كشف تقرير صادر عن ديوان المحاسبة عن تسرّب عشرة ملايين طابع، التي كانت معدة للتلف، من مطابع الجيش إلى تجار في السوق السوداء. كما أشار التقرير، الذي تناول أزمة اختفاء الطوابع منذ عام 2019، إلى وجود تواطؤ بين بعض موظفي وزارة المالية وتجار الطوابع في السوق السوداء، حيث تحقق هؤلاء التجار أرباحًا تزيد بعشرة أضعاف عن عائدات الدولة من بيع الطوابع.بالتزامن مع الانهيار المالي أواخر عام 2019، عجزت وزارة المالية عن تلبية حاجة السوق من الطوابع الورقية لعدم توفّر الاعتمادات، ما فتح الباب أمام المتاجرة بها في السوق السوداء حيث بيعت بأضعاف أسعارها استغلالاً لأصحاب المعاملات الذين وضعوا بين خيارَين: إما الدفع أو تعطيل أعمالهم. عام 2020، أرسلت وزارة المالية إلى الغرفة الرابعة في ديوان المحاسبة (برئاسة القاضية نيللي أبي يونس ومساعدة المستشارتين نجوى الخوري ورانية اللقيس) لنيل موافقته المسبقة على مناقصة لطباعة 160 مليون طابع رست على شركة «اديت إنك»، بسعر 50 ليرة للطابع الواحد. غير أن الديوان لم يعط الموافقة بسبب الكلفة العالية مقارنة بما كان سائداً (11 ليرة للطابع)، واقترح على وزارة المالية الطلب من مديرية الشؤون الجغرافية في الجيش التقدّم بعرض لطباعة الطوابع، وبالفعل تم الاتفاق مع المديرية على طباعة 20 مليون طابع بكلفة 18 ليرة للطابع. لاحقاً، عُقد اتفاق جديد لإنجاز 100 مليون طابع بسعر 36 ليرة للطابع مع ارتفاع سعر صرف الدولار، لتصبح حصيلة الطوابع التي أنجزها الجيش 120 مليوناً.عام 2023، وصل إلى الديوان اتفاق رضائي جديد بين وزارة المالية والمؤسسة العسكرية لطباعة 50 مليون طابع بقيمة 293 ليرة للطابع، أُنجز منها حتى الآن 20 مليوناً طرحت في السوق، قبل أن يتبيّن لوزارة المالية وجود نحو 10 ملايين طابع إضافية في السوق تحيط بها شبهات، فسحبتها إلى مخازنها، وراجعت وزارة الدفاع بشأنها. وفتحت الأخيرة تحقيقاً توصّل إلى أنّ «عيباً يشوب تلك الطوابع (عددها 10 ملايين) وكانت معدّة للتلف، قبل أن يسرّبها إلى السوق عسكري تمت معاقبته»، وفق تقرير أعدّه الديوان واطّلعت عليه «الأخبار»، مشيراً إلى أنه «لا يملك تفاصيل التحقيق، لكن القضية محل تحقيق بموجب ملف قضائي مفتوح لدى الديوان».
ولفت التقرير إلى أنه أثناء متابعة الملف، تبيّن أن «مردود وزارة المالية من الطوابع بلغ في الأعوام الأربعة السابقة حوالي مليون و800 ألف دولار سنوياً كمعدّل وسطي، بينما تخطاه حجم السوق السوداء بمردود بلغ بالحد الأدنى 20 مليون دولار سنوياً مسجلاً أرباحاً خياليةهذه السرقة الموصوفة دفعت إلى التدقيق في رخص بيع الطوابع الممنوحة من «المالية»، فـ«تبيّن وجود حوالي 1340 حامل رخصة، طلب الديوان إلغاء 1000 منها بعضها غير ناشط، والجزء الأكبر منها يخالف حاملوها القانون»، مشيراً إلى أنّ «معظم بائعي الطوابع مكتومون ضريبياً، فلا أرقام مالية لهم، ولا يصرّحون عن ضريبتهم رغم ما جنوه من أرباح طائلة». وأكّد الديوان أنّ «الدولة تستطيع استيفاء الضرائب منهم بمفعول رجعي يصل إلى ست سنوات». وبالتوازي، طلب من وزارة المالية «القيام بواجبها القانوني في التأكّد من أن الشروط التي على أساسها حصل المرخصون على رخصهم لا تزال متوفّرة، بما أنّ الرخصة لا تاريخ لانتهاء صلاحيتها».
ووفق التقرير، «لم يستجب موظفو دائرة الضرائب غير المباشرة في الوزارة لطلبات الديوان المتكررة في هذا الصدد منذ أربع سنوات. رغم إصدار مدير الخزينة إسكندر حلاق تدبيراً يفرض على المرخّصين تجديد مستنداتهم نهاية كل عام». ولفت إلى أنّ فرع المعلومات صادر 35 ألف طابع تعود إلى 17 مرخّصاً، لكنها تباع عن طريق أشخاص غير مرخصين وبأسعار تتخطى سعرها الحقيقي. وأشار إلى أن حاملي الرخص «حلّوا مكان وزارة المالية في تنظيم وكالات لغيرهم لدى الكتّاب العدل من دون علم المالية». كما طلب الديوان إلغاء كل الوكالات بما فيها تلك التي يورث فيها الآباء الرخصة لأبنائهم.واتضح وفق التقرير أنّ «الموظفين بمعظمهم لا يقومون بالمطلوب منهم لضبط أزمة الطوابع. إذ لا يوجد سجلّ يدوي تقيّد فيه حركة الطوابع اليومية لجهة البيع والتسلّم والتسليم. كما تغيب الجردات السنوية ونصف السنوية، ما يصعّب إمكانية كشف حجم التلاعب والمتلاعبين». لذلك، طلب الديوان، الاستعاضة عن الطوابع بتوزيع آلات الوسم الموجودة في المالية كواحد من إجراءات حلّ الأزمة، مشيراً إلى توزيع 18 آلة فقط، فيما لا تزال هناك 86 أخرى يمكن للمالية أن تستفيد منها.
وأوضح التقرير أنّه في شهر أيلول 2022، بلغ مخزون المالية من الطوابع حوالي مليون و400 ألف طابع، في حين أنّ ما يتطلّبه السوق شهرياً هو 5 ملايين طابع. لذلك، ارتأت مديرية الخزينة في الوزارة تنظيم جداول توزيع الطوابع، وحددت كوتا شهرية تبلغ أربعة آلاف طابع لكل حامل رخصة، «الا أن الموظفين لم يلتزموا بجداول التوزيع في جميع المحتسبيات في الأقضية كافة، إذ سلّموا المرخّصين كميات أكبر بكثير من المسموح به. وهذا التوزيع الزائد نتيجة منفعة مشتركة بين الموظفين والمرخصين الذين احتكروا الطوابع وباعوها بأسعارٍ مرتفعة».