شعار ناشطون

“انتخابات” الأسد: الوضاعة اللبنانية والمهانة السورية وضحكات حزب الله

21/05/21 07:58 am

<span dir="ltr">21/05/21 07:58 am</span>
منير الربيع – المدن
يعرف بشار الأسد كيف يبرز هشاشة لبنان، على الرغم من تفاهة طروحاته. وهو الذي عرف كيف ينتصر على السوريين بضعفهم وغياب الرؤى لديهم. فـ”ناطور سوريا” لا يملك أي مقومات للانتصار سوى الاستثمار في الدماء وبكرامة الضعفاء، سوريين ولبنانيين وسواهم.

الأقوياء على الضعفاء

واللبنانيون أيضاً مشكلتهم أنهم يستقوون على الضعيف، وينتشون لرؤية دموع “الغريب” تنهمر، فيمعنون في التلذذ بتعذيبه أو إذلاله، بحثاً عن كرامة مفقودة وعنفوان مزعوم. وهذه كلّها مركبات نفسية عرف نظام الأسد كيف يستخدمها ضد السوريين واللبنانيين، وأجاد استخدامها بعده حزب الله والتيار العوني ضد خصومهما.

يصعب على المرء الحسم في الوجهة التي يمكن أن يتبناها تعليقاً على “الانتخابات” السورية في لبنان، على “المقترعين” واستفزازاتهم، وردّ الفعل اللبناني، والسجالات حول اللاجئين، والقول: من ينتخب الأسد عليه أن يعود إلى أحضانه في سوريا.

والمشكلة الأكبر هنا تتخطى تحديد المحق وغير المحق. وهي بنت سياق مديد وبعيد المدى، تتداخل فيه عوامل كثيرة سياسية بين الخارج والداخل، تاريخية، سياسية، وثقافية.

ركام سوريا.. ولبنان
وللتبصر في الأمر بعقل هادئ بداية، لا بد من تحديد “المقترعين” لبشار، الذين جابوا الشوارع والمناطق اللبنانية رافعين صوره استفزازاً متعمّداً: غالبيتهم من طائفة لا تعتبر في عداد “الموالين للنظام”. وبلا مواربة: غالبية السوريين المقيمين في لبنان هم من الطائفة السنّية، سواء أكانوا عمالاً في حال ذهاب إلى سوريا وإياب منها، أم تجاراً ولديهم مصالح في لبنان، أم لاجئين ينقمسون إلى قسمين: قسم مقيم في مناطق محتضنة للثورة السورية ومعارضة لبشار الأسد، وقسم مقيم في مناطق موالية للنظام.

ويعرف النظام السوري كيف يستثمر في هؤلاء جميعهم. فكل من لا تنطبق عليهم صفة اللجوء يحتاج إليه، سواء للعودة إلى أراضيهم والدخول إليها والخروج منها. أو لتجديد جوازات السفر وإنجاز المعاملات. ونظام الأسد أخبرُ من يجيد الابتزاز في الصغيرة والكبيرة. ويجيد أيضاً كيف يجعل من البشر بيادق أو متاريس يستخدمها في حروبه وصراعاته لإظهار قوته. وهو الذي لم يتوان عن جعل الطائفة العلوية كلها وقوداً في حرب “الكرسي” المتربع عليها الأسد فوق ركام سوريا كلها. ومن فعل ما فعله، وقبله والده، لن يتوانى عن فعل ذلك بـ”الآخرين”.

وهنا لا بد من التذكير بحقبة الاجتياح الإسرائيلي لبيروت، عندما كان الجيش السوري منتشراً في بعض المناطق، كيف عمل النظام على تغيير قطعاته قبل ساعات من الاجتياح: وضع ألوية “سنية” للتضحية بها، وربما التخلص من أكفأ الضباط، بدلاً من الألوية العلوية. ولمعرفة أكثر عن عقلية هذا النظام المذهبية والتفتيتية يمكن مراجعة كتاب حنّا بطاطو “فلاحو سوريا”.

وهذا التفتيت لا يتحمّل مسؤوليته بشار الأسد وحده. وهو نتاج أزمة دولية أو تعام دولي عن حماية السوريين، وربما التآمر ضدهم. وهناك جانب كبير من المسؤولية ملقاة على عاتق دول ناصرت الثورة السورية، وحالياً تؤيد النظام وتفتح سفاراتها وتعيد العلاقات معه، وهي غير قادرة على مطالبته بإعادة اللاجئين إلى ديارهم، ولا على ضمان تسوية أوضاعهم وأوراقهم الثبوتية. فيتمكن نظام الأسد من جعلهم مادة لزجة قادر على استخدامها كيفما شاء. ليس فقط في سبيل انتخاب الأسد، بل في ادعاء انتصارات وهمية وخادعة ضد خصومه.

وهذا ما يفعله مع جماعته وحلفائه في لبنان يوم الانتخابات، من خلال المسيرات الاستفزازية التي حصلت في مناطق لبنانية. وهي تتجاوز كثيراً مسألة التوجه للإدلاء بأصواتهم، والدخول إلى مناطق بطريقة منفّرة استدعت رداً منفراً: الاعتداء على سوريين لا يعلمون أن من يناصروه يريد إحراقهم على مذبح حساباته السياسية. ومن واجه العراضات السورية، يعتبر أنه لن يسمح بأن ينكسر، وإذا ما انكسر مرّة يكون كسره هيّناً كل مرّة. وفي مثل هذه الحسابات يضيع الناس وكراماتهم وحقوقهم.

عالم الخسة والنذالة
والعراضات التي قام بها النظام السوري، مبتزاً مواطنيه، أراد من خلالها فرض التطبيع معهم، فكانت المأساة: تحويل السوريين وقوداً وأدوات في هذه المعركة. لتقابلها عنصرية اللبنانيين ونزعتهم التفوقية البغيضة ضد كل من يحيط بهم، بدءاً من عنصرية وزير الخارجية تجاه العرب، والتي أنتجت زحفاً إلى السفارة السعودية، ردّاً على استخدام مصطلح “بدو” كشتيمة. وإلى الزحف السوري باتجاه السفارة، بمشهد سوريالي مدعوم من جهات سياسية. بينما عملية تنظيم سير تلك الجحافل في منطقة اليرزة ألقيت على عاتق الحرس الجمهوري الذي تعرض سابقاً لقصف من الطائرات السورية.

وفيما لا يمتلك السوريون أي حيلة للعيش بأمان، ويمعن النظام في سحق كرامتهم، يفجر اللبنانيون عنصريتهم بدلاً من تفجير غضبهم ضد مسؤوليهم، وهم الذين نهبت أموالهم في المصارف وفُجّر مرفأ مدينتهم وسحقت كراماتهم. فلا يجدون لعجزهم وضعفهم وغضبهم المغدور تصريفاً سوى الاستقواء على الآخرين.

قهقهات حزب الله
ما جرى يؤسس لمرحلة أصعب من الصدام على الساحة اللبنانية، ربطاً بما يجري خارجياً على صعيد المفاوضات أو معارك تسجيل النقاط، وانعكاسه داخلياً في ظل الانقسامات التي لا تزال قائمة، بين محاور متقابلة.

وهي محاور تؤسس للمزيد من المعارك والتوترات السياسية والمذهبية والطائفية، فتختلط الوقائع وتتشابك: نزاع سوري–لبناني. صراع سني-مسيحي في مجلس النواب على الصلاحيات. وسوى ذلك من توترات.

أمام هذه المشاهد ثمة طرف يقف على الحياد، ويكتفي بالصمت والمراقبة، ويحصد المحاصيل المجنية من أخطاء الآخرين. ولا شك في أنه يفرح للاشتباكات الواقعة على أكثر من جبهة. ويطرب هازئاً لسماع معزوفة حلفاء نظام الأسد يقولون إنه عائد وسيستعيد نفوذه في لبنان. ويضحك في سرّه قائلاً: هذا الذي يزدهي به البعض في أنه سيعود إلى لبنان لنصرتهم، غير قادر على الخروج من قصره. ولم يعد أكثر من مجرّد ناطور. ونحن من وضع له كرسيه فوق ركام سوريا وأشلائها. ولم يعد لديه غير صفة مراقبة جحافل القوى العسكرية غير السورية كيف تتوزع مناطق النفوذ على الجغرافيا السورية. وهو لا يمتلك مفتاح العودة إلى إدلب، ولا إقفال مدرسة تعلّم اللغة التركية. وغير قادر على وضع يده على حقل فوسفات. ولا يستطيع العبور إلى مسقط رأسه بالقرداحة، إلا بإشعار قاعدة حميميم. ولا وجود له بالسويداء، ولا في درعا. والحدود اللبنانية – السورية خارج نطاق يده.

ومن يضحك هو حزب الله، الذي يعتبر أن سوريا ما قبل سنة 2005، كانت الممر والمعبر للقرار اللبناني، أما بعد تلك السنة فبقيت المعبر، لكن القرار صار في الضاحية.

تابعنا عبر