلسات متتابعة.
وما قاله لودريان يطوي ايضا صفحة المحاولات التي أقدم عليها ثنائي الممانعة بتعطيل النصاب خلال الجلسات النيابية الإنتخابية وبدعم ايضا من بعض القوى عند اللزوم!!
وفي هذا الإطار ايضا طُويت إلى حين صفحة التعيينات الإدارية ولاسيما المناقلات وملء الفراغ في البعثات الديبلوماسية. وفي مقابل ذلك فُتِحت صفحات أخرى وبنهم كبير لإقتسام المغانم والصفقات وبغض النظرعن كل ما يعانيه الناس من غلاء وإستهتار بأوضاعهم وما يكابدوه للحصول على الدواء والماء والكهرباء ورفع أسعار هذه الحاجيات والخدمات إن وُجدت وتم الحصول عليها ، فالسكوت و”التطنيش” عن زيادة أقساط الطلاب وكل الحاجيات الغذائية والتموينية قد إتسع ليشمل كافة المواطنين.
وأبرز الصفحات التي طُويت ومع الاسف الشديد صفحة تفجير 4 آب 2020 الذي تعرض له مرفأ بيروت وما تزال آثاره في البشر والحجر بادية إلى اليوم، وصفحات الفساد والإفساد وحصص “أكلة الجبة” والتحكّم بالبلد والعباد. وكذلك طيْ الصفحات المقلقة في قضية النزوح كل ذلك ما يزال دون التعاطي الجاد والفاعل على صعيد معالجة آثارها وإنعكاساتها على الرغم من إهتمام الجهات الخارجية والعالمية وفي المنطقة لاسيما بجريمة المرفا التي وُصِفت بأنها “جريمة العصر”، وبالرغم من كل ذلك فالبلد ماضٍ إلى الإنهيار والإندثار ولا يُفيد هنا الندم بل تلاوة طلب الرحمة لهذا الوطن المعذّب الذي ساهمت مجموعة الأشرار في تعدد المآسي التي يتخبط بها.
ووسط هذه الفواجع تابع اللبنانيون على مختلف فئاتهم ومناطق سكنهم وأعمارهم ما نقله الإعلام التركي خلال الساعات الماضية بأنّ أنقرة قررت نقل مليون نازح سوري من أراضيها وإعادتهم إلى مسقط رأسهم في سوريا.
وهذه المسألة تلقاها اللبنانيون بشكل عادي لكنه لم يستمر طويلا بسبب إقدام بعض الأوساط في الخارج عن تسريب مفاده أنّ المليون سوري الذين تمت الموافقة التركية على نقلهم إلى بلدهم من المتوقع أن لا يمكثوا فيه سوى لساعات وأنه من المرجح بل المؤكد أن يتم نقل هؤلاء النازحين مع عائلاتهم إلى الداخل اللبناني عن طريق البقاع والشمال ومن خلال معابر سرية. الأمر الذي يستدعي تحركا لبنانيا رسميا مع كل من تركيا وسوريا ومؤتمر الجامعة العربية و المؤتمر البرلماني الأوروبي وهو الذي سبق وأن أثار بلبلة واسعة منذ أيام قليلة عندما طالب بأن يتم تجنيس النازحين السوريين في لبنان الأمر الذي رفضه لبنان وتم تشكيل أكثر من وفد لبحث المسألة مع المسؤولين السوريين وإطلاعهم على رفض هذا القرار الأوروبي.
واليوم يبدو أن هذا الموقف يستدعي أكثر من زيارة وتشكيل وفد، ووجود هذا الفراغ القاتل على صعيد الحكم في لبنان، ولا يمكن أن يتم السكوت عنه مهما كانت الأسباب والمبررات بل المطلوب أن يتم فتح القضية بكاملها وأن تشمل النازحين السابقين والجدد واللاحقين على الأراضي اللبنانية.
وإن كان لودريان قد وعد بزيارة قادمة إلى لبنان وحدد موعدها في شهر ايلول وأبقى على الشعور بإمكانية حصول تقدم ما على صعيد إيجاد الحلول المناسبة للفراغات القائمة في العديد من المؤسسات والمراكز العليا في البلد، فإن سعر صرف الدولار قد تراجع بعض الشيىء ووصل إلى مادون 88 ألف ليرة، غير أن ذلك لا يطمئن أحدا على الإطلاق وان الإتكال على “الأوهام” (لا يسمن ولا يغني عن جوع) في حين ما تزال قوى الممانعة “ممعنة” في غطرستها وفي طروحاتها الممزوجة بشيىء من التفاؤل، لكن في حقيقة أمرها فإنّ الحلول (إن جاز التعبير) التي يطرحها هذا الفريق لا تشي إلآ بمزيد من التعنّت والتخفي وراء “الإصبع” في حين أن كل الأمور باتت معلومة ولا يمكن أن تنطلي على أحد، وما الدعوة التي تُطلقها أحزاب الممانعة للحوار إلا محاولة لدفع قوى المعارضة للمشاركة في لقاءات ملغومة.
فالممانعة التي تدعو للحوار لم تعد قادرة على إخفاء نواياها وأنها تحاول جر المعارضة إلى نقاشات الهدف منها حصد المزيد من المكاسب في كافة الإتجاهات وفي مقدمها السعي لتعديل بعض القوانين والتنظيمات والإجراءات الدستورية لصالحها بحجة إتفاقات لتطوير النظام وتعديل في بعض الأنظمة ليس إلآ، وفي حقيقة الأمر أن الهدف واضح كما سبق واشرنا مرارا وهو وضع يد الممانعة على ما تبقى من قوانين وأنظمة وأراضٍ إن صحّ التعبير.
فإنتخاب الرئيس العتيد لا يحتاج إلى توسع بالسلاح والقوّة في مناطق عديدة على الأرض اللبنانية، ولا يكمن ذلك في التحكّم بالثروة النفطية القادمة، ولا من خلال إجتراح أنظمة وبنود تمكّن منظومة السلاح في مصادرة الأحكام والتحكّم بالقوانين الدستورية والمالية، فالحوار الذي يضم الجميع في مكان واحد في الظروف والوقائع الراهنة وما تتعرض له قضية الفراغات في المواقع والرئاسات لن تسفر عن إصلاح وتطوير في بنية النظام ومؤسساته بل هي محاولات مكشوفة لفرض الهيمنة وإبتلاع البلد كما أشرنا، ورأينا نماذج واضحة وجلية عنها بعد مؤتمرات الطائف والدوحة إضافة إلى اللقاءات المحلية وما تم لاحقا على صعيد تغييب العديد من القرارات الوفاقية التي طُمست وتم إستبدالها بما يضمن مشاريع وطموحات مجموعة الممانعة.
والحل له طريق واحد هو الإنتخاب دون عوائق وشروط وسيبقى ذلك هو الحل الواحد والأوحد للأزمة اللبنانية.