كتب محمد شقير في “الشرق الأوسط”:
لا يعني إصرار الرئيس المكلف بتشكيل الحكومة نجيب ميقاتي على إشاعة جو من التفاؤل، بعد اللقاءات التي عقدها مع الرئيس ميشال عون للتشاور في عملية تأليفها والتي بقيت محصورة في تبادل الآراء حول توزيع الحقائب الوزارية على الطوائف قبل أن ينطلقا في اجتماعهما أمس في البحث في التفاصيل، أن طريق التأليف أصبح سالكا، بمقدار ما أنه يتطلع من خلال إشاعته للأجواء التفاؤلية إلى حض عون على التعاون.
والتقى ميقاتي أمس رئيس الجمهورية للمرة الثالثة منذ تكليفه تشكيل الحكومة وخرج من دون الإدلاء بتصريح قائلاً إنه سيعود نهار الاثنين لاستكمال التشاور مع عون.
وفي معلومات خاصة بـ«الشرق الأوسط» فإن الصيغة التي طرحها ميقاتي على عون والمتعلقة بتوزيع الحقائب على الطوائف قوبلت بملاحظات من الأخير يُفترض أن يتوصلا إلى مقاربة موحّدة لتضييق رقعة الخلاف للانتقال لاحقاً إلى إسقاط أسماء الوزراء على الحقائب.
وكشفت مصادر سياسية مواكبة للقاءات التمهيدية أن عون لمح إلى رغبته بإسناد وزارة الداخلية إلى وزير ماروني، وهذا ما لقي معارضة من ميقاتي مدعوماً من رؤساء الحكومات السابقين الذين أصروا على أن تكون الداخلية من حصة الطائفة السنية على قاعدة عدم المس بالصيغة المعمول فيها والخاصة بتوزيع الحقائب السيادية على الطوائف الأربع الرئيسة.
وألمحت المصادر السياسية لـ«الشرق الأوسط» أن عون يصر على تطبيق مبدأ المداورة في توزيع الحقائب ومنها السيادية، وأن لا مانع لديه من استثناء وزارة المالية والإبقاء عليها من حصة الطائفة الشيعية شرط أن يسمي هو شخصياً الوزير الذي سيتولاّها، وهذا ما دفع رئيس المجلس النيابي بري إلى المطالبة بأن يكون له رأي في تسمية بعض الوزراء المسيحيين انطلاقاً من ضرورة المعاملة بالمثل.
وأشارت إلى أن رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل أسرّ إلى ميقاتي عندما دعاه السبت الماضي لتناول العشاء إلى مائدته بأن حقيبة الداخلية يجب أن تكون من حصة المسيحيين، مع أن تكتله النيابي لم يسمّه في الاستشارات النيابية المُلزمة التي أجراها عون لتسمية الرئيس المكلف بتشكيل الحكومة، إضافة إلى أنه يرفض المشاركة فيها.
وأكدت أنه خلافاً لما قيل بأن باسيل لم يطرح إسناد الداخلية إلى وزير يسمّيه عون فإن المداولات التي جرت بين ميقاتي والمستشار الرئاسي لرئيس الجمهورية الوزير السابق سليم جريصاتي لدى زيارته له الأحد الماضي تدحض المعلومات التي نفت أن يكون الأخير قد طالب بإسناد حقيبة الداخلية إلى وزير يختاره عون وبالنيابة عنه.
ولفتت المصادر نفسها إلى أن جريصاتي حمل معه في اجتماعه بميقاتي عيّنة أوّلية من مطالب عون الذي يصر على أن يسمّي من يشغل وزارة العدل إضافة إلى الداخلية ويصر على المضي في التدقيق الجنائي الذي قد يشكّل مدخلاً لإقالة حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، وقالت إن ميقاتي وافق فقط على التدقيق الجنائي شرط ألا يشمل فقط مصرف لبنان وإنما جميع وزارات وإدارات ومؤسسات الدولة.
واعتبرت أن ميقاتي ليس في وارد إعطاء موافقة مسبقة على إقالة سلامة لأنه من غير الجائز الالتفاف على التدقيق الجنائي قبل التأكد مما سيحمله التدقيق، وقالت إنه تحدّث عن ضرورة الإسراع بتشكيل الحكومة وعدم تكرار التجربة السابقة التي أدت إلى اعتذار سلفه الرئيس سعد الحريري عن تشكيل الحكومة بعد أن مضى على تكليفه أكثر من 9 أشهر.
وأوضحت المصادر السياسية أن ميقاتي وإن كان لا يحبّذ إطالة أمد التكليف فإنه في المقابل ليس مع إغراق عملية التأليف في مراوحة قاتلة لأن البلد لا يحتمل هدر الوقت، وقالت إن ميقاتي يدفع باتجاه تسريع ولادة الحكومة وقبل حلول موعد 4 آب الذي يصادف مرور عام على جريمة العصر التي حلت ببيروت من جراء انفجار المرفأ، ويتلازم هذا التاريخ مع انعقاد المؤتمر الدولي لدعم لبنان برعاية فرنسية وبتأييد أميركي والمجتمع الدولي.
فانعقاد المؤتمر في حال تلازم مع تشكيل الحكومة – كما تقول المصادر – يشكّل فرصة للحكومة العتيدة لمخاطبة المجتمع الدولي طلباً للمساعدة بدلاً من أن يحصر مساعداته بمؤسسات وهيئات المجتمع المدني والقوى الأمنية وعلى رأسها المؤسسة العسكرية، خصوصاً أن الضغط الأميركي والفرنسي إلى ارتفاع لتسهيل تشكيلها اليوم قبل الغد وأن واشنطن وباريس على تواصل مع الدول العربية رغم أن معظمها تتعامل بحذر مع تشكيلها وتفضّل التريث وعدم استباق الأحكام لتحديد موقفها في حال أنها أيقنت بأن الحكومة العتيدة ليست نسخة طبق الأصل عن الحكومات السابقة وآخرها الحكومة المستقيلة برئاسة حسان دياب.
وعلمت «الشرق الأوسط» أن تريُّث بعض الدول العربية ومنها الخليجية في تحديد موقفها لا يعود إلى موقفها من الرئيس المكلف، وإنما لقطع الطريق على أن تأتي الحكومة نسخة طبق الأصل عن حكومة دياب أو الحكومات الأخرى التي كان لـ«حزب الله» اليد الطولى في السيطرة عليها.
وفي هذا السياق، قالت مصادر دبلوماسية عربية إن بعض دول الخليج العربي وإن كانت لم تقصّر في دعم لبنان والوقوف إلى جانبه في الشدائد، فإنها ليست على استعداد لتوظيف دعمها ومساندتها لإعادة إنتاج المنظومة السياسية وتعويمها، خصوصاً أنها تتخوّف من أن تشكّل حكومة الاختصاصيين والمستقلين من وزراء مقنّعين هم الوجه الآخر لحكومة تكنوسياسية.
لذلك، فإن حذر هذه الدول يبقى سيد الموقف حيال تشكيل الحكومة، وبالتالي فإن واشنطن وباريس لم توقفا اتصالاتهما بالدول التي ما زالت في موقع التحفُّظ لضمان إبقاء لبنان على قيد الحياة بالمعنى السياسي للكلمة إلى حين حلول موعد إجراء الانتخابات النيابية المقررة في ربيع عام 2022 والتي يمكن أن تشكل محطة لإعادة إنتاج السلطة.
وأكدت المصادر نفسها أن لبنان لا يزال في غيبوبة سياسية وهناك حاجة لتزويده بجرعات من الأكسجين توفّر له المساعدات لمنعه من الذهاب إلى الانفجار الشامل، وهذا يستدعي مبادرة القوى السياسية إلى التجاوب بلا أي تردّد مع نصائح عربية وأخرى فرنسية وأميركية أُحيطت بها علماً من سفيري الولايات المتحدة دوروثي شيا وفرنسا آن غريو لأن تجاهلها سيفوّت على لبنان آخر فرصة لإنقاذه.
وعليه، فإن لقاءات التشاور بين ميقاتي وعون تبقى في حدود المصافحة تمهيداً للانطلاق في مسار التأليف الذي يتوقّف بلوغه بر الأمان بولادة الحكومة على مدى استعداد عون للتعاون مع ميقاتي الذي يبدي كل مرونة وانفتاح من دون أن يفرّط بالثوابت التي رسمها بالتعاون مع رؤساء الحكومات السابقين.
فهل يعيد عون النظر في حساباته ويراجع مواقفه ليلتقي ميقاتي المشهود له بتدوير الزوايا في منتصف الطريق ويبدّد الحذر الذي يلفّ موقف معظم القيادات وأولهم الرئيس بري صاحب الشعار القائل بأن العبرة تبقى في التأليف، ونائب رئيس البرلمان إيلي الفرزلي الذي كان السبّاق في تحديد مصدر الخلل عندما قال إن «ختم الجمهورية» بيد باسيل؟