غادة حلاوي – نداء الوطن
بعد عودته من نيويورك أرسل وزير الخارجية عبد الله بوحبيب عبر سفارة لبنان في دمشق يطلب تحديد موعد رسمي لزيارة سوريا ولقاء نظيره السوري فيصل المقداد للبحث في ملف النازحين السوريين، وملفات أخرى عالقة بين البلدين. في موعد الزيارة توجّه وزير الخارجية على رأس وفد أمني- سياسي إلى العاصمة السورية، للبحث في سبل حل ملف النازحين وتداعياته الخطرة في لبنان.
جاءت الزيارة في ظرف اقليمي مشوب بالتوتر وحرب عسكرية تشنّها اسرائيل على الفلسطينيين بلا هوادة، وحضر ملف الجنوب اللبناني بقوة، كما حضر ملف ضبط الحدود. مطلبان أميركيان ملحّان يشكلان صدارة الاهتمام الدولي حالياً.
ربما يكون ذلك عاملاً مساعداً لحلحلة ملف حالت دونه تهديدات المجتمع الدولي في حق لبنان اذا ما أعادهم إلى بلادهم منعاً لإضفاء شرعية على النظام، إذ بامكان لبنان اتخاذ خطوات مستفيداً من انشغال المجتمع الدولي في ملفات أخرى. في الشكل حملت الزيارة معاني كثيرة، هي الزيارة الرسمية الأولى لوزير خارجية لبنان على رأس وفد رسمي بتفويض حكومي بعدما كانت تحصل زيارات سابقة ضمن وفود وزارية كان آخرها لمؤازرة سوريا بعد الزلزال الذي ضرب بعض مناطقها. وأيضاً تبدّدت البرودة عن العلاقات بين البلدين والانطباع السوري بعدم وجود رغبة لدى الحكومة اللبنانية في الانفتاح عليها خشية التعرّض لعقوبات أميركية. فعلها بو حبيب وتوجه شخصياً إلى سوريا على رأس وفد، وليس في عداد وفد وزاري، داحضاً الاتهامات برفض الزيارة من منطق كونه مواطناً أميركياً.
أما من ناحية المضمون فقد كان البيان المشترك الذي صدر عن المجتمعين خير دليل على الأجواء الايجابية التي سادت. فقد عاد بالذاكرة إلى الزمن الماضي يوم كانت تُعقد الاجتماعات المشتركة بين مسؤولي البلدين ويصدر البيان عبر وكالة «سانا» السورية أولاً. كلام كثير في بيان ديبلوماسي منمق يعطي كل ذي حق حقه، ولكن ماذا في النتائج العملية الملموسة في الواقع؟ وهل يمكن اعتبار الزيارة باكورة المراحل المقبلة على سكة عودة النازحين السوريين إلى مناطقهم في سوريا؟
تقول مصادر المجتمعين إنّ البحث تطرق إلى جملة ملفات إضافة إلى ملف النازحين. بحث المجتمعون في قضايا الحدود المشتركة وضرورة ضبطها، وفي ملف المحكومين السوريين والسبل القانونية الكفيلة بمحاكمتهم في بلدهم. وتمّ الاتفاق على تشكيل لجان مشتركة للبحث في ملفي ضبط الحدود والمحكومين، لكن من خارج هذه المواضيع مجتمعة كان تركيز على مسألتي ضبط الحدود والوضع العسكري والأمني على الحدود بين لبنان وفلسطين المحتلة والمواجهات بين «حزب الله» والاسرائيليين.
وقالت معلومات إنّ بو حبيب استعرض الأجواء الديبلوماسية حول الملفين والتركيز الأميركي على مسألة الهدوء في الجنوب وعدم انخراط «حزب الله» في الحرب جنوباً، وفهم من فحوى المباحثات التي حصلت أنّ وزير الخارجية وضع في عهدة نظيره السوري حصيلة الموقف اللبناني من قضية النازحين ونقل الموقف الأميركي المتعلق بضرورة ضبط المعابر الحدودية والتهدئة جنوباً، وقد فهم على أنها رسائل نقلها بو حبيب إلى الجانب السوري.
أما في موضوع عودة النازحين فلا يمكن تجاوز الواقع للقول إنّ بو حبيب حمل مفتاح عودتهم من سوريا. خلال لقائه نظيره السوري كان بو حبيب بالغ الموضوعية والتقى ونظيره على حقيقة أنّ عودة النازحين يرفضها المجتمع الدولي الذي يمنع أي مواطن سوري مزود ببطاقة نازح العودة إلى بلاده وحجب المساعدات عنه في حال عودته.
تنقل مصادر المجتمعين وجهة نظر سوريا التي تعتبر أنّ عودة النازحين موهونة بالجواب عن أسئلة أساسية، وهي: هل الدولة اللبنانية مستعدة لإعادتهم إلى بلدهم؟ وهل لها أن تجبرهم على العودة وتتحدى بذلك رغبة المجتمع الدولي وطلبه؟ وهل هي فعلاً أنجزت المطلوب منها لناحية الأعداد والأسماء والملفات المطلوبة؟
خلال الاجتماع قالها المقداد لضيفه اللبناني صراحة: لا مانع عند سوريا من عودة أبنائها اذا ما أرادوا العودة للعيش في ظروف البلد الراهنة، وبامكانهم إمّا العودة إلى ديارهم أو الإقامة في أماكن أخرى. ما يعني أنّ الجانب السوري أعاد كرة النازحين إلى الملعب اللبناني كي يتخذ خطوات عملية وليس الاكتفاء بالموقف السياسي فقط، وهي حقيقة كان يعلمها بو حبيب الذي يعتبر أنّ المجتمع الدولي هو العقبة الأساسية أمام عودة النازحين السوريين إلى بلادهم.
بعيداً عما تضمّنه البيان المشترك الذي صدر عقب اجتماع وزيري الخارجية بعباراته المنمقة، فإنّ واقع الحال يشي بأنّ الزيارة ربما نجحت بالشكل في إزالة الجليد في العلاقة، لكنها بالمضمون لم تخرج بنتائج عملية في ملف النازحين في هذا التوقيت العصيب، حيث انشغالات سوريا في مكان آخر واهتماماتها مختلفة تماماً، ولا تبحث عن هم إضافي لجملة همومها، وبالمضمون إيضاً فإنّ لبنان الرازح تحت عبء ملايين السوريين على أراضيه، نصفهم ممن لا يحملون أوراقاً ثبوتية، لا قدرة له على المضي قدماً في خطوات إعادتهم. فهل يتحدى الارادة الدولية الرافضة هذه العودة أو يقفل الحدود ويتخذ اجراءات صارمة لمنع مجيئهم إلى لبنان؟
في تعليقه على الزيارة، قال مصدر مطلع على موقف الجانب السوري إنّ الزيارة ايجابية، لكنها أتت في ظرف ملتبس، حيث لا يشكل ملف النازحين أولوية، وإذا كانت الايجابية طغت على أجواء المجتمعين فالعبرة في التنفيذ، وفي ما يستطيع لبنان اتخاذه من خطوات. أما سوريا فأبوابها مفتوحة لمن أراد العيش في ظل ظروفها الصعبة.
بو حبيب قال في اتصال مع «نداء الوطن» إن البحث تطرق الى كل الموضوعات من الجنوب الى غزة والنازحين والحدود. اضاف: وضعنا الاسس لعودة النازحين لناحية اجراءات الامن العام وعسكرياً لناحية ضبط الحدود وديبلوماسياً لناحية اقناع الغرب بضرورة مساعدة النازحين في بلدهم وليس على ارض لبنان وتشجيعهم للعودة الى ديارهم والمساعدة على اعادة اعماره، واصفاً الاجواء بالايجابية.