كتبت غادة حلاوي في “نداء الوطن”:
لا سلطة لاتخاذ اي قرار في لبنان. لا حكومة تصريف الاعمال تجتمع او تقرر، ولا الوزارات تقوم بأكثر من تسيير الحد الادنى من المعاملات والوزراء عاجزون عن اتخاذ اي قرار. في أوج الازمة لا صوت لوزير المالية ولا لوزير الاقتصاد والتجارة ولا الطاقة. ثمة فشل ذريع يتخبط به الجميع. وكلهم يتهربون من قرار رفع الدعم الذي رفع عملياً. يتقاذفون كرة النار وهل من يجرؤ بينهم أن يعلنها للرأي العام ان حاكم المصرف المركزي رياض سلامة ابلغ مجلس الدفاع الأعلى صراحة “ما عاد عندي مصاري”.
ورغم الكارثة التي حلت فإن مصادر سياسية تجزم بأن الآتي أعظم بعد. فالمتوقع ، حسب مصادر 8 آذار، ان يستمر مسلسل الضغط على “حزب الله” في سياق استهداف واضح وممنهج. فيما الدول الكبرى تراقبنا عن بعد وتكتفي بالتهديدات لان لا اجماع بينها على الخطوات المقبلة.
يريد الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون والحلقة الملاصقة له تشكيل حكومة في لبنان كسبيل وحيد لإستعادة زمام الامور داخلياً ودولياً. لكن السفيرة الفرنسية لم تخف لمقربين خلاصة ما توصلت اليه جراء الاوضاع المعقدة في لبنان والتي دفعتها الى القول ان لا حكومة في لبنان على ما يبدو، وان الاجواء ستبقى على ما هي عليه حتى الانتخابات النيابية. وانهم نصحوا المسؤولين في بلدهم بان ملف لبنان بالغ التعقيد والدخول اليه دونه اعتبارات كثيرة يجب أخذها بالحسبان. وتنقل مصادر مطلعة على الموقف الفرنسي وجود فريق في الادارة الفرنسية غير راضٍ عن ادارة المعنيين لهذا الملف، كذلك الامر فان الاتحاد الاوروبي غير راضٍ عن التعاطي الفرنسي مع الملف اللبناني. وفي لبنان الأمر لا يختلف كثيراً، ففرنسا التي دخلت بكل قوتها على خط تشكيل الحكومة منذ ما قبل تكليف السفير مصطفى اديب، بدأت تتراجع تدريجياً حتى وصلت الى حد الاستفسار عن بعد عن احوال الحكومة من الرئيس المكلف والمعنيين الآخرين، فيما اي خطوات عقابية غير مؤكدة بعد رغم التهويل الاعلامي. وحتى هذه العقوبات وان وقعت فستكون غير ذي جدوى ومن شأنها ان تضاعف التعقيدات ولا تزيلها.
ورغم تأكيدات بعض المعنيين مباشرة ان لا رابط خارجياً بين التشكيل الحكومي والملفات المعقدة في المنطقة، فان الرابط واقع لا محالة وثمة من يؤكد في فريق 8 آذار، وجود مسعى خارجي للانقلاب على الواقع من خلال الارض، وأن ذكرى الرابع من آب شكلت القطوع الأخطر الذي تلافاه لبنان صدفة. فمقارنة مع التحضيرات التي سبقت ذاك التاريخ كان متوقعاً ان تحصل خطوات أكثر قوة، بدأت التحركات على الارض، عمت الفوضى واذا بالصواريخ تطلق من ارض الجنوب. وصلت الرسالة. اعتداءات اسرائيل ورد من “حزب الله” عليها، لمنع قلب المعادلات المثبتة سابقاً. قالها السيد حسن نصرالله: لا احد يراهن على سوء الاوضاع الداخلية لجر “حزب الله” الى تغيير قواعد الاشتباك، واللعب في الداخل سيفتح على مواجهة شاملة.
وسط هذه الاجواء المحمومة، اي حكومة متوقع ان تبصر النور؟ كل الاجواء المحيطة سلبية بالمطلق. حتى المسودة التي اعلن الرئيس المكلف نجيب ميقاتي تسليمها لرئيس الجمهورية العماد ميشال عون مجرد تغيير في التكتيك. فبدل البحث النظري انتقل ميقاتي الى الشق العملي فأعد مسودة لا تتضمن اي جديد فأبقى توزيع الحقائب على الطوائف على حاله محتفظاً بحقيبتي الداخلية والعدل من حصته، ما يعني أن العقد لا تزال على حالها. تسلم عون المسودة واعداً بدراستها خلال اجتماع اضافي سادته الليونة بين الطرفين أعقب اجتماعاً ملبداً الجمعة الماضية. استدركه رئيس الجمهورية من خلال اتصالات لترطيب الاجواء. سارع ميقاتي بعدها لوضع رئيس مجلس النواب نبيه بري في حقيقة العقبات التي تعترض عمله والتي تتلخص بأن عون لن يسهل لميقاتي تشكيل حكومة ويقدمها على طبق من فضة، وميقاتي يعرف ان عون وصهره لا يريدانه ومع ذلك فالرجل يريد ان يلاقيهما الى آخر المشوار مفوتاً فرصة استغلال اي كلمة سلبية من قبله.
هي الايجابية التي يصر على اشاعتها الرئيسان ولم يلمسها المواطن الذي يئن تحت وطأة حاجته الى المقومات الاساسية التي تعينه في حياته. فعلى مرأى ومسمع المسؤولين في الدولة، العاطلين عن ممارسة مهامهم، تتوقف المستشفيات وتعم العتمة البلاد ويُحجب الدواء عن المرضى وتزدهر السوق السوداء في المازوت والبنزين، فيما هم يؤسسون للتاريخ من خلال تكريس حصص طوائفهم، وحتى يتفق كل رئيس مع الآخر على حصته سيكون البلد خالياً من شبابه وطاقاته هجرته الى غير رجعة.