
مع سقوط النظام، عاد اسم النجم السوري جمال سليمان إلى الواجهة، وتابع الجمهور رحلة عودته إلى دمشق بعد سنوات من الغياب عنها. لكنه سرعان ما عاد إلى مصر لمتابعة تصوير مسلسله “أهل الخطايا”، المقرّر عرضه خلال شهر رمضان.
عن الدراما وعن سوريا والمستجدات الراهنة تحدّث جمال سليمان إلى “النهار”، وكان لنا هذا الحوار.
*بعد 13 عاماً من الاغتراب القسري زرت مدينتك دمشق، فكيف كانت الزيارة، وما هي المشاعر التي راودتك؟
كانت مشاعري مختلطة إلى حدّ بعيد. صحيح أن فرحة الخلاص من النظام البائد ولقاء الأهل كانت هي الطاغية، ولكن مشاعر أخرى راودتني. كنت أسأل نفسي عن أصدقائي، هل هم كما تركتهم؟ هل ما كان بيننا ما زال على حاله أم أنه خبا، أو تلاشى مع الوقت؟ ولكنني عندما التقيت كثيرين منهم شعرت بأن المحبة وحرارة الصداقة ما زالت على حالها، لكنّ أشكالنا اختلفت.
بعض الأصدقاء الذين اختلفتُ معهم سياسياً تواصلوا معي، وكانوا ودودين أيضاً. أما عن دمشق المدينة فقد أحزنني كم هي منهكة ومستنزفة. ولكن سرّ هذه المدينة عميق جداً، وهو ما يجعلها تعود وتنهض وتتألق.
*كذلك زرت قبر والديك، وقبر الراحل حاتم علي؟
نعم، كان ذلك أول شيء قمت به أنني زرت قبر والدي وقبر والدتي اللذين لم أتمكّن من تقبّل العزاء بهما عندما رحلا، وعلى بعد أمتار من قبريهما كان قبر حاتم. رحمهم الله جميعاً.
*أنت من كبار الممثلين الذين عاشوا الزمن الذهبي في التلفزيون العربي السوري وفي القطاع الخاص. ما هي الاستراتيجية لنهضة الدراما من جديد؟ وهل يمكن أن يعود وهجها؟
أتمنى أن تعود الدراما السورية إلى ما كانت عليه، بل إلى مكانة أعلى لأنها واحدة من أنجح الصناعات السورية. وهي لعبت دوراً كبيراً، ليس في إمتاع المشاهد فقط، بل في التعبير عن هواجسه وتعزيز وعيه والدفاع عن قضاياه، وكذلك في تعزيز معرفته بالتاريخ القديم والمعاصر.
الدراما السورية هي التي حملت سوريا وطارت بها إلى كل بيت في العالم العربي. وفي سنوات الصراع والاغتراب كانت الدراما السورية واحدة من أشياء قليلة جمعت معظم السوريين على اختلاف مشاربهم.
أما عن الاستراتيجية لنهضة الدراما فهذا مرتبط بالاستراتيجية العامة للدولة الجديدة، وبمكانة الفن والثقافة وحرية التعبير في الدستور المأمول وفي السياسات العامة للدولة. كذلك، فإن الأمر يتعلق بمدى الاستثمارات المرتبطة بالإعلام والإنتاج الفني والإبداعي. كلّ ذلك سيحدد مكانة العمل الإبداعي في مستقبل سوريا.
المشهد السوري الحالي والمستقبلي يحتاج إلى كثير من الأعمال التي تعيد الاعتبار إلى الحقيقة في السردية السورية، كما أنها تستطيع أن تعلب دوراً كبيراً في المصالحة الوطنية وترميم الهوية السورية التي أصابها الكثير من التشوهات.
*لمناسبة الحديث عن المصالحة والهوية الوطنية، نرى اليوم الكثير من الاحتقان الطائفي؛ ولعلّ ذلك كان جلياً في حمص، لأنها مدينة متعددة الطوائف… هل ترى التقسيم وارداً مستقبلاً في ظلّ ما يجري؟
الجواب الواثق والأكيد: لا. لن يحدث التقسيم في سوريا. هذا جواب كل السوريين، لأننا لا نريد لبلدنا أن يقسم، وهذا شيء رائع. ولكن يجب ألا نعتبر ذلك أمراً مستحيلاً. سوريا ستبقى موحّدة إذا أردنا نحن السوريين وحدتها، وقاومنا أيّ سياسات أو تصرّفات تزعزع وحدة بلادنا.
للأسف، في ظل الاستقطاب الشديد والممارسات غير المنضبطة فإن كلمة التقسيم عادت إلى التداول، وعلينا جميعاً أن نعي ذلك ونفعل كل ما هو ضروري لإحباطه. أنا واحد من السوريين الذين انتقدوا ما يجري في حمص وغيرها، ومع أنني كنت معارضاً للنظام البائد، وشديد الوضوح بأنني لا أدافع عن المجرمين، طالبت بأن نترك للدولة تنفيذ العدالة بدلاً من أن ينفذها أشخاص في الشوارع حيث الحكم هو الرمي بالرصاص، إلا أنني بتّ عرضةً لحملة كبيرة على أساس طائفي. وهنا أريد أن أقول إن النظام -مع أنه سقط- ما زال يسجّل النقاط، لأنّه هو من أرادها أن تكون صراعاً طائفياً في حين أنها كانت ثورة ضد فساده واستبداده.
*هل أغضبتك الحملة التي واجهتك على السوشيال ميديا؟
لم أنظر إلى المسألة بشكل شخصي، ولم تغضبني بقدر ما أحزنتني لأنني كنت أتمنى أن نكون جميعاً قد تعلمنا من دروس الماضي. كنتُ أظنّ أننا جميعاً نعلم أن النظام قد اعتاش على الخوف الطائفي الذي عمل عليه وأوقد نيرانه، وأننا يجب أن لا نقع في هذا الفخ.
في المقابل، كثيرون منّا يدركون خطورة هذه المسألة، وأنه لا يجوز الخلط بين العدالة والطائفية. نحن جميعاً نريد العدالة إنصافاً للشهداء، لكن في القضاء لا في الشوارع. مستقبل البلاد يحتاج أيضاً إلى مسار المصالحة، لأنها الطريق إلى خفض الاحتقان وإلغاء الخوف الطائفي أو الفئوي، والأهمّ صياغة عقد اجتماعي يقوم على مبدأ المواطنة المتساوية.
*هل تعتقد أن الأمور تسير في هذا الاتجاه؟
إن الكلمة التي وجهها الرئيس أحمد الشرع إلى الشعب السوري رسمت الخطوط العريضة لذلك، وبالتالي فتحت باب الأمل.
*كثيرون يرون أن ما يجري على الأرض يتناقض مع تلك الخطوط التي رسمها الشرع في خطابه؟
هذا مع الأسف صحيح. لنعترف بأن حضور الدولة لم يكتمل بعد، وبالتالي هناك ضبابية، والناس تسأل: “هل ما يجري على الأرض يمثل الدولة الجديدة أم أنه يمثل فكر المليشيات التي تقوم بتلك الممارسات؟”. يترافق ذلك مع ضجيج التحشيد الطائفي عبر السوشيل ميديا الذي يغذّي نوعاً من السلوك الغرائزي المنفلت. ولنعترف أيضاً بأن 60 عاماً من الحكم الاستبدادي وتصحّر الحياة السياسية ترك وراءه الكثير من الجمر تحت الرماد، ولا خيار لنا اليوم إلا الحوار الوطني بأوسع أشكاله كي نتجاوز آلام الماضي. هذا هو التحدي الكبير الذي علينا اليوم مواجهته. ويمكن للدراما أن تلعب دوراً في الحوار الوطني الشامل، وأن تجعل نظرتنا إلى بعضنا أكثر إيجابية.
*بما أنك عدت إلى الحديث عن الدراما، دعني أسألك: أنت لا تشارك في أغلب الأحيان في الأعمال العربية المشتركة، فهل ثمة موقف ضدها؟ وهل خدمت الممثل السوري أم أضرّت به؟
لست ضدها، ولم أشارك، لأنني لم أتلقّ أيّ عرض مناسب. الدراما المشتركة في معظمها لم تُتح للممثل السوري توظيف قدراته في محتوى عميق، إلا أنها منحته مزيداً من الشهرة بسبب جماهيريتها.
*وماذا بشأن مسلسل سجن صيدنايا؟ هل ما يزال المشروع قائماً؟
نعم ما زال قائماً، واسم المسلسل “الخروج إلى البئر”. وهو من إنتاج شركة ميتافورا، ومن تأليف سامر رضوان، الذي اشتغل في كلّ أعماله تقريباً على تعرية النظام البائد. التحضيرات ما زالت تجري كي يخرج العمل بالصورة المطلوبة