
جريدة اللواء
في بلد تفقد عاصمته، يوماً بعد يوم، توهّجها الوظيفي، مع تحولها إلى مدينة «كوزموبوليتية» خارج عصر النخبة التاريخي، الذي عرفته حتى ما قبل الحرب الأهلية (1975 – 1976)، وكادت تستعيده، مع عمليات النهوض وإعادة الإعمار مع رفيق الحريري (1992 – 2005)، وهي فترة انطلاق مهمة الرجل، الذي اغتيل عام 2005، في إعادة بيروت، عاصمة للشرق الأدنى، المرتبطة نخبه بالغرب الأوروبي – الأميركي، بهوية عربية تطمح لخيارات «السلام الشامل والعادل» في الشرق الأوسط، المليء بالاضطرابات والصراعات، وإعادة بناء المطامح الكبرى، والأهواء الاستعمارية والإمبريالية، التي راحت تتدحرج مع تشكل عالم ما بعد الحرب الكونية الثانية.
في التحول هذا، تركت بيروت، مع لبنان، لقدر المغالبات الجيوبوليتيكية، في خضم عصر التحولات الضخمة منذ أحداث 11 أيلول 2001، إلى نشأة طالبان الأفغانية، وصولاً إلى تنامي قوة «حزب الله»، بعد غزو بغداد 2003، وحرب تموز 2006، مع متغيرات الربيع العربي، وبروز القوة العسكرية «لداعش»، بعد الضربات التي وجهت للقاعدة، وصولاً إلى اغتيال مؤسسها أيام ولاية باراك أوباما.
واختصاراً لمسار «الفتك السرطاني» الجيوبوليتيكي ببنية لبنان، الدولة، والمجتمع منذ 17 (ت1) 2019، يمكن تلمس وضعية «البلد النموذج» على الحوض الشرقي للبحر الأبيض المتوسط، الذي قدّر له احتضان، أسوأ ما في اضطرابات الشرق الأوسط، من صراعات، كأرض مركزية أوراسية، تعج بالفوضى… حتى كان ما كان بعد الحرب في سوريا، التي أعادت إلى المنطقة كل أشكال التورط العسكري، الإقليمي والدولي، على الأرض، مع ما استتبع من انهيارات، عمقت أزمة النزوح باتجاه لبنان، وعمقت عبء الأشغال التي يتعين على البلد أن يتحملها في غمرة سياسة العقوبات الأميركية على سوريا وإيران، وصولاً إلى لبنان.
شكًل صعود الصين كقوة عظمى أحد أبرز التحديات، في الصراع الدولي، لا سيما بالنسبة للولايات المتحدة الأميركية. وعبّرت حقبة دونالد ترامب عن حجم التحدي الصيني للولايات المتحدة الأميركية، وشهدت العلاقات الأميركية – الصينية توتراً بسبب التخوفات الأميركية من تحقيق الصين الهيمنة على التكنولوجيا الفائقة، خاصة في مجال الذكاء الصناعي والروبوتكس والشرائح الذكية، بصورة تهددها اقتصادياً وعسكرياً، ومن زاوية ما أعلنه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن «الذكاء الصناعي سيحكم العالم».
أحدثت الاتفاقية الاقتصادية التجارية التي وقعت بين الصين وإيران حدثاً، ستكون له تداعياته، على طبيعة إعادة تكوّن التحالفات والتكتلات، بين دول المركز الصاعدة (الصين، الهند) ودول الإقليم الفاعلة (إيران، تركيا، السعودية، مصر، وغيرها)، والتي مضت في الزمن حتى منتصف القرن الحالي (2045م) ضمن معادلة: استيراد النفط الإيراني، وبناء مدن جديدة في إيران بمهارات ومعدات صينية وتفعيل الصناعات التعدينية وتطوير التعاون السياسي والإقليمي والعسكري والأمني، وتأسيس شبكة إنترنت، يكون بإمكانها الانفصال عن الشبكة العالمية، والعمل باستقلالية عنها، توليد الكهرباء ونقلها من إيران إلى باكستان وأفغانستان والعراق وسوريا، فضلاً عن إعادة إحياء طريق الحرير بين الشرقين الأوسط والأقصى.
هذا التحدي، هو الذي يطرح الأسئلة عن حجم النفوذ الأميركي، المتبقي في قارة آسيا؟ وبالتالي يجعل من المفهوم سعي إدارة بايدن، لإعادة بناء تحالفها مع أوروبا، من البوابة الفرنسية، المطلة على مناطق النفوذ الاستعماري الفرنسي السابق في كل من سوريا ولبنان.
لا حاجة لاستباق الانعكاسات التي ستحصل في ضوء إعادة بناء النظام الجيوبوليتيكي والجيوإيكونوميكي، والجيوإنفورماتيكي حول العالم، وموقع الشرق الأدنى ولبنان، في الخرائط الكبرى التي يعاد رسمها، من زوايا غير مسبوقة في بناء العلاقات الدولية.
الآن، يصبح مفهوماً كلام الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، عن معنى التوجه اللبناني شرقاً، أي باتجاه الصين وإيران.