منير الربيع – المدن
يعيش لبنان زمن انكسار معادلة “لا غالب ولا مغلوب”. كل الدعائيات منذ العام 2005 إلى اليوم، حول نظريات التقارب والتوافق والتسويات والديمقراطية التوافقية أو حكومات الوحدة الوطنية لم تؤدّ إلا إلى غالب ومغلوب. التسويات التي عقدت صحيحٌ أنها في مراحل معينة حفظت حقوق القوى السياسية المختلفة، وضمنت مواقعها، لكن أثرها السياسي وتداعياتها كانت ترجيحاً لكفة طرف على آخر. والتي بموجبها نجح حزب الله بتكريس نفسه القوة الأبرز، والقادر على التحكمّ بالجميع. وبناء على تحكّمه هذا، يلتزم منذ سنوات بمعادلة الاحتفاظ بالعلاقة الاستراتيجية مع التيار الوطني الحرّ، حماية بيئته الداخلية مع الرئيس نبيه برّي، والوحدة في الموقف بينهما مهما برزت الخلافات. بالإضافة إلى تجنب أي نزعة للفتنة السنية الشيعية أو التوتر المذهبي، بالإصرار على التفاهم مع الرئيس سعد الحريري.
من التسوية إلى الخسارة
بهذه المعادلة بقي حزب الله هو الغالب، والذي يسعى إلى إرضاء كل المغلوبين لحاجته إليهم. أما بعد التسوية الرئاسية، فقد أراد رئيس الجمهورية ميشال عون وصهره جبران باسيل، سحب بساط الغلبة إليهما، بالاستناد إلى العلاقة مع حزب الله، وبعد تطويع سعد الحريري. كل ممارسات العهد كانت تصب في هذا الاتجاه، إلى أن انفجرت ثورة 17 تشرين، التي كان باسيل فيها أكثر المستهدفين بالإسم، والذي أصيب فيما بعد بالعقوبات الأميركية، التي قصمت ظهره سياسياً، وأحالته إلى عِداد المغلوبين الخاسرين، على الرغم من رفضه الاستسلام، والاستمرار بالعمل على إعادة تعويم نفسه داخلياً وخارجياً.
سعد الحريري، في المقابل، خرج من الحكومة وانقلب على التسوية، في مسعى من قبله لإعادة تصحيح أخطائه السياسية، والبحث عن شرعية شعبية كاد يفقدها بسبب ممارساته. لكنه فيما بعد عاد وغرق في الأخطاء السياسية. وبعد أن نجح في الاستحواذ على مواقف دولية داعمة لترشيحه، بالإضافة إلى إحراج عون وباسيل ووضعهما في خانة الطرف المعطل، حاظياً بغطاء البطريرك الماروني والقوى السياسية الأخرى.. ها قد شارف على خسارة كل ما راكمه منذ خسارته للدعم الفرنسي. كل ذلك أتى نتيجة الصراع الشخصي بين الحريري وباسيل المدعوم من قبل رئيس الجمهورية، ولو اقتضى هذا الدعم تجاوز الدستور كرمى لعيون صهر الجنرال.
فرصة مع برّي
هذه المعادلة الإشكالية بين الحريري وباسيل، قابلة لتحويلهما إلى مغلوبين، ويستمران في مراكمة الخسائر. خصوصاً بحال لم يقدم الحريري على المبادرة مستفيداً مما تبقى من دعم نبيه بري، الذي قد يتلقى دعوة من عون للتقارب والتفاهم في سبيل تشكيل الحكومة. حينها سيكون رئيس المجلس قد فقد كل أوراقه لمساندة الحريري، وسيقول له حاولت كل جهودي ولم أنجح معك بسبب حساباتك، لم أعد قادراً على التحمّل. وما سيدفع برّي إلى مثل هذا الخيار، هو كلام أمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله قبل أيام، والذي اعتبر أن لا أحد غير برّي قادر على إيجاد المخرج لتشكيل الحكومة. تسليف نصر الله هذا الموقف لبرّي له أبعاد سياسية أخرى، وهي إحراج رئيس المجلس، فيما بعد من قبل الحزب بالقول له: “نحن دعمنا مسارك في دعم الحريري. ولكن المسار لم ينجح. حالياً، لا بد من العودة إلى الالتقاء مع رئيس الجمهورية”. هنا سيخسر الحريري الكثير.
أما المغلوب الثاني، وهو جبران باسيل، فمن الواضح أنه خاسر على الصعيد الداخلي، بناء على علاقته السيئة بنبيه برّي، سعد الحريري، وليد جنبلاط، وسليمان فرنجية، وسمير جعجع، وآخرين. وخارجياً، لا يمكن إصلاح علاقاته العربية على الإطلاق. أما دولياً، فهو عرضة للعقوبات الأميركية، فيما قد ينجح في الاستمرار بنسج بعض العلاقات مع الفرنسيين التي لن تكون كافية لتعويمه. فالمسار الذي سلكه باسيل لا يمكن للبنان أن يتحمله، ولا يمكن للقوى السياسية أن ترضى به أيضاً. خصوصاً أن استمرار مثل هذه المسارات لا يقود لغير الحرب الأهلية، والتي لا يريدها أحد.
المتسلل من وراء الحريري
أمام معادلة الطرفين المهزومين، هناك من ينتظر تبلور الوجهة الدولية، وهناك من يعمل بصمت من بعيد، سعياً وراء إنتاج تسوية جديدة، مراهناً على فشل الحريري في خطوته لتشكيل الحكومة، وقناعته بأنه سيتجه إلى الاعتذار في سبيل التحضير للانتخابات النيابية، وانسجاماً مع رغبة القاعدة الشعبية. هذا البعض يحاول انتهاز الفرصة مع الفرنسيين وغيرهم للتسلل إلى الحلبة الحكومية، على قاعدة تشكيل حكومة لإدارة الإنتخابات، لكن الطريق أيضاً لا تبدو معبّدة وغير سهلة.