كتبت غادة حلاوي في “نداء الوطن”:
توافد أمس إلى قصر الصنوبر رؤساء كتل نيابية ونواب وشخصيات سياسية للقاء الموفد الرئاسي الفرنسي جان- ايف لودريان، وللتباحث معه في موضوع انتخاب رئيس للجمهورية، أي في شأن لبناني يفترض أنه يندرج في سياق مهمات مجلس النواب أي السلطة التشريعية. في قصر الصنوبر زحمة مسؤولين يبحثون عن رئيس لبلادهم بعدما أخفقوا في الإتفاق في ما بينهم.
جرى البحث عن سيادة لم يشتمّ لها اللبنانيون رائحة في مواكب السياسيين ومرافقيهم وهي تلتزم أصول البروتوكول الفرنسي. ليس معلوماً ما الذي سيضمّن لودريان تقريره إلى الإليزيه عن زيارته لبنان ولقائه المسؤولين. ما سيقوله حكماً أنّ النواب والسياسيين منقسمون إلى حد التشتت. فريق يريد الحوار ويؤكد عليه، وآخر يعتبره لزوم ما لا يلزم. فريق يقول إنّه لا مرشح لديه، وثانٍ يؤكد تمسّكه بمرشحه، وثالث يصوت لمرشح ويدعم آخر.
كان السياسيون في حاجة إلى من يذكّرهم وينصحهم أنّ أحداً لا يلتفت إليكم ويهتم لمساعدتكم، وعليكم أن تساعدوا أنفسكم وتتفقوا على انتخاب رئيس، إمّا بحوارٍ داخلي او بحوارٍ يحظى برعاية دولية.
وبينما احتلت المبادرة الفرنسية صدارة الإهتمام لأشهر مضت لم يذكرها الموفد الرئاسي، حتى أنه حين فاتحه في شأنها أحد النواب التغييريين محتجاً على مصادرة صلاحياته كنائب، كان رده «وما الذي أفعله هنا اليوم؟»، ما يفسّر أنّ الماضي مضى ونحن أمام بداية جديدة مختلفة.
وخلافاً لما تردّد عن دعم بلاده لهذا المرشح أو ذاك، حرص لودريان على عدم ذكر الأسماء، لكنه اكد في قصر الصنوبر أن لا مرشح لبلاده ولا أفكار مسبقة، بل أراد إعداد قراءة لجلسات الإنتخاب النيابية من بدايتها وصولاً لجلسة الرابع عشر من حزيران التي تميزت عن سابقاتها بوجود مرشحين للرئاسة.
في استنتاجاته لتلك الجلسة أبلغ لودريان الذي أمضى غالب وقته مستمعاً، زائريه من أصحاب السيادة والإستقلال، أن لا امكان لفريق واحد أن ينتخب رئيساً للجمهورية في لبنان، لذلك عليكم أن تتفقوا على رئيس، وإلا لن يلتفت لمساعدتكم أحد.
أما استنتاجات من التقاه واستمع إليه فلم تحمل بشائر ولادة قريبة للرئيس، فهو حضر يستفسر عن أمور لم تعد سراً، ويسأل عن وقائع معلومة، وبدا كمن يفسّر الماء بالماء.
واذا كان التعويل على زيارته حصل من فريق المعارضة والثنائي معاً، وكل لغايته، فإنّ ما خرج به أحد طرفي الثنائية الشيعية يؤكد أنّ الرئاسة بعيدة، بعيدة، بعيدة!
فـ»حزب الله» الذي بقي متيقناً أنّ مرشحه الرئاسي سليمان فرنجية يحظى بموافقة الفرنسيين الذين تبنّوا لأشهر خلت تسوية تقوم على فرنجية لرئاسة الجمهورية ونواف سلام لرئاسة الحكومة، خرج من لقاء الموفد الفرنسي بنتيجة جعلته يقلل من أهمية الزيارة من حيث كونها لم تحمل أي جديد يذكر. وتقول مصادر مطلعة على أجواء «حزب الله» إنّ كل ما قاله لودريان يفيد أنّ الرئاسة بعيدة المنال. وأبلغ أنه لا يحمل أفكاراً معدّة مسبقاً، ولكنه حضر للإستماع وكأن هناك ما ليس معلوماً. وتضيف المصادر أنّ لودريان وعد بالعودة إلى لبنان مجدداً في تموز المقبل والذي يليه أي أنّه ينوي تكرار زيارته بما يؤشر إلى عدم وجود حسم قريب أو مسعى للحسم، وهذا ينذر بتعطيل طويل المدى، وأن لا حلحلة قريبة .
تيقّن «حزب الله» أنّ لا مبادرة في جعبة الموفد الرئاسي ولا أدوات تنفيذية لمبادرة، وأنّ كل ما قيل عن تفاهم سعودي- فرنسي لم يجرِ تلمسه أو الإشارة اليه. وفي تقدير الثنائي أنّ الزيارة الفرنسية إنما تندرج في إطار الإرث التاريخي لفرنسا لناحية الإهتمام بلبنان، وعلى أساس أنّ ثمة حلولاً يمكن الحديث في شأنها ليتبين أنّ الحلول لا تزال بعيدة، وأنّ الجانبين السعودي والأميركي ليسا مهتمين بينما يحاول الفرنسي أنّ يحرك الركود ويعد بمحاولات متكررة. وإلى حينه فلا شيء تغيّر في حسابات «حزب الله» لناحية التمسك بمرشحه الرئاسي، بينما تتمسك المعارضة بتأييد ترشيح جهاد أزعور أو جوزاف عون، ويتمايز «التيار الوطني الحر» عنهما بكونه صار أقرب لتأييد زياد بارود.
في زيارته لم يذكر لودريان اللجنة الخماسية، ولا خطوة المقايضة بين الرئاستين بالصيغة التي سبق وتبنتها بلاده، كما لم يذكر أي معطى يتعلق بلقاء الرئيس ايمانويل ماكرون وولي العهد السعودي محمد بن سلمان. لكن ما هم. ذلك أنّ المهم أن لودريان ميّز في لقاءاته بين من زارهم بنفسه وبين من زاروه بأنفسهم، وهو أضفى ارتياحاً لمجرد كون اللقاء معه بدا «ودياً وصريحاً»!