كتبت غادة حلاوي في “نداء الوطن”:
رغم التعليقات السلبية الا ان كلام رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل لم يقفل الباب على المبادرات الحكومية بقدر ما فتح الباب امام “حزب الله” لتجديد المبادرة، ولكن على أسس مختلفة عن تلك التي سبق وبنيت عليها مبادرة رئيس مجلس النواب نبيه بري، وتؤمن التوازن في التعاطي مع كل الافرقاء. و”حزب الله” الذي تلقف الرسالة يستعد للتحرك تجاه باسيل لاستيضاح ما رمى اليه وعما اذا كان بوارد تقديم طرح حكومي جديد.
والى ان تتضح الامور فالسؤال لم يعد حول امكانية تشكيل الحكومة وانما عن موعد اعتذار رئيس الحكومة سعد الحريري. فكلما ضاقت فرص الحل او انعدمت صار اعتذاره اقرب الى الواقع. بالحسابات الانتخابية التي دخل الجميع في حمأتها الافضل للحريري ألف مرة ان يتحضر لخوض انتخاباته بعيداً من رئاسة الحكومة، تماماً كما يعتبر رئيس “التيار الوطني الحر” ان استعداده لخوض معركته الانتخابية وتياره لا يتناسب مع اي استجابة لشروط الحريري الحكومية. يحتاج الحريري لترتيب بيته الداخلي ووضعه السني وكذلك يحتاج باسيل لمعالجة نقاط ضعفه داخل تياره وبين جمهوره، واعادة استنهاض شارعه من خلال شد العصب المسيحي. الطرفان لن يقبل احدهما التنازل للآخر حكماً، وليس هذا وحسب فان الحريري الذي وضع اعتذاره رهن قرار بري قد لا يناسبه الانتظار اكثر، خصوصاً اذا كان القصد استمرار تصفية الحسابات بين الرئاستين الاولى والثانية من خلاله، في المقابل أقفل باسيل النافذه على أي حوار مع بري واطلق رصاصة الرحمة على مبادرته رامياً اوراقه في عهدة”صديق” هو الامين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله. كان مفاجئاً توجه باسيل في اطلالته المتلفزة الاخيرة الى السيد نصرالله ومخاطبته شخصياً بالقول: “يا سيد حسن..أئتمنك على الحقوق وأقبل بما تقبل به لنفسك”، خاتماً بذلك اي كلام آخر متعلق بالحكومة. كلام حمّال أوجه وعرضة لتفسيرات كثيرة فهل يعني ما قاله استعداده للتنازل في الموضوع الحكومي، في حال طلب اليه السيد مثل هذا الامر، ام ان رئيس “التيار” يشكو مظلوميته الى من يوصي دائماً بالوقوف على رأيه والاستمرار في الحوار معه حكومياً الى ان يرضى.
وإذا كانت المفاوضات الحكومية انتهت عند تمسك باسيل بالوزيرين المسيحيين من ضمن حصة رئيس الجمهورية واصراره على حجب ثقة تكتله النيابي عن الحكومة، فهل يمكنه ان يتراجع عن احدى هاتين العقبتين ويقبل بحلحلة في مسألة الوزيرين المسيحيين او يمنح الثقة لحكومة يرأسها الحريري؟ وهل يمكن لكلام باسيل أن يكون مؤشراً للتفاوض وعلى اية أسس؟ ام ان رئيس “التيار” يملك تصوراً جديداً يريد وضعه رهن السيد نصرالله.
لم يفوض باسيل السيد ليتفاوض من خلال “حزب الله” باسمه بل قال انه يرضى بما يرضى به السيد لنفسه، علماً ان “حزب الله” لطالما أكد سعيه الى تسهيل مهمة تشكيل الحكومة وليست له شروط معينة، بل انه ارتضى بحصة حكومية من وزيرين لم يعرف حتى اليوم ما هي الحقائب التي ستسند الى وزيريه، فهل يقبل باسيل ان يسري عليه مثل هذا المنطق؟ لم يحصر “حزب الله” تسمية الوزراء الشيعة به ولم يشترط تمثيلاً موازياً لحجم كتلته النيابية او حجم كتلتي الثنائي الشيعي حكومياً، بينما مثل هذا المنطق يرفضه باسيل مسيحياً.
وبعيداً من منطق توزيع الحصص والحقائب، فأن يرضى باسيل بما يرضاه السيد نصرالله لنفسه يمكن تفسيرها على انها شكوى باسيل من طريقة تعاطي رئيس المجلس معه وميله لصالح الحريري، بدليل قوله ان تياره لم يبلغ رسمياً بما حكي عن مبادرة لبري. رغم الاجواء المشحونة والتي انتهت بكلمة باسيل يوم الاحد الماضي الا ان مضمون ما قاله قد يكون فتح على تجديد مبادرة، واطلق العنان للامين العام لـ”حزب الله” بأن يبادر على طريقته الى ترميم الاجواء وهو الذي تقصد عملَ توازن بعدما بلغت علاقته مع بري مستوى من التوتر لا سابق له. أما المؤشر الايجابي الثاني فقد تمثل في تجنب بيان “حركة امل” الصادر امس الرد على كلمة باسيل وما تضمنته، وهو ما يمكن ان يساعد “حزب الله” في اي مسعى ينوي الانطلاق منه مجدداً. ينتظر “حزب الله” شرحاً من باسيل لما قصده من طرحه تجاه السيد ليبني على الحديث وينطلق منه في محاولة حكومية جديدة. يحتاج ما قاله لشرح مفصل ومن المتوقع ان تشهد الساعات المقبلة تواصلاً للوقوف على خلفيات الموقف والبناء عليه.
يمكن اعتبار تحرك “حزب الله” تجاه باسيل والافرقاء الآخرين آخر فرصة حكومية ممكنة، والا فالجميع انتقل الى الانتخابات النيابية وأعد عدته لذلك، لتصبح حكومة الاشراف على الانتخابات امراً واقعاً يرضى به الجميع وتشكل مدخلاً للحل الموقت.