“أهلي نكروني وبيّي قال بنتي ماتت”، رحلة طويلة من المعاناة والألم خاضتها الكاتبة جيزيل قساطلي، إلّا أنّها اختارت أنّ تزيّنها بالإرادة والأمل لكي تكون عبرة لغيرها من النساء في”المجتمع الذكوري الحاقد” وفق قولها.
وقّعت قساطلي #كتابها تحت عنوان “بداية، كوني امرأة” باللغة الأجنبية وسط حضور الأقرباء والأصدقاء. “كتاب يختصر رحلة حياتي منذ أكثر من 27 سنة حتّى اليوم”، بغصّة ونظرة قوّة أشارت قساطلي في حديث لـ”النهار” إلى أنّ “رحلتها لم تكُن سهلة على الإطلاق، بل هي أشبه بالمشي فوق أشواك غير مرئية فوجئت بها على هيئة أشخاص وتجارب، غير أنّ تلك المفاجآت جعلتها قويّة وصلبة، وأدركت أخيراً أنّ الحياة لا تقف عند أحد بل تتوقف عندما نختار أن نكون أمواتاً ونحن على قيدها”.
عندما تولد القوّة من رحم الأحزان
على وقع الأغاني الكلاسيكية الهادئة، استرجعت قساطلي ذكرياتها المريرة وخبأت دمعتها التي ذُرِفت لسنوات بعدما نكرها ذويّها بسبب طلبها الطلاق من زوجها. “مجتمع ذكوريّ وجاحد بحقّ
#المرأة“، هكذا وصفت نظرة المجتمع إليها، قائلةً: “لطالما كنت أفكّر في الآخرين، طوال حياتي فعلت ذلك، وفي اللحظة التي استيقظتُ فيها من غيبوبتي وقرّرتُ أنّ أقف على قدميّ، واجهتُ الرفض ممّن هم الأقرب إلى قلبي، أهلي!”
ساد الصمت لثوانٍ كأنّها تسترجع مواجهاتها مع أهلها قبل 27 سنة. “إذا طلّقتِ زوجكِ لا مكان لكِ بيننا”، أحياناً يصعب على المرء تصديق بعض المواقف، وكأنّ الحياة تختبر صبرنا في أصغر الأشياء وأكبرها.
“لم أكترث لشيء، قرّرت الرحيل مع أولادي، وهذا ما فعلته”، تقول قساطلي. مضيفةً: “كنت في كندا، درجات الحرارة متدنّية، البرد قارس، وأنا وحيدة مع أطفالي، حيث لا أملك وظيفة أو شهادة، حاربتُ جهل المجتمع ونظراته إليّ قبل أن أحارب الوحدة ومشاكلي العائلية، عندها أيقنت أنّ سلاح المرأة هو العلم قبل المال أو أيّ شيءّ آخر”.
وأردفت: “تابعتُ دراستي، وعندما كبر الأولاد، أصبح لديّ متّسع من الوقت لنفسي، فخطرت لي فكرة كتابة هذا الكتاب عساني أستطيع مساندة غيري من النساء اللواتي يتألّمن بصمت، وما من سامع لأنينهنّ لكي يعرفن أنّ القوّة الحقيقية تولد من رحم الأحزان”.
كاتبة ومناضلة في وجه المجتمع الذكوريّ
“لم أختَر يوماً الكتابة، بل هي اختارتني”. رحلة الألف ميل بدأتها قساطلي في كندا الباردة التي أشعلت في قلبها حبّ الكتابة والنضال في سبيل إظهار حقّ المرأة ومساعدتها على رفع صوتها والتحرّر من عبودية المجتمع و
#الرجل.
“لا تخضعنّ لأحد، ولا تستسلمن مهما كانت الظروف سيئة، كتابي موجّه إلى كلّ أمّ وأخت ومتزوجة ومطلّقة وحتّى إلى كلّ فتاة يافعة، تذكّرن أنّكنّ مصدر الحياة”، تقول قساطلي.
يُحاكي الكتاب بصفحاته والكلمات العالقة ما بين سطوره والواقع النساء في اختلافهنّ، وكأنّه يوجّه رسائل مبطنّة إليهنّ باللغة الأقرب إلى قلب كلّ سيّدة: الحبّ.
الوحدة قوّة في حدّ ذاتها
“ذات مرّة، ذهبتُ إلى جبال الهمالايا، أعظم الجبال وأعلاها في العالم لممارسة الرياضة، فرفضت المجموعة التي رافقتني تسلّق الجبل معي، فخفت وفكّرت بالتراجع، إلّا أنّني لم أتمكّن من التغلّب على منظر الجبال والطبيعة الرائعَين، فتسلّقت”، تقول قساطلي.
وأردفت: “جبال الهمالايا أخافتني ولكنّ منظر الأودية والطبيعة الساحرة استحقّت المخاطرة، ألا تستحقّ الحياة بكلّ ما فيها المخاطرة أيضاً؟ إلى متى سنبقى رهن كلام الناس والمجتمع؟ متى سنعيش الحياة التي أهداها الخالق لنا؟”.
تعتبر الكاتبة أنّ “الحياة عبارة عن تجارب، وعلى الإنسان خوضها بالحلوة والمرّة، إذا أنّ كلمة مستحيل لا وجود لها إلّا في عقلنا الباطنيّ الذي يرفض لسبب أو لآخر تصديق أنّ كلّ شيء ممكن لا بل سهل، إذا توفّرت الإرادة والرغبة بذلك”.
المرأة والمجتمع
لا شكّ أنّ موضوع المرأة كان ولا يزال من أبرز الإشكاليات قيد المعالجة حتّى يومنا هذا، فما بين مؤيّد ومعارض لحقوق النساء والكوتا النسائية، تقع حواء في فخّ “المجتمع” الذي لا يرحم.
أوضحت قساطلي في حديث لـ”النهار” أنّ “المرأة هي سند نفسها، وليست بحاجة إلى أحد لتقف على قدميها، إلّا أنّها بحاجة إلى دعم الرجل وخاصّة إذا كان يفهمها، فمهما كنّا قويّات ونتباهى بذلك، نحتاج إلى الشعور بالحبّ والاهتمام، فنحن ننجب ونكبّر الأطفال ونصبح مثلهم عندما نكبر… نبحث عن الحبّ والاهتمام لكي نصل أسرع”.
“الأشياء السعيدة لا تدوم كما السيئة تماماً”، بهذه الكلمات ختمت قساطلي المقابلة، مشدّدةً على “ضرورة الاعتدال في المشاعر والتصرّفات والقرارات”.
“في البداية، كوني امرأة”، كتاب يلخّص معاناة النساء العازبات والمتزوّجات وحتّى المطلقات، ويحاكي واقعاً يفرض نفسه عليهنّ. الأمر اللافت أنّ هذا الكتاب طُرح في الأسواق منذ نحو الأسبوع، ولاقى ردود فعل إيجابيّة من الجنسين، ممّا يُبشّر خيراً في المرحلة القادمة التي تظنّ قساطلي أنّها “ستحمل تحوّلات جذرية لصالح المرأة لاسيّما الشرقيّة”.