
جوزفين ديب – اساس ميديا
يتحدّث “الحزب” بلغتين: لغة إلى رئيس الجمهورية يعلن خلالها أنّه متفاهم مع الرئيس جوزف عون على المسار الذي وضعه الأخير باتّجاه الحوار الثنائي في استراتيجية دفاعية “لمعالجة السلاح”، ولغة يتوجّه فيها إلى الداخل، من جهة إلى جمهوره لإبقائه متماسكاً بوجه العاصفة المقبلة، ومن جهة أخرى إلى خصومه، وتحديداً “القوّات اللبنانية”، ردّاً على ما يعتبره حملة عليه لـ”نزع السلاح”.
إلّا أنّ الوجهين لا يستقيمان مع الحسابات الدولية، وتحديداً الأميركية التي لن “تسمح” بتضييع الوقت أو الهدف الأساس في حسابات داخلية يستطيع “الحزب” الهروب من خلالها إلى الأمام. وعليه، الأجندة الموضوعة للبنان واضحة ورئيس الجمهورية بدأ إعلان خطواتها بشكل مباشر.
خطاب “الحزب” يعيق قيام الدّولة
قالت مصادر أميركية لـ”أساس” إنّ موقف “الحزب” هذا، بمعزل عن كونه موجّهاً لخصومه أو لبيئته في الداخل، يعيق قيام الدولة في لبنان. وفق الحسابات الأميركية، إنّ أيّ محاولة للهروب إلى الأمام ستقطع الطريق أمام إعادة الإعمار أوّلاً، وستعيق الجهود الدولية لوقف الغارات الإسرائيلية ثانياً، وستؤخّر انسحاب إسرائيل ثالثاً. فإذا كانت حسابات الداخل تحتّم على “الحزب” التصعيد الكلامي، لا سيما مع تقدّم الوقت باتّجاه الانتخابات البرلمانية، فإنّ هذا لن يستقيم مع الإرادة الدولية.
عليه، يتحمّل “الحزب” تداعيات ذلك المتمثّلة بإبقاء لبنان والجنوب في دوّامة العنف. والمطلب الأميركي الواضح الذي عبّرت عنه الموفدة الأميركية مورغان أورتاغوس هو “استئصال” سلاح “الحزب” ، وأيّ خطاب لا يعبّر صراحة عن حصر السلاح بيد الدولة يعني مزيداً من المراوغة.
الحزب
أمّا الكلام عن إمكانية الردّ بالصواريخ من لبنان باتّجاه إسرائيل، فتقول مصادر أميركية إنّ هذا الأمر إن حصل فسيكون بمنزلة تجاوز خطّ أحمر إسرائيلي وستكون له تداعيات لن يتحمّلها لبنان لأنّ أحداً لن يردع تل أبيب عن استئناف حربها.
تقول مصادر دبلوماسية لـ”أساس” إنّ هذا البرنامج لا يُفترض أن تطول مدّة تنفيذه إلى ما بعد الانتخابات النيابية
مقابل هذا الكلام الأميركي، كلام فرنسي يختلف بالمقاربة، ويشترك بالهدف. هو كلام أقرب إلى ما قاله رئيس الحزب التقدّمي الاشتراكي وليد جنبلاط من أنّ طلب أورتاغوس صعب تحقيقه لأسباب كثيرة، إذ يصعب التأكّد منه وحسم مسألة “القضاء” على كلّ سلاح “الحزب” أو بعض منه.
يقول مسؤول أميركي ردّاً على سؤال عن كيفية التحقّق من القضاء على سلاح “الحزب”، إنّ اللبنانيين سيتحقّقون من ذلك عندما يلمسون نتائجه في المشهد السياسي فقط.
رئاسة الجمهوريّة: المسار مستمرّ
بعيداً عن كلّ ردود الفعل على خطاب “الحزب” الذي استعاد مقولة قطع اليد التي ستمتدّ على سلاح المقاومة تبدو رئاسة الجمهورية مصمّمة على المضيّ قدماً بمسار حصر السلاح بيد الدولة اللبنانية. وفي معلومات “أساس” أنّ الرئاسة تلقّت رسائل من “الحزب” تفيد بأنّ خطابه التصعيدي لا يعني الرئاسة الأولى. لا بل تلقّف “الحزب” بإيجابية كلام الرئيس، وهو منفتح على الحوار الثنائي في استراتيجية دفاعية لمناقشة السلاح ودوره.
ليس هذا الكلام كافياً لتنفيذ ما نصّ عليه خطاب القسم ولا البيان الوزاري للحكومة. لذلك كان الرئيس حريصاً على تكرار موقفه الثابت من حصرية السلاح بيد الدولة من بكركي. وتقول مصادر مقرّبة منه إنّه مستمرّ بتنفيذ الخطوات وفق الأولويّات التالية:
– انتشار الجيش في جنوب الليطاني وسحب سلاح “الحزب”.
– تحرير الجنوب من الاحتلال الإسرائيلي.
– الانتهاء من ترسيم الحدود الجنوبية وصولاً إلى شبعا. وفي معلومات “أساس” أنّ هذه الورشة انطلقت في أروقة بعبدا ولا تحتاج إلى وقت طويل لإنجازها.
– دخول الجيش اللبناني معسكرات ومواقع لـ”الحزب” في شمال الليطاني، وقد بدأ بذلك شمال النهر في بلدة يحمر وفي عدد من المناطق كبلدة جدرا على سبيل المثال.
قالت مصادر أميركية لـ”أساس” إنّ موقف “الحزب” هذا، بمعزل عن كونه موجّهاً لخصومه أو لبيئته في الداخل، يعيق قيام الدولة في لبنان
– دخول الجيش المخيّمات الفلسطينية وتسلّم سلاح المخيّمات. وفي معلومات “أساس” أنّ الرئيس الفلسطيني محمود عباس بصدد زيارة مرتقبة لبيروت للتنسيق في هذا الموضوع، وكان قد وجّه رسالة إلى رئيس الجمهورية يعرب فيها عن انفتاحه واستعداده للمساهمة في تحقيق ذلك شرط أن يتولّى الجيش اللبناني أمن المخيّمات ومَن فيها.
– إجراء حوار ثنائي مع “الحزب” للانتهاء من حصر السلاح كاملاً في يد أجهزة الدولة.
مهلة محدّدة
تقول مصادر دبلوماسية لـ”أساس” إنّ هذا البرنامج لا يُفترض أن تطول مدّة تنفيذه إلى ما بعد الانتخابات النيابية، لأنّ المعارك الانتخابية يُفترض أن لا تكون على عنوان السلاح. ولذا، هناك عمل جدّي يجب أن يظهر في الأسابيع المقبلة كما سبق أن بدأ في الأسابيع الماضية، لا سيما بعد مغادرة أورتاغوس.
لهذه الغاية، تفيد معلومات “أساس” أنّ واشنطن ستزيد من مساعداتها للجيش اللبناني لتمكينه من تنفيذ هذه الخطّة، ولهذا أيضاً كانت زيارة الرئيس عون لقطر واعدةً على مستوى مضاعفة المساعدات الماليّة والتقنيّة للجيش اللبناني.