شعار ناشطون

جامعة الدّول العربيّة: هل فاتَ الأوان؟

02/12/23 09:11 am

<span dir="ltr">02/12/23 09:11 am</span>

بقلم إيمان درنيقة الكمالي

أستاذة جامعيّة- باحثة سياسيّة

 

 

‎ من المؤسف، والمحبِط ، مشاهدةُ الأمّة العربيّة، مرّةﹰ جديدة، تندبُ حظّها، وتصرخُ في التّظاهرات، وتغرقُ في بحرِ العويل . من المؤسفِ والمخزي رؤيةُ ذلك، لأن العربَ سيعودون إلى سابقِ سباتهم، من دون أنْ يكونوا قد اقتربوا قيدَ انملةٍ من أيّ خطوةٍ فعليّة لدعم إخوتهم في فلسطين.

‎وهذا ما يقودنا إلى الحديث عن “دور” جامعة الدّول العربيّة حيال القضايا العربيّة بشكلٍ عام، والقضيّة الفلسطينيّة بشكلٍ خاص.

‎ بعد “ستّة وثلاثين” يوماً من إعمالِ آلة القتل الصّهيونية في الشّعب الفلسطيني في غزّة، و”سقوط أكثر من “عشرة آلاف شهيد”، انعقدت القمّة العربيّة الإسلاميّة المشتركة “الطارئة” في الرّياض.

‎ وعلى الرّغم من أنّ هذه القمّة شهدَت مشاركةَ جميع الدّول العربيّة والاسلاميّة، وصدرَت عنها “مقرّرات” قد بدت “شكليّا” أنّها “أعلى نبرةً”، ” وأكثر جدوىً ” من سابقاتِها ، إذْ شملت إقامة الدولتيْن، وإعادة تشكيل السّلطة الفلسطينيّة، والوقوف إلى جانب مصر في فتح معبر رفح، وتمرير المساعدات ، واعتبار التّهجير وقتل الفلسطينيّين “جريمة حرب”؛ فإنّ هذه المقرّرات، ومن دون أدنى شكّ، لم تعدُ كونها ” قنابل صوتيّة” لم يتعدَّ أثرُها القاعة الّتي عقدت فيها.

فقممُ الجامعة هي روتينيّة و بروتوكوليّة ، وكلّ قمّة تعقُدها هذه الجامعة ليست الّا رقماً آخر يُضاف إلى القمم السّابقة، ولا يُميّزها عن ما سبقَها إلّا مكان انعقاد القمّة وتوقيتها.

‎ أمّا دوريّة هذا “الحدث الكبير” أي انعقاد القمّة فليست إلّا تذكيراً متواصلاً بعجز العرب عن القيام بأيّ عملٍ جماعي موحّد تجاه القضايا العربيّة؛ والأمثلة على ذلك كثيرة، نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر، الاجتياح الأمريكي للعراق عام 2003، والحرب الدّائرة في سوريا. والحقيقة أنّه حتّى في ما يخصّ المشاكل الحدوديّة بين الدّول وجيرانها ، فقد وقفت الجامعة موقفَ المتفرِّج الّذي يكتفي بالنّظر إلى الدّول العربيّة وهي تتفكّك، لتصبحَ اليمن يمَنين، ويجتاح العراق الكويت ، ويغدو السّودان منقسماً بين شمال وجنوب وبين كتائب الجيش، وتحترق الدّول العربيّة الواحدة تلوَ الأخرى في “ربيعٍ عربي” مازالت تداعياته مستمرّة حتى اللّحظة.

‎ ولماذا لنا ان نسأل: “أين الجامعة العربية من كلّ ذلك؟ “، وهي الحاضرةُ “الغائبة” الّتي لم تتقاعس أو تتوانَ يوما عن القيام بالتّنديد، والرّفض، والاستنكار، والشّجب والإدانة، ودعوة “جميع الأطراف إلى ضبط النّفس”. وربّما أكثر ما قامتْ به هو توقيف عضويّة بعض الدّول في الجامعة لفترةٍ من الزّمن وإعادتها إليها بعد ذلك.

‎ ولعلّ هذا الواقع المهترئ هو الّذي جعلَ الجامعة العربيّة عرضةً للهجوم ، من “القريب قبل الغريب”، وحدا بالمملكةِ المغربيّة للاعتذار عن استقبال القمّةِ العربيّة عام 2016، إضافةﹰ إلى اعتذارِ الكثير من الرّؤساء والملوك العرب عن المشاركة فيها، أو الانسحاب في أثناءِ انعقادها احتجاجاً على شللِها غير المبرّر، وهو نفسُه الّذي دفعَ بالرّئيس اللّيبي الرّاحل معمّر القذافي ليهاجمَ الجامعة، كما الرّئيس السّابق للحزب “التقدّمي الإشتراكي” وليد جنبلاط الّذي طالب ب “وقف الدّعوة لمؤتمرات القمّة وحل الجامعة”. فصراحةً، إمّا أن تكون الجامعة العربيّة مشاركاﹰ فاعلا وفعّالا، أوْ لنتخلَّ عنها.

‎ والغريب أنّ جامعة الدّول العربيّة الّتي جاءَت بعدَ الحركة الشّعبيّة الوطنيّة والقوميّة (والّتي كانَ أهم مظاهرها حزب البعث ، وحركة القوميّين العرب، والحركة الناصريّة إزاء تحديّات الاستعمار والصهيونيّة) – والّتي من المفترض أنّها مربوطة في مبرّر وجودِها بفكرةٍ عروبيّة تحقّقُ آمالَ الشّعوب العربيّة بالوحدة بين الأقطار العربيّة، والّتي تأسّست لتكونَ منبراً للحريّة والدّيمقراطيّة والتّعاون العربي وجهازاً لإقرار الأمن والسّلم والتّفاهم بين الدول العربيةّ، وبين الدول العربيّة ودول العالم، -هي جامعةﹲ دخلَ فيها كلُّ عضوٍ بشروطِه وتحفّظاتِه الخاصّة، فكانت النّتيجة جامعة “لا جامعة”، ولا تتحرّك الا “بالحد الأدنى”.

 

‎ فباستثناء مبادرة السّلام في قمّة بيروت العربيّة عام 2002، لم ترتقِ الجامعة العربيّة أبدا بحق إلى طموحات وتطلّعات شعوبها، ولم تتوصّل حتّى السّاعة إلى صوغ خطّةٍ عربيّة تفصيليّة يمكن السير بمقتضاها في هذا الشّأن.

‎ ولا عجبَ في ذلك، فالجامعة ليست إلّا مرآةﹰ تعكسُ الوضعَ المتردّي في الدّول العربيّة، وما يعتريه من تضارب مصالح وتناحرٍ وتعدٍّ، كما وفشل الأنظمة العربيّة بتحقيقِ الدّيمقراطيّة والّتنمية المستدامة داخلَ حدودِها، وفشلها في لعبِ أدوار هامّة على الصّعيد الدّولي؛ وهذا ما انعكس سلبا على الجامعة، وشلّ دورها وسبّب خللَها وشرذمتَها.

وبالنّسبة إلى هذه القمّة الّتي اندمجت فيها المنظومتان العربيّة والاسلاميّة في الرّياض ، فإنّ الموقف العربي الإسلامي لم يأتِ أبدا على قدرِ التّوقّعات؛ بلْ جلبَ معه الكثيرَ من الخيبات. فكيف ل 57 دولة عربيّة واسلاميّة أن تجتمع وأن لا يتمخّض عن اجتماعها إلّا مجرّد تمنيّات، واحصائيّات، ورفع شكاوى؟

“أضعف الإيمان” كان أن تؤدي القمّة إلى اعتماد العقوبات الدّبلوماسيّة عن طريق سحب السّفراء، وتفعيل “هيئة مقاطعة اسرائيل”، والتّأثير على الدّول الغربيّة للضّغط على اسرائيل لوقف المجازر، واحترام القانون الدّولي. إّلّا أن هذا كلّه بقيَ مجرّد أضغاث أحلام ، فالدّول العربيّة قلّما تتّفق وتتضامن فيما بينها، فلكلّ منها مصالحُها الاستراتيجيّة الّتي توليها الأولويّة. وبالمقابل، أهمّ ما قام به العرب هو تقديم “المساعدات الغذائية” و”الأكفان”. فهل الفلسطينيون بحاجة الى “مساعدات غذائيّة”؛ أمْ إنّهم بحاجة الى مساعدات تخلّصهم من نير الاحتلال الصّهيوني والدّمار والخراب والموت والدّماء؟

وعلى الرّغم من مساعدات الإغاثة التي أرسلتها بعض الدّول العربيّة الى قطاع غزّة في الأيّام الأخيرة خلال فترة الهدنة ؛ فهي لا تعبّر إلّا عن مواقف عربيّة “إفرادية”، فهل يجوز أن لا نرى تجسيدا للجامعة إلّا من خلال القمّة فقط ؟

‎ وفي البحث عن أسباب فشل وعجز جامعة الدّول العربيّة ، نقول أنّ جدليّة القومي- القطري هي المفتاح الأساسي لفهم ديناميّات الجامعة. فالجامعة ليست إلّا مظهرﹰا وحدويا، أمّا مضمونا، فقد حافظت على الحدود القطريّة، وهذا ما يفسّر تسميتها “بجامعة الدول العربيّة” بدلا من “الجامعة العربية”، وما يؤكّد طغيان القطريّة والتجزئة عليها.

‎ أمّا السّبب الثّاني لفشل الجامعة، فيتمثّل في تبعيّة أغلب الدّول العربيّة إلى الغرب: فكيف لهذه الدّول أن تكون ذات رأيٍ مستقل، وقد جعلت من أراضيها مرتعاً لقواعد وقوّات الناتو؟

‎ واذا كان من الممكن للدّول العربيّة أن تستجيبَ للطلبات الفلسطينيّة في مقاطعة اسرائيل، أو الحدّ من التعامل معها في السّبعينيّات ، وكان يمكن للدّول العربيّة النّفطيّة أن تضغط على واشنطن حينها، حيث كان العالم مختلفا عن اليوم اقتصاديّا وسياسيّا وأمنيّا ، فإنّ معاداة اسرائيل اليوم أصبحت أكثر صعوبةﹰ على الدّول العربيّة ممّا مضى، بعد أن دخلت المصالح وعُقِدت الاتّفاقات.

‎ ومن هنا، فإن استمرار الفلسطينيين في الاعتماد على الدّول العربية، ربّما يعبر عن “تكلّسٍ في الذّهنية”: فالعرب اليوم إما يعيشون على طحين وملح امريكا، أو يبتعدون عن شرّها، وليست هناك أيّة دولة عربيّة في موقعٍ سياسي أو اقتصادي أو أمني يؤهّلها ‏لأكثر من التّمنّي على واشنطن. لذا فإنّنا نقول، وبكلّ أسفٍ، وحزنٍ: ” إنّ كل فلسطيني أوعربي ما زال يعتقد أنّ الدّول العربيّة قد تتورّط في الحرب ضدّ إسرائيل من أجل قضيّة غزّة ، فعليه أن يضرب رأسَه في الحائط أوّلا، علّه يصحو من النّوم.”

وتبقى القضيّة الفلسطينيّة هي القضيّة المركزيّة للأمّة العربيّة. كل ما نحتاجه في هذه المرحلة، إضافةﹰ الى المقاومة، “إرادةﹰ عربيةﹰﹰ سياسيةﹰ حقيقية” عبر “جامعةٍ فاعلة وفعّالة” ، و”نهوضاﹰﹰ عربيّا يليقُ بالشّعوب العربيّة”. ومن هنا ، يجب القيام بإصلاحٍ جذري وتغييرٍ يواكبُ المرحلة، ويتطلّعُ إلى المستقبل، وصولا الى جامعةٍ عربيّة تؤدّي واجبَها المطلوب منها. فهل هذا ما زالَ ممكنًا، أمْ فاتَ الأوان؟؟؟

 

تابعنا عبر