شعار ناشطون

القاضي البيئي المتقاعد مع مرتبة الشرف نبيل صاري يكشف عن الأحكام البيئية التي أصدرها بحق المخالفين

27/09/22 08:27 am

<span dir="ltr">27/09/22 08:27 am</span>

كتبت ليلى دندشي

إستعادة الذاكرة والعودة إلى أحداث الماضي القريب والبعيد مع القاضي المتقاعد مع مرتبة الشرف نبيل صاري، لها نكهتها الخاصة سيما وأنها تتناول حقبة من الزمن كان لها أثرها في تفاصيل الحياة اليومية للأفراد وللمجموعات السكانية لاسيما إذا كانت هذه “الإستعادة” تتعلّق بالقضايا البيئية وتأثيرها على الإنسان وعلى الطبيعة وفي آن معا على مستقبل هذا البلد الذي دمّرته يد الإنسان وأعماله الجائرة بحق هذا الوطن الذي لطالما تغنينا بغاباته وجباله وببحره وبينابيع مياهه العذبة والتي جميعها تكاد تندثر في حال بقي التعامل معها بسرقة وقساوة وبجهل وعدم عناية.

ومن هنا يبدأ لقاؤنا مع القاضي صاري الذي شغل يوما منصب القاضي المنفرد في بلاد البترون والذي إهتمّ بقضايا البيئة بشكل خاص وكانت له صولات وجولات مع المتعدّين على أكبر كنوز اللبنانيين على أرضهم.

إزالة شجر الأرز المعمّر لإقامة مرملة

عن تلك الفترة يحدثنا قائلا: بالنسبة للموضوع البيئي فله علاقة بالقضايا السياسة العامة، وليس هناك ممن فصل بينهما، لأنه من خلال كل عملي في القضاء وجدت أن ليس هناك من تلوث بيئي بل فساد بيئي، وهو ناتج عن أن كل المخالفين للبيئة هم في الواقع “مفاتيح إنتخابية” للزعامات السياسية، وهذا مثبت لدي وعلى سبيل المثال لا الحصر، عندما كنت قاضيا في البترون وفي بلدة “دوما” قام أحد الاشخاص بقطع 2000 أرزة ليقيم “مرملة” – لإستخراج الرمل وهذا الشخص (بيطلع) مفتاح إنتخابي وللمفارقة ، لأحد ثوار الأرز. وعندما قام أحدهم ليمنع هذه “الجريمة”  تكتّل عليه بعض أصحاب هذا الشخص وقاموا بضربه، وعندما حاول تقديم شكوى ضد المعتدين وعلى قاطع أشجار الأرز ، فإنّ الشهود الذين طلب المجني عليه بالإستماع إليهم شهدوا ضدّه.

ولكني عندما تابعت القضية وتحدثت مع الشاهد الاساسي تبين لي أنّه كان هناك تدخل سياسي على غرار كافة المناطق مثل شركات الترابة منذ ثلاثين عاما وحتى اليوم. هذا الأمر دفعني للتفكير بضرورة إنشاء نيابة عامة بيئية، لأن البيئة لديها حاجة لأناس متفرغين.

السفير السويسري يضبط أحد المخالفين

لذلك تقدمت في حينه بمشروع قانون إلى مدّعي عام التنفيذ إلتفت إلى مساعدته قائلا: من هذا ؟ شو مفكر حاله في سويسرا؟ . ومع هذا تقدمت بالمشروع ونظمنا محاضرات بشأنه مع نقابتي المحامين وتناقشنا به مع الجمعيات البيئية وإستطعت من خلال الأحكام التي إتخذتها بحق بعض المخلين بالشؤون البيئية أن ألف النظر إلى أهمية هذه القضية في حاضرنا ومستقبلنا.

كنت أول من أصدر أحكاما بحق المخالفين وربما كنت آخرهم، وحكمت بحيث أنه إذا أقدم احد المخالفين على قطع شجرة فبالإضافة إلى وجوب دفعه الغرامات المحددة وهي ستذهب إلى خزينة الدولة، عليه التعويض عن هذه الأشجار المقطوعة ، لذلك كنت احكم بأن يقوم الفاعل بزراعة بدائل عن الأشجار المقطوعة .

خلاف نيابي حول إنشاء النيابة العامة البيئية

وفي تلك الاثناء أن رئيس التفتيش آنذاك دعاني للقاء معه ووصف ما قمت به ب”البدعة” ؟ فتناولت نص القانون وأشرت إلى مادة معينة تذكر هذا الأمر وفيها أن الحكم إذا قضى بإعادة الشيىء المتضرر إلى حالته الأولى فإن ذلك يعتبر من دواعي العمل القضائي ومهامه، وهنا المسألة واضحة فإني كقاض إتخذت القرار لأعيد الأشجار إلى ما كانت عليه قبل قطعها، ولذلك كلما كنت انظر في قضية تتعلق بقيام احدهم بقطع الاشجار كنت اُلزمه بدفع نفقات الزرع بواسطة وزارة الزراعة.

ويومها جاء وزير البيئة ناظم الخوري وكان رجلا متفهما وأجرى ضغوطات متواصلة حتى تمكنا من تمرير مشروع قانون ” ممسوخ” ، فالحكومة أخذت مشروعي وحتى لا يتم إقراره بصيغته الكاملة قامت بمسخه قبل إقراره وأفقدته من أهميته البيئية الكاملة، وكانت حجة الوزير( دعنا نقر المشروع كما يريدونه وسنقوم لاحقا بإجراء التعديلات اللازمة كما نريدها) .

والطريف أني عندما ذهبت لأحضر إجتماع اللجان المشتركة أثناء إقرار القانون في مجلس النواب لم يسألني احد عن ماهية “النيابة العامة البيئية ” ؟ بل سألوني عن النائب العام البيئي ومن حصة اي مذهب سيكون؟ درزي ام كاثوليك؟ ، وكان معنا حين ذاك النائب غسان مخيبر والنائب والوزير السابق سمير الجسر والنائب أكرم شهيّب ساعدونا في تمرير هذا المشروع. كما ساعدنا خلال إجتماعات اللجان المشتركة النائي نقولا فتوش، وهكذا إستطعنا من تمرير وإصدار القانون في العام 2015 .

قرار بتشكيل البوليس الأخضر

وقال: في هذا القانون هناك 3 نقاط رئيسية ففي حال كان هناك مخالفة بيئية قمنا بإنشاء الضابطة البيئية أي “البوليس الأخضر” وهو تابع لوزارة البيئة وليس لقوى الأمن الداخلي، وحتى لا يكون هناك من “رشوة” قررنا إقامة دورات متخصصة لهؤلاء العناصر ، وقلنا بأنه يجب إعداد مواد قانونية خاصة بالبيئة تمكن القاضي عندما يريد ان يحكم في قضايا بيئية ان يعود إليها لتساعده في حكمه، إلى جانب الإستعانة بخبراء بيئيين ومحام عام بيئي متفرغ. ولكن
هذا البند لم يطبق حتى الآن، حيث يقوم أي محام عام مسؤول عن قضايا معينة كالمخدرات وجرائم القتل وغير ذلك بإمكانه أن يتولى مهمة النائب العام البيئي بالرغم من عدم صوابية ذلك من حيث المهمة الموكولة لديه.بالإضافة إلى ان البند المتعلق بإنشاء “البوليس الأخضر” لم يطبق لغاية اليوم.

وتابع: إستطعنا تمرير بند هام يتعلق بأنه في حال المدعي العام البيئي او قاضي التحقيق البيئي أراد حفظ ملف او أصدر حكما يجب أن ينشره بصحيفتين محليتين وبالجريدة الرسمية، ومن 2015 وحتى اليوم لم ينشر أي قرار يتعلق بالموضوعات البيئية.

وكشف القاضي صاري أن أحد النواب السابقين كان يريد مسح قطعة من الأرض وهي مشاع مساحتها حوالي مليون متر مربع بإسمه ، وشبّ حريق آنذاك في تلك المنطقة الكائنة في عكار لإخفاء عملية المسح وعُرضت القضية أمام قاض قبضاي الذي اوعز إلى معاونية بتصوير المنطقة اثناء وبعد الحريق للإبقاء على المعالم ظاهرة قبل زوالها ، وإستطاع بذلك الحفاظ على ملكية تلك الأرض من قبل الدولة.
وأستطيع أن اؤكد ان حالات كهذه منتشرة في الجنوب حيث يتم مسح الأراضي المشاع وهي تابعة للدولة كأملاك خاصة تعود ملكيتها لبعض الزعماء النافذين.

من هنا نرى انه لو تم تطبيق إنشاء النيابة العامة البيئية لما حصلت كل هذه السرقات الموصوفة ،ولقمنا أيضا بإنشاء “السجل العدلي البيئي” يحفظ لدى وزارة البيئة، وعرفت منذ فترة أن القاضي الذي تابع قضية تلوث نهر الليطاني، اصدر حوالي 60 حكما وقام بإرسالها إلى وزارة البيئة وهي إلى اليوم الوحيدة المتوفرة في محفوظات السجل العدلي البيئي.

جبل النفايات

ويشرح القاضي صاري مشكلة جبل النفايات عند مصب النهر بطرابلس فيقول : أنه بؤرة تلوث ويشكل خطورة كبيرة على الناس وسكان المدينة، ونحن نعلم كم شكلت مداخن شركات الترابة في شكا من مخاطر صحية وملوثات خطيرة أصابت وتصيب أهالي شكا والمناطق والبلدات المجاورة من جراء هذه الإنبعاثات التي تتسبب بالأمراض السرطانية عند الأهالي من كافة الأعمار، وكلنا يعلم من هم الذين لهم الحصص في هذه المؤسسات والشركات وهم قادرون على إزالة أو تخفيف الضرر ومنع الأمراض الفتاكة ولكنهم لا يفعلون.

ولذلك بعد العام 2000 لم يسمحوا لي أن أتسلّم أيّ مركز له علاقة بالبيئة، لقد حصلت على ترقيات ربما لإبعادي عن التعاطي بهذه المسائل، لقد كنت قاضيا في البترون وتم نقلي إلى بشري حيث أصدرت العديد من الأحكام المهمة جدا للبيئة، وأتى أحد الأشخاص الناشطين بيئيا ووقف في وجه مجموعة من الأفراد كانوا يحاولون قطع أشجار الأرز المعمرة لإقامة أحد المطاعم، فأكل نصيبه من الضرب والإهانات، وهذا الشخص أخبرني بهذه الحادثة التي تعرض لها في وقت لاحق وأنه قد تقدم بشكوى علما أنه كان يدرك بأنها لن تغيّر في الأمر شيئا، ولكن هذه الشكوى كانت على الأقل بالنسبة له “فشة خلق” .

هذه الشكوى إطلعت عليها بعد إنتقالي إلى بشري وأصدرت حكما بموجب المعلومات الواردة، وألزمت المتعدين على إعادة زرع ماتم قطعه من أشجار أرز أي بمعنى آخر أن يدفعوا بدل كلفة زراعة هذه الاشجار ومصادرة المنشار وغرامة هي 50 مليون ليرة في ذلك الوقت وبنشر الحكم في صحيفتين محليتين. وكنت راض عن هذا الحكم لأن إعادة عملية الزرع والإعتناء بها ليس الغاية منها تأمين مدخول مالي للدولة، بل ان نعيد زرع بدل الأشجار المقطوعة ، وكنت أحكم بعشرة أضعاف قيمة ما تم قطعه.

حوار حول شركات الترابة وخفايا حرق الغابات

وعن شركات الترابة في شكا يعود فيقول: لقد ألزمت هذه الشركات بوضع فلترات على المداخن، وقد صدر عني أحكام بشكل إسبوعي يقدر عددها حوالي 20 -30 حكما في الإسبوع قيمة كل حكم (ظبط) 50 مليون ليرة.

لدينا قانون بيئي ولكن ليس لدينا طرق تطبيقية لهذه الأحكام، والغرامات هي مرتفعة لتكون رادعة للفاعلين، وفي إحدى المرات في بلدة تنورين كان السفير الإيطالي ماراَ بسيارته في البلدة عندما لمح احد الأشخاص يهمّ  برمي كيس للنفايات إلى جانب الطريق العام، فتوقف السفير وسأله عن هذا التصرف سيما وأن قطعة الأرض المجاورة هي محمية طبيعية، فعبّر هذا الشخص عن إمتعاضه لتدخل هذا الأجنبي بما يفعل !! وتلفظ بكلام معيب .

وسجّل السفير رقم سيارة هذا الشخص وتقدم بشكوى إلى وزارة الخارجية التي حولتها بدورها إلى وزارة العدل التي حولتها بدورها إلى النيابة العامة ومنها وصلت إلى مكتبي. وتبيّن ان الشخص المعني كان احد رجال الأمن ومتقاعد وصدر بحقه حكم بخمسين مليون ليرة.

وتابع: نسيت ان أشير أنه في أعقاب قضية قطع أشجار الأرز التي اتيت على ذكرها فقد تم تكريمي بزراعة شتلة لشجرة ارز في غابة الأرز حملت إسمي حيث اقوم سنويا بزيارة المكان لأروي هذه الأرزة.

وردا على سؤال ما إذا كانت الحرائق التي يشهدها لبنان في كل صيف هي مفتعلة ؟ يقول القاضي صاري: بالطبع وهذه الأعمال أي التسبب بإندلاع النيران في المناطق التي تتواجد فيه الاشجار الكبيرة و المعمرة هي بغرض الحصول على الفحم والتجارة به وجني الأرباح على حساب ثروة لبنان الحرجية ومناطقة الخضراء دون التفكير بما يتسببه كل ذلك من تصحير للتربة وللمناطق الحرجية.

تابعنا عبر