شعار ناشطون

حزب الله في الجنوب وبيروت: استعراض القوة غير مُجدٍ

28/01/25 06:33 am

<span dir="ltr">28/01/25 06:33 am</span>

منير الربيع – المدن

ربما على سبيل الصدفة، ولكن ليس من محاسنها بالتأكيد، أن تأتي عودة حزب لله إلى المشهد اللبناني، عبر التحركات التي جابت شوارع العاصمة بشكل استفزازي لمختلف اللبنانيين، بالتزامن مع صدور كتاب المعاون السياسي لرئيس مجلس النواب، علي حسن خليل، والذي يروي فيه تفاصيل المرحلة الممتدة بين عامي 2006 و2008. أي ما بعد حرب تموز إلى لحظة أحداث 7 أيار، التي استخدم خلالها الحزب سلاحه في الداخل، فاجتاح بيروت والجبل لتغيير معادلات سياسية. يروي الكتاب الكثير من التفاصيل حول آليات التحضير للكثير من التحركات في الشارع، لقلب موازين القوى والضغط على الحكومة في تلك الفترة. كان مسار حزب الله واضحاً في الضغط على كل خصومه في الداخل. إذ ارتدّ نحو الملفات الداخلية بعد حرب تموز لتثبيت قوته والحفاظ على تأثيره وبقائه. يشير الكتاب بوضوح إلى مراجعات وبعض الاعتراف بأخطاء الرهان على الشارع لتحقيق أهداف سياسية.

تطويق العهد
على الرغم من هذه الإشارات لا يبدو أن الحزب قد أجرى مراجعة جدية لاستخدام الآلية نفسها، فهو دوماً يستخدم الشارع للانقلاب على نتائج سياسية. وهذا ما أقدم عليه في محطات كثيرة، أبرزها ثورة 17 تشرين، وحالياً ما بعد الحرب وما بعد انتخاب رئيس للجمهورية وتكليف رئيس للحكومة، كلاهما يعتبر حزب الله أنه لم يكن يوافق عليهما. لذا وجب بالنسبة إليه التحرك في الشارع لتطويقهما ولتغيير نتائج سياسية أو فرض أمر واقع كما يريده هو. التحركات التي جابت شوارع العاصمة بيروت، قضت على المشهد الإيجابي الذي تجلّى في الجنوب طوال يوم الأحد. وهو مشهد يشير إلى تعلّق الجنوبيين بأراضيهم واستبسالهم إلى جانب الجيش للدخول إلى قراهم وبلداتهم. فانقلب المشهد من غاية في الإيجابية إلى غاية في السلبية في شوارع بيروت. كان ذلك بوضوح نوع من مسعى تطويقي للعهد الجديد ولرئيس الجمهورية جوزاف عون ورئيس الحكومة المكلف نواف سلام.
على أكثر من خطّ وفي أكثر من اتجاه، عمد حزب الله إلى إطلاق رسائله بفحواها الإصرار على احتفاظه بـ”قوته”، بدءًا من المشهدية التي قدمها في الجنوب لأهالي المنطقة العائدين إلى قراهم برفقة الجيش اللبناني، وانتهاءً بمشهدية مسيرات الدراجات النارية التي جابت مختلف شوارع العاصمة وضواحيها على تماس مع مناطق أخرى أيضاً، مصحوبة بإطلاق كثيف للرصاص في الهواء، لإثبات قوته، وإن انطوى ذلك على استفزاز الكثير من اللبنانيين. عشرات الشبان المؤيدين لحزب الله وحركة أمل جابوا شوارع العاصمة بهتافات “شيعة شيعة شيعة”. هي الهتافات التي يتذكرها اللبنانيون إبان اندلاع ثورة 17 تشرين. في حينها تجلى رفض حزب الله لهذه الانتفاضة الشعبية وعمل على قمعها.
تجدد هذه التحركات يُراد منه إيصال رسالة أساسية لرئيس الجمهورية ورئيس الحكومة المكلف، بأن الحزب مستعد للتحرك كما فعل في تشرين 2019، خصوصاً أن الجو العام في لبنان يشير إلى أن انتخاب جوزاف عون وتكليف نواف سلام برئاسة الحكومة، كانا أحد نتاجات 17 تشرين.

تكامل أمل-حزب الله
أراد حزب الله داخلياً، الاستثمار بتحركاته في الجنوب والتي من خلالها أظهر إمساكه بالأرض، من خلال مسيرات الدراجات النارية، للقول إنه لا يمكن لأحد أن يستثني الحزب أو يتجاوزه. أما الرسالة الأهم فكانت الإشارة إلى التكامل ما بين حزب الله وحركة أمل على المستويين الشعبي والسياسي، وأنه لا يمكن لأحد الذهاب إلى إبرام اتفاق مع رئيس مجلس النواب بمعزل عن الحزب، وأن نبيه برّي لا يمكنه أن يتفاعل مع أي تباينات أو اختلافات في الآراء والتوجهات مع حزب الله، إنما إظهار “الوحدة الشيعية”. عبّر حزب الله بوضوح عن امتعاضه من التطورات السياسية التي حصلت منذ انتخاب الرئيس، واستند على عرض قوته في الشارع ليقول إنه لا يزال موجوداً وقوياً ولا يمكن تجاوزه. كما أنه أراد تهيئة الأرضية أمام المزيد من التحركات لقطع الطريق على أي محاولة لعزله، ولتشكيل عنصر ضاغط على القوى الدولية والإقليمية، من خلال المطالبة بانسحاب الجيش الإسرائيلي من الجنوب. مجدداً هي طريقة قديمة جديدة، لا يريد الحزب الاعتراف بأنها غير مجدية، وإن أسهمت في تغيير بعض المواقف أو الوقائع، لكنها لا تحقق أي نتائج مرجوة أو إيجابية، بقدر ما تعيد إحياء منطق الصراع الداخلي الذي يؤدي إلى المزيد من الوهن والضعف والانهيار.

تابعنا عبر