بقلم الكاتب والصحافي صفوح منجّد
يتوزع اللبنانيون وفق إهتماماتهم وتصوراتهم للأوضاع الراهنة في لبنان وطرق معالجتها إلى فئتين أساسيتين غير متساويتين بالعدد، وكذلك على صعيد الإنتشار في المناطق والبلدات على إختلاف إنتماءات سكانها وأهاليها، وإلى جانب هاتين الفئتين هناك فريق هو الاقل عددا ويعتقد أن القضايا الراهنة في لبنان وما عانى منه البلد في السنوات الأخيرة مصيرها إلى الزوال، وأن بإستطاعة لبنان إستعادة تطوره وإزدهاره والإنطلاق مجددا عربيا ودوليا إستنادا إلى ذلك الموقع الذي يتوسط فيه ما بين الشرق والغرب وبإعتبار أنه عُرف ب”سويسرا الشرق”، ولعل هذا الفريق نسي أو يتناسى أنّ الأوطان لا تُبنى فقط بالأحلام، بل تتطلب الجهد والرجال والإمكانات إلى جانب البرامج والخطط والمشاريع الإنمائية والإقتصادية والتجارية…
وفي عودة إلى إحدى الفئتين اللتين مرّ ذكرهما، فإنّ الأولى كما الثانية ترتكزان على الأفعال وردود الفعل وأمضتا الوقت والزمن الضائع في المماحكات والصراعات، وإن كانت واحدة منها هي المتلقية لسياسات الغبن وعدم إستشراف المستقبل، وما تعرّض ويتعرض له البلد من مشاريع ومخططات وإنقسامات قادته وتقوده إلى الهلاك، في حين أن الطرف الآخر وهو “المستجِد” على الساحة اللبنانية، إستطاع الحصول على السلاح وإستخدامه وقمع معارضيه بواسطته.
من هنا يسود هذا الإرتباك في الأوساط المحلية السياسية والحزبية والشعبية وفي معظم المناطق، لاسيما في الآونة الأخيرة حيث تعم البلد أزمات متفاقمة وإستحقاقات داهمة، لا يُعرف مصيرها بل لا يُعرف معها مصير البلد بأكمله.
وكما يقول المثل (البلد على كف عفريت) حتى أن العفريت نفسه قد هجرنا وتركنا في حالات يرثى لها، والجمهورية باتت أسيرة الخارج والداخل معا، وتزداد معها صورة الحاضر والمستقبل، التي تميل نحو مزيج من البؤس والشقاء والإنهيار الشامل.
فالمراكز الأساسية في البلد في طريقها للإضمحلال والزوال، وطبعا لكثرة هذه النماذج الواقعية لا يمكن تعدادها ولكن لا بد من إشارة إلى البعض منها ، وفي مقدمها إنتخابات رئاسة الجمهورية التي اصبحت على ما يبدو من “سابع المستحيلات”، وإستعادتها وطنيا وشعبيا هي مجرد أوهام بعد أن إنقضى على شغورها حوالي ثمانية أشهر دون أن تُسفر الجلسات الإنتخابية ال 13 عن اي نتيجة، والقادمات منها في حال حصولها في هذه الأجواء طبعا ،هي الأخرى معرّضة للفشل، في حين أن ولاية حاكم المصرف المركزي غسان سلامة ستنتهي في 31 الجاري، دون اي إشارة إلى إمكان تعيين بديل عنه أو الموافقة على إختيار أحد نوابه الأربعة ليشغل كرسيه، في الوقت الذي أعلن هؤلاء عن اللجوء إلى تقديم إستقالاتهم وأعلنوا ذلك في بيان مشترك.
وفي هذه الأجواء المشحونة يبدو أن مركز قيادة الجيش اللبناني لن يكون مصيرها أفضل حالا، فولاية قائد الجيش الحالي العماد جوزاف عون تنتهي في شهر كانون الثاني المقبل، وهناك خلافات دستورية وتشريعية لم يتم تداركها حتى اليوم أو التوصل إلى حل قانوني لها في المدى المنظور.
ووسط هذه الأجواء الساخنة طالعتنا الغالبية في البرلمان الأوروبي بتصويت يقضي “على دعم إبقاء اللاجئين السوريين في لبنان” حيث لقي هذا القرار الجائر والمتعسف والظالم بحق اللبنانيين بمختلف إنتماءاتهم معارضة محلية وغربية على الفور وشملت معظم القوى السياسية والكتل النيابية.
وعلى الرغم من أن هذا القرار لا صفة قانونية له من حيث التطبيق، فإن حكومة تصريف الأعمال تعرضت ولم تزل لخضّة لن ينقضي مفعولها بسهولة في الايام القادمة.
ورأى وزير المهجرين عصام شرف الدين في بيان “أن القرار تعسفي، وتدخل سافر بشؤوننا الوطنية الداخلية” وطالب بعقد جلسة طارئة للحكومة، وإعتبر وزير الإقتصاد والتجارة أمين سلام “أن ليس للبرلمان الأوروبي أي حق ولا صلاحية في إصدار قرار يتعلق بإبقاء النازحين أو ترحيلهم ،لأن هذا القرار هو شأن داخلي”، ودعا الدولة إلى تطبيق الإتفاقية التي وقعها لبنان مع مفوضية الأمم المتحدة للاجئين التي تنص صراحة على أن لبنان ليس بلد لجوء.
وفي السياق أكد “الإعتدال الوطني” لا يستطيع أحد في العالم مهما علا شأنه أو صغر أن يزايد على اللبنانيين أو يعطيهم دروسا في الإنسانية تجاه كل نازح أو لاجىء أو مظلوم.
هذا وكان القرار الأوروبي قد دعا لبنان إلى تجنيس هؤلاء النازحين حيث إعتُبر ذلك محاولة يائسة من قِبل بعض الجهات الغربية للحد من هجرة هؤلاء من لبنان إلى أوروبا عبر البحر المتوسط، وإن المطلوب من لبنان تطبيع العلاقات مع الرئيس السوري فيما يتعلق بقضية النازحينن ويبدو أن هذا الأمر قد لاقى إعتراضا شديدا في الأوساط اللبنانية والغربية.
وكشف التحالف الأميركي لأجل سوريا في بيان وصول مشروع قانون مناهضة التطبيع مع النظام السوري إلى مجلس الشيوخ الأميركي. لافتا بأن الكونغرس الأميركي جاد في مناهضة التطبيع والمطبعين فيما يحظّر مشروع القانون على الحكومة الفيدرالية الإعتراف أو تطبيع العلاقات مع أي حكومة في سوريا بقيادة الأسد.
هذا وكان من المُلفت التصريح الذي أدلت به السفيرة الفرنسية في بيروت غريو في كلمتها الوداعية بمناسبة مغادرتها لبنان “أن هذا البلد ليس على ما يرام حيث يطيب للبعض أن يعتقدوا اليوم أنه تم تجاوز الأزمة، غير أن الإستقرار الحالي خادع، إذا ما وضعنا جانبا المساعدات الكبيرة التي تقدمها الجالية اللبنانية والمجتمع الدولي”، وعن السبب الكامن وراء هذا الإستقرار الظاهري؟ قالت “السبب هو الإقتصاد غير الرسمي الذي يتمدد ويتعمم والأمر المقلق هو أن هذا الإقتصاد يتغذى من الترسيخ المتزايد لعمليات التبييض وللجريمة المنظمة التي تنتشر في كل أنحاء المشرق”.
وأضافت: ما من بلد يسعه أن يهرب من جغرافيته الخارجية أو من خريطته الداخلية، ما من رئيس للجمهورية منذ 9 أشهر يُسمع صوت لبنان على الساحة الدولية، عِلما أن بلدكم غاب عن الأجندة الدولية، في حين أن الشرق الأوسط يشهد تطورات كبرى، والحكومة لا تُعنى إلآ بتصريف الأعمال، والبرلمان لم يعد يشرّع، إنه شلل مميت بالنسبة إلى لبنان واللبنانيين.