كتب حسين زلغوط في “اللواء”:
هل كان ينتظر المسؤولون ان يخرج قائد الجيش ويطلق صرخته المدوية في حديثه عن أوضاع العسكريين وما يتعرضون له من ضغوطات معيشية واجتماعية، وما تعانيه المؤسسة العسكرية من تدخلات سياسية في مسارها إن على مستوى التشكيل او الترقيات، حتى يتنبه هؤلاء إلى ان احد اعمدة الكيان اللبناني بات آيلاً للسقوط ومعه تسقط الدولة برمتها.
ان جرس الانذار الذي دقّه بالأمس العماد جوزف عون لا يمكن لأي سياسي كائناً من كان ان يتجاهله او ان يتعامل معه بخفة، فما وصلت اليه المؤسسة العسكرية، التي لم تعد موازنتها تكفي حتى نهاية العام، يفرض على مختلف السلطات، لا سيما السلطة التنفيذية، ان تضع ما قاله قائد الجيش اولوية، وان يسارعوا فورا إلى معالجة مكامن الخلل الناجم عن سوء تقديرهم ومكانة هذه المؤسسة التي تشكل صمّام امان للبلد، وحامية للاستقرار الهش، فهل يوجد بلد في العالم الجيش فيه يشرب ويأكل وينام في الشارع منذ نحو 15 عاماً بقدرات محدودة والدولة غير مكترثة وهي التي يفترض بها ان تكون راعية له وتسهر على تأمين المستلزمات التي يحتاجها لتنفيذ المهام المنوطة به؟ هل يوجد في العصر الحديث جيش في العالم يفتقد إلى ابسط المقومات لكي يستمر ويحافظ على امن واستقرار البلاد والعباد؟
ان قائد الجيش اعلن بالأمس عن القليل القليل مما تعانيه المؤسسة العسكرية حيث لم يعد راتب الجندي او الضابط يكفيه لتغطية نفقات ابسط مقومات العيش، ناهيك عن النقص الحاد في المواد الضرورية لتسهيل الامور اليومية في المؤسسة، حيث على سبيل المثال، فان هناك صعوبة في تأمين القرطاسية من أوراق وأقلام وخلافها في غالبية الادارات والمكاتب التابعة للجيش.
قد يذهب البعض إلى وضع كلام قائد الجيش في خانة الاشتباك السياسي الحاصل، وقد يذهب البعض الآخر، وعن سوء نية، إلى ربط ظهور العماد جوزف عون بما ظهر عليه بالأمس بالانتخابات الرئاسية المقبلة، وقد يوضع ايضاً من قبل آخرين في خانات اخرى، فبغض النظر عن هذه التوصيفات فان قائد الجيش بعث برسالة إلى الجميع ومفادها: «يا جماعة ان هذه المؤسسة هي الوحيدة التي لا تزال تحول دون سقوط البلد»، بعد الانهيار الاقتصادي والمالي المدوي الذي نشهده، وهو يعلم ان ما يقوله يأتي من باب اللهم اني قد بلغت، لأنه على علم مسبق بأنه يصرخ في صحراء وان ما من احد من القوى السياسية يريد ان يسمع، وهو قالها بوضوح «لقد تحدثنا مع المعنيين لأن الأمر يؤثر على معنويات العسكريين، ولكننا لم نتوصل إلى نتيجة، يا للأسف لا يهمهم الجيش او معاناة عسكرييه».
ما من شك ان قائد الجيش اراد من خلال رسائله «الصاروخية» بكل الاتجاهات ان يضع الجميع امام مسؤولياتهم، بعدما لمس ان هناك من يريد من الجيش ان يكون مطية له، وبعدما شعر ان هناك من يريد ان يزج بالمؤسسة العسكرية في الصراعات السياسية القائمة ليحولها إلى «كبش محرقة»، وكان رده واضحاً في هذا الخصوص بتأكيده بأنه لن يسمح ان يكون الجيش مكسر عصا لأحد.
حيال هذا المشهد الذي يدير فيه المسؤولون ظهورهم فإن مَن يمكن ان يساعد الجيش هو المد الشعبي، فالناس تريد الجيش كخشبة خلاص، وتريد التخلص من الطبقة السياسية التي تلعب في مسألة تأليف الحكومة لعبة «القط والفأر» من دون التنبه إلى ان البلد يحترق وان الناس بدأت تتضور جوعاً. إن الناس تريد تغيير التركيبة السياسية والطائفية الموجود التي تكاد تكون اغرب تركيبة في العالم، فهذه التركيبة هي التي تمنع الجيش من القيام بالعمل الانقاذي، وهي تركيبة تحميها القوى السياسية لأنها تستفيد منها وترسخها في مواقعها، وتعزز نفوذها.
واذا كان الجيش قد هزَّ العصا بواسطة قائده من خلال دقه جرس الانذار والتحذير، فان التركيبة الموجودة تجعل اي كلام او مطلب للجيش من دون اي مردود ما لم تكن لها مصلحة في ذلك، وفي حال استمرت القوى السياسية بهذا المنحى فإن المؤسسة العسكرية ستصاب بالشلل وهذا إن حصل فانه يعني سقوط الدولة.
وفي هذا السياق، فإن اوساط سياسية ترى انه لا يمكن لأحد ان يطلب امراً ما من جهة مُفلسة لأنه لن يحصل عليه، متسائلة: كيف يمكن ان تقوم حكومة تصريف اعمال، لوّح رئيسها بالاعتكاف تعبيراً عن اعتراضه على المسار السياسي العام خصوصاً لجهة التلكؤ في تأليف حكومة مكتملة الاوصاف، بتلبية مطالب ذات اهمية كبرى تعود إلى المؤسسة العسكرية؟ فهذا الموضوع يحتاج إلى تكاتف الجميع وابتداع الصيغ الملائمة لتقديم ما هو مطلوب منها للجيش اللبناني وعدم الاكتفاء بالدعم المعنوي والخطابات، فالجيش يحتاج إلى دعم مالي والحفاظ على حقوقه لكي يستمر في القيام بمهامه. التصريحات والثناء والدعم بكلام في الهواء لم يعد يُسمن او يُغني من جوع، فالمؤسسة العسكرية قالت ما عندها، وعلى القوى السياسية اخذ ما قيل على محمل الجد والاقلاع عن التعاطي بمواضيع حساسة وخطرة بخفة او وفق ما تقتضيه مصالحهم ومواقعهم.