كتبت باولا عطية في “نداء الوطن”:
في بلد يفتقر الى نظام نقل عام مشترك، أصبح التنقل عبر وسائل النقل العامة “كسرة”. ولا سيّما بعد قرار رفع الدعم جزئياً عن المحروقات، وما تتبعه من ارتدادات في ارتفاع سعر البنزين بنسبة 30% وبقية السلع، وصولاً إلى تخطي سعر أجرة “السرفيس” حاجز الـ 8 آلاف ليرة.
صحيح أن التسعيرة الرسمية لبدل النقل ما زالت 4000 ليرة، إلا أن التعرفة المعتمدة على أرض الواقع أصبحت 8000 ليرة. وقد أتت نتيجة اتفاق ضمني بين السائقين بعد اعلان رئيس الاتحاد العام لنقابات السّائقين وعمّال النقل مروان فيّاض أنّ “تسعيرة الـ 4000 ليرة كبدل نقل “سرفيس” لا يمكن اعتبارها منطقيّة بعد اليوم، بعدما رفعت الدولة سعر المحروقات”. معلناً “رفع التسعيرة من 4000 الى 8000 ليرة”، من دون الرجوع الى وزارة الأشغال. الامر الذي رفضه رئيس اتحاد ونقابات قطاع النقل البري بسام طليس. وعلى الرغم من ذلك فقد ارتفع سعر التعرفة ضعفي السعر الرسمي.
المواطن أمام 3 تعرِفات بدل نقل
بين التسعيرة الرسمية وتسعيرة فياض، تُرك السائقون على حريتهم ليسعّروا وفق ما يرونه مناسباً، يضيع المواطن بين ثلاث تسعيرات. الأولى، وفق السعر الرسمي أيّ 4000 ليرة. والثانية وفق فيّاض أي 8000 ليرة. فيما الثالثة تأتي وفق مزاج السائق وتتخطى أحياناً الـ 10 آلاف ليرة.
وفي معادلة حسابية ومقارنة بسيطة سنلاحظ أنّ التعرفة القديمة كانت 2000 ليرة لبنانية أي ما يعادل الـ 1.3$ وفق سعر صرف الدولار القديم (1500 ليرة للدولار الواحد)، فيما كانت قيمة بدل النقل اليومي الذي يتقاضاه الموظف عن كل يوم حضور ﻓﻌلي اﻟﻰ ﻤرﻛز اﻟﻌﻤﻝ محددة بثمانية آﻻف ﻟﻴرة ﻟﺒﻨﺎﻨﻴﺔ، أي ما يعادل الـ 208 آلاف ليرة شهرياً. أمّا اليوم فأصبحت التكلفة اليومية للموظف للذهاب إلى عمله 16 ألف ليرة، أي 416 ألف ليرة (في حال كان سائق التاكسي لا يطلب أكثر من سيرفيس واحد ويحسب أجرة التوصيلة وفق سعر الـ 8000 ليرة) أي ثلثي الحد الأدنى للأجور (675 ألف ليرة).
لسائقي التاكسي أسبابهم
من جهتهم يبرر سائقو التاكسي رفع التسعيرة بارتفاع أسعار المحروقات بنسبة 30% إلى 40% نتيجة رفع الدعم الجزئي وإقرار الحكومة استيراد المحروقات على سعر صرف منصة مصرف لبنان 3900 ليرة للدولار الواحد، ليصل سعر تنكة البنزين إلى 75 ألف ليرة. بالإضافة إلى التكلفة الباهظة لصيانة السيارة من قطع غيار وفلاتر وزيت والتي بمعظمها تدفع بالدولار الفريش او وفق سعر صرف الدولار في السوق السوداء والذي تجاوز عتبة الـ 23 ألف ليرة! كما يشكو أصحاب وسائل النقل من اضطرارهم إلى الوقوف في طوابير الذلّ اليومية امام محطات البنزين لساعات طويلة لتعبئة البنزين المحدد بسقف لا يتعدى الـ30 ألف ليرة في معظم الأحيان!
طرح وزني حلّ مؤقت ولكن…
وسط هذه الفوضى، تظهر مبادرة لوزير المال في حكومة تصريف الأعمال غازي وزني الذي وقّع كتاباً وأرسله إلى رئاسة مجلس الوزراء، للحصول على موافقة لزيادة بدل نقل العاملين في القطاع العام ليصبح 24 ألف ليرة لبنانية بدلاً من 8 آلاف ليرة، أي بزيادة قدرها 3 أضعاف السعر السابق. الامر الذي اعتبره بعض الخبراء حلاً موقتاً لن يبقى له “عازة” بعد أن تقرر الدولة رفع الدعم بشكل كلي. حيث ستعود وترتفع الاسعار من جديد من ضمنها اسعار المحروقات التي ستنعكس تلقائياً ارتفاعاً على تعريفة بدل النقل. ما يطرح وجوب رفع رواتب واجور الموظفين العاملين في المؤسسات العامة والخاصة بما لا يقل نسبته عن 50%، ليتمكن الفرد من تأمين مستوى عيش مقبول يتلاءم مع الارتفاع الجنوني لأسعار السلع الاساسية والخدمات.
ولكن هل بإمكان الدولة تحمّل أعباء جديدة؟ وهل بإمكان القطاع الخاص رفع رواتب موظفيه بالرغم من كل التحديات الاقتصادية التي يواجهها؟
يجيب على هذا السؤال الخبير الاقتصادي وليد أبو سليمان في حديث لـ “نداء الوطن” ويقول “ليس بامكان الدولة زيادة بدل النقل لأنّ وارداتها منخفضة وهي بهذه الطريقة تعمد إلى زيادة نفقاتها من دون تأمين مصدر دخل، ما سيدفعها إلى زيادة طباعة العملات الورقية بالليرة اللبنانية. الأمر الذي سينعكس سلباً على الاقتصاد، فهو سيزيد من نسبة التضخم ما سيساهم برفع اسعار السلع والخدمات أكثر وأكثر ويؤدي إلى انهيار قيمة العملة الوطنية مقابل الدولار أضعاف الوضع الحالي”. ويسأل أبو سليمان “أين مبدأ العدالة الاجتماعية في هذا القرار؟ ففي حال استطاعت الدولة اللبنانية رفع بدل النقل لموظفي القطاع العام، ماذا سيفعل القطاع الخاص؟”، معتبراً أنّ “هذا الأخير في حالة صراع للبقاء والشركات تحارب الافلاس، ولا قدرة للقطاع الخاص على طباعة العملات فكيف ستتمكن هذه الشركات من زيادة رواتب موظفيها؟ ما سيؤدي إلى تمييز بين موظف الدولة وموظف القطاع العام”.
واقع تعيس لقطاع النقل في لبنان
وبالعودة إلى سياسات قطاع النقل المشترك تجدر الاشارة إلى أنّ نظام النقل المشترك الحالي يعتمد على 33500 سيارة تاكسي، 16000 فان ركاب صغير، و3500 باص متوسط الحجم، ثلثها مخالف و75% من خدمتها محصورة في بيروت الكبرى مع 30% من سكان لبنان لا تشملهم خدماته. إضافة إلى ذلك، فإنّ نظام النقل المشترك يُعدّ نظاماً عشوائياً وغير منتظم حيث مركباته تعمل غالباً من دون مسارات مخصّصة ولا أوقات مرور محددة ولا محطّات وقوف ثابتة. وفيما كان متوسّط انفاق الاسرة السنوي على النقل يصل إلى 4.2 مليون ليرة، بحسب دراسة أعدتها إدارة الإحصاء المركزي في عام 2012 فلا شك أنّ هذا الرقم قد تضاعف اليوم مع رفع تعرفة بدل النقل. فما عساه قد يكون الحل؟
خطة سير معلّقة… بانتظار تشكيل الحكومة!
تظهر في هذا الاطار محاولات عدة لوضع خطة نقل عام منظم، أبرزها خطة “تراكس” التي تهدف الى تخفيف أعداد السيارات وخلق وسائل نقل بديلة وإعادة تفعيل شبكة قطار تصل أقصى الشمال بأقصى الجنوب، وتوسيع المطار وانشاء نقل مشترك من المطار إلى باقي المناطق. على أن يتمّ تمويل الخطة من قبل أموال مؤتمر “سيدر”. إلا أنّ هذه الخطة كغيرها من الخطط والمشاريع والاصلاحات لم ولن تنفّذ قبل تشكيل حكومة في لبنان وبدء المفاوضات مع صندوق النقد الدولي.