كتب أنطوان الأسمر في “اللواء”:
تغيّران أميركي وفرنسي من شأنهما التأثير نسبيا في السياسة اللبنانية لكل من واشنطن وباريس. واحد على مستوى السفارة في بيروت، وثانٍ أكثر وسعاً على مستوى جهاز الإستخبارات الخارجية الفرنسية، وله في لبنان حضور تاريخي متقدم وخصوصا في صفوف الطبقة السياسية. ولا ريب أن للتغييرَيْن تأثيرا- إن متفاوتا- في تحديد سياسة كل من البلدين في لبنان، وإنعكاساتها المرحلية.
1-مع بداية السنة الجديدة تكون السفيرة الأميركية دوروثي شيا قد غادرت بيروت بعد ولاية ممددة ناهزت الـ4 سنوات (عيّنها الرئيس السابق دونالد ترامب في 14 شباط 2020) أمضتها في ظروف استثنائية، لعلّ أبرز محطاتها العقوبات على رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل. وفي هذا الصدد ثمة الكثير مما لم يُكشف بعد عن الظروف التي سبقت العقوبات والملابسات والاجتماعات والحوارات التي خاضتها مع باسيل، ومحاولات الاستمالة التي لم يُكتب لها النجاح.
ويُنتظر ما سيكون عليه أداء السفيرة الجديدة ليزا آن جونسون، تأسيسا على خلفيتها الديبلوماسية – الأمنية، وهي الحائزة الماجستير في استراتيجية الأمن القومي من الكلية الحربية الوطنية، تتولى مهامها في مرحلة بالغة الدقة، وخصوصا على المستوى الامني. لذا، يوم تعيينها، رُبطت خلفيتها بما هو متوقّع أميركياً للبنان في المرحلة المقبلة. وزاد هذا الارتباط بين المَهمّة والخلفية، مع استعادة الضغط الأميركي – الدولي لإعادة الاعتبار إلى القرار 1701، ومع التهديد الإسرائيلي بحرب مدمّرة ما لم يستجب حزب الله ويسحب قواته إلى ما قبل نهر الليطاني.
ويُنتظر كذلك مستوى التنسيق الذي سيحكم علاقة السفيرة الجديدة بالمستشار الرئاسي آموس هوكستين الذي يتولى مَهمّة لبنانية – إسرائيلية شائكة لإعادة الإستقرار إلى الحدود والأمن إلى منصات الغاز العائمة.
2-ومع بداية السنة الجديدة أيضا، يحلّ رئيس المديرية العامة للأمن الداخلي الفرنسي نيكولا ليرنر مكان الدبلوماسي برنار إيميي على رأس المديرية العامة للأمن الخارجي DGSE. يأتي هذا التطور على الرغم من نصائح عدة تلقاها الإليزيه بعدم إحداث أي تغيير في أجهزة الاستخبارات قبل انقضاء الألعاب الأولمبية الصيفية بين 26 تموز و11 آب 2024. لكن تراكم الفشل في ولاية إيميي حتّمت هذا التغيير. وهو سبق أن واجه انتقادات كثيرة خلال رئاسته للمديرية إثر الفشل في توقع الغزو الروسي لأوكرانيا ومجموعة الانقلابات العسكرية في المستعمرات الفرنسية السابقة في أفريقيا. ويعرفه اللبنانيون جيدا، لا سيما سفيراً في بيروت إبّان الأحداث الدراماتيكية التي شهدتها سنة 2005، ومن ثم منذ توليه رئاسة الإستخبارات الخارجية سنة 2017. وترك بصماته في سلسلة «الانقلابات» في السياسة اللبنانية، منذ أن قرّر «تعيين» نجيب ميقاتي رئيسا للحكومة في نيسان 2005، وأعاد الكرّة في 26 تموز 2021. وأنهى إيميي مآثره اللبنانية بالشراكة مع الثنائي إيمانويل بون وباتريك دوريل، بالتوليفة الرئاسية المعروفة بثنائية سليمان فرنجية – نواف سلام والتي انتهت إلى الإجهاض.
المفارقة أن الثلاثي الرئاسي، المعروف بثلاثي البزنس السياسي، والذي واجه مساءلة رسمية ثقيلة على خلفية الفشل في رسم سياسة لبنانية واقعية وموضوعية للرئيس إيمانويل ماكرون، بات على هامش القرار في الإليزيه. فإيميي خرج إلى التقاعد، ودوريل إلى العراق سفيرا بمَهمّة محددة تحت مظلة البزنس السياسي وحلّت مكانه في الخلية الرئاسية آن كلير لوجوندر، وبون يمضي على الأرجح آخر أيامه قبل التقاعد مستشارا ديبلوماسيا رئاسيا في مجموعة العشرين ومجموعة السبع.
ولا يُخفى تأثير جهاز الإستخبارات الخارجية في رسم السياسة الخارجية لفرنسا، لا سيما في مناطق النفوذ التقليدي – الإستعماري كمثل شرق المتوسط وشمال أفريقيا. وطالما برز التناقض والتباين على هذا المستوى بين الاستخبارات ووزارة الخارجية، بفعل طبيعة التنافس الحسّاس في ملفات معقّدة، وهي بمجملها طبيعة غير حميدة. لكن مصاعب الوزيرة كاترين كولونا لن تكون محصورة فقط بالمنافسة المتوقعة من الرئيس الجديد للـDGSE الذي يحظى بثقة مطلقة من ماكرون، بل يحاصرها أيضا الدور المتقدّم الذي يقوم به الموفد الرئاسي جان – إيف لودريان، وميل الرئيس الفرنسي إلى حصر مجمل السياسة الخارجية بدوائر الإليزيه، وهو ما يشكّل مصدر شكوى ومادة إحراج للكي دورسيه. ولا شكّ أن الزيارة الأخيرة لكولونا إلى تل أبيب وبيروت ظهّرت دورها الأقرب إلى البروتوكولي.