شعار ناشطون

حال الناس مع الوباء!

22/04/21 09:39 am

<span dir="ltr">22/04/21 09:39 am</span>

كتب سليمان جودة في “الشرق الأوسط”: 

لا شيء يصور حال الناس هذه الأيام مع فيروس «كورونا» ولقاحاته، إلا معنى آية القرآن الكريم في سورة الزخرف التي تقول: «ونادَوا يا مالكُ ليقضِ علينا ربك قال إنكم ماكثون».

فالمعنى فيها أن أهل العذاب سوف تأتي عليهم لحظة من اللحظات يوم الحساب ينادون فيها مالكاً، خازن النار، مطالبين أن يقضي عليهم الخالق ليموتوا ويستريحوا، ولكن مالكاً يرد فينبئهم بأنهم باقون في العذاب. وهناك تفسير آخر للآية يقول إنهم يطلبون الموت ليس هرباً من العذاب، ولا سعياً إلى الراحة منه، ولكن يأساً من طول الانتظار الذي يجدون أنفسهم أسرى قبضته.
وقد أبدعت الأمثال الشعبية المصرية فأطلقت مثلاً يقترب من معنى الآية فيقول ما معناه أن وقوع البلاء أفضل من انتظاره!

وقد بقينا نتابع على مدى شهور الوباء وأيامه، أن جموعاً حاشدة من المواطنين في أكثر من دولة كانت تخرج داعية إلى إنهاء الإغلاق الذي اتخذته حكومتهم، ثم تابعنا أن من المحتشدين في أكثر من عاصمة من كان يرفض إجراءات الإغلاق ويتمسك بالرفض، وكان يقول إن الناس ليسوا بالسذاجة التي تجعلهم يقبلون إغلاقاً ليس في محله، ولا هو يستند إلى مبرر يستريح إليه العقل ويقبله.
ورغم أن إجراءات الإغلاق كانت في أساسها حفاظاً على صحة المواطن في مكانه، ورغم أن المواطنين أنفسهم كانوا يدركون هذا في الغالب، فإن الملل من طول بقاء الإغلاق جعلهم يطلبون إنهاءه مهما كان الثمن، حتى لو كان هذا الثمن هو الوقوف وجهاً لوجه مع الفيروس ذاته.

وجاء وقت آخر كان الشك في أمر اللقاح سابقاً على اليقين، وكان كثيرون حول العالم يفضلون مواجهة الفيروس على طريقة طرفة بن العبد في معلقته الشعرية الشهيرة التي كان يقول فيها:
فإن كنتَ لا تستطيع دفع منيتي فدعني أبادرها بما ملكت يدي
كان هناك شك لدى قطاع كبير من الناس في صدق نوايا الحكومات من وراء اللقاح، وكان هناك كلام كثير يقال عما يمكن أن يكون وراءه من الأهداف غير البريئة عالمياً، ولم يكن هناك دليل يتوفر على مثل هذه الشكوك والمخاوف، ولكنها مع ذلك وجدت طريقها بين الكثيرين بسهولة وسرعة معاً!
وكان مما ساعد على انتشار المخاوف والشكوك، أن لقاحات عديدة قد جرى التوصل إليها خلال عام واحد من حديث منظمة الصحة العالمية في 11 مارس (آذار) 2020 عن أن الفيروس بلغ حد الوباء.

كان الطبيعي أن تكون السرعة في الوصول إلى اللقاح مما يطمئن الناس ولا يشككهم، ولكن تبين أن هذه السرعة التي لم تكن ممكنة مع كل وباء صادف البشرية من قبل، قد تحولت من ميزة إلى عيب، ومن نعمة إلى نقمة، ومن شيء محسوب في ميزان خبراء اللقاحات إلى شيء محسوب عليهم، ومن شيء باعث على الأمل إلى شيء مثير للخوف.
واجتمع على الناس بامتداد الأرض خوفان اثنان؛ واحد من الفيروس نفسه باعتباره ضيفاً ثقيلاً حل فجأة ولا يريد أن يغادر، وخوف آخر من اللقاحات بشتى أسمائها، ولم يكن غريباً أن تنقلب في نظر قطاعات واسعة شيطاناً يسعى إلى أن يتلبسهم!

ومع حالة التمدد الوبائي التي طالت مع «كورونا»، لم يجد أصحاب المخاوف والشكوك مفراً من التسليم بأنه لا بديل عن اللقاح.
وزاد من التسليم أن دولاً في مناطق متفرقة قد شرعت في الإعلان عما يسمى جواز السفر الصحي، الذي لا يعني شيئاً سوى أن الحصول على اللقاح سيكون شرطاً للعبور من دولة إلى دولة، وسيكون عدم الحصول عليه يعني أن تظل حبيساً في بلدك لا تغادره.

وقد وصل موضوع جواز السفر الصحي إلى حدود بعيدة ممتلئة بالتفاصيل والتعقيدات، ولكن هذا يبقى موضوعاً آخر، لأن الموضوع الأصلي هو ضرورة أن تحصل على اللقاح، إذا ما رغبت ليس فقط في أن تتحصن ضد هذا الضيف الثقيل، ولكن إذا رغبت في أن تعود لتمارس حقوق الإنسان الطبيعية، وفي المقدمة منها الحق في السفر الذي هو حق أساسي لك كإنسان.
وما كاد الإنسان الذي ملّ إغلاقات الوباء المتتالية يستسلم ويقبل بالتطعيم، حتى وجد نفسه في مواجهة مع مفاجأة غير سارة لم تكن على البال!
كانت هذه المفاجأة أن اللقاحات التي بدت طوقاً للنجاة في الأفق قد بدأت تحاط بالكثير من الشكوك، وقرأنا أن لقاح أسترازينيكا على سبيل المثال يتسبب في مشاكل صحية، ورغم أن دولة في حجم بريطانيا اعتمدت عليه بالأساس في تطعيم مواطنيها، فإن ذلك لم يمنع شيوع الخوف منه، ولم يمنع دولة مثل الدنمارك من منع استخدامه على أرضها نهائياً.

ثم كانت هناك مفاجأة من النوع نفسه مع لقاح جونسون أند جونسون، الذي كان يتميز عن كافة اللقاحات بأنه يؤخذ على جرعة واحدة، لا جرعتين كما هي الحال مع باقي اللقاحات، ورغم أن الولايات المتحدة أعطته لسبعة ملايين من مواطنيها، فإن هذا لم يمنع إدارة الرئيس جو بايدن من الإعلان عن تعليق استخدامه فوق أراضيها إلى حين صدور إشعار آخر.
ثم لم يلبث لقاح موديرنا حتى لحق بهذين اللقاحين على ذات الطريق أو كاد، فبدا الأمر كأننا أمام سبحة تنفرط حباتها حبة من وراء حبة، فتنفرط مع الحبات قلوب الملايين من البشر الذين عاشوا يراهنون على هذه اللقاحات الثلاثة وعلى غيرها مما لم يلحق بها بعد. واشتعل بين الناس سؤال لا جواب له، عما إذا كانت المخاطر الصحية المرتبطة باللقاحات الثلاثة حقيقة علمية قائمة بذاتها، أم أن القصة هي قصة صراعات خفية بين شركات الإنتاج التي ترغب كل واحدة منها في الاستحواذ على سوق اللقاح من دون غيرها؟

وكان السؤال له ما يبرره، لأن الذين عانوا من مشاكل صحية جراء الحصول على لقاح جونسون أند جونسون في الولايات المتحدة مثلاً، يقل عددهم عن عدد أصابع اليد الواحدة، فكيف لعدد محدود للغاية كهذا أن يمثل خطورة عامة، إذا كان الحاصلون على هذا اللقاح هناك سبعة ملايين؟!

وهكذا… طال عذاب البشر مع الفيروس اللعين من وطأة الانتظار، وبدت آية سورة الزخرف أقرب ما تكون إلى التعبير عن حال الناس في الدنيا مع هذا الوباء، رغم أن حديثها في القرآن هو عن الحال هناك في الآخرة، وليس عنه هنا في دنيانا الحاضرة.

تابعنا عبر