عماد الشدياق – اساس ميديا
أطلق “أساس” على العام المنصرم 2023 لقب “سنة الحديد والنار”. أمّا نقدياً، وتحديداً في ما يخصّ سعر الصرف، فيمكن تسمية هذا العام بـ”عام الجنون والاستقرار”.
في نظرة سريعة على سعر الصرف طوال هذه السنة، يمكن الملاحظة أنّ الأشهر الستّة الأولى شهدت ارتفاعاً جنونياً لم يرَه اللبنايون من قبل، وذلك بخلاف الأشهر الستّة الأخيرة يوم ساد الهبوط في الأشهر الثلاثة الأولى ثمّ الاستقرار في الثلاثة الأخيرة عند 89 ألفاً تقريباً.
قبل رحيل الحاكم السابق رياض سلامة، كانت التوقّعات تشير إلى أنّ سعر صرف الدولار سيرتفع بشكل هستيري، إلا أنّ مصرف لبنان مع حاكمه بالوكالة وسيم منصوري، استطاع أن يضبط سعر الصرف ويُرسي استقراراً نتيجة سلسلة من الإجراءات اتّخذها “المركزي”، ويقول إنّها غير مستدامة وظرفية، ويطالب في المقابل بإقرار الإصلاحات سريعاً.
كانون الثاني: من 42 ألفاً إلى 59 ألف ليرة
خلال كانون الثاني، كان حجم الكتلة النقدية المتداولة في السوق قرابة 90 تريليون ليرة. أمّا سعر الصرف فقفز 3 قفزات من 42 إلى 50 ألفاً، ثمّ في نهاية الشهر نفسه كان قد وصل إلى قرابة 60 ألفاً. في هذا الشهر فرضت الخزينة الأميركية عقوبات على شركة CTEX ومالكها حسن مقلّد المقرّب من الحزب، ولم يسلم مصرف لبنان من انتقاداتها، وتزامناً كانت القوى الأمنيّة تشنّ حملة ضدّ الصرّافين غير الشرعيين والمضاربين من أجل كبح جنون الدولار، متّهمة إيّاهم بأنّهم السبب خلف ارتفاعه، لكنّ الحقيقة كانت بمكان آخر، إذ إنّ سياسات مصرف لبنان الفوضوية ومنصّته “صيرفة” كانت خلف ارتفاع سعر الصرف، وكذلك استنزفت الاحتياطات.
خلال كانون الثاني، كان حجم الكتلة النقدية المتداولة في السوق قرابة 90 تريليون ليرة. أمّا سعر الصرف فقفز 3 قفزات من 42 إلى 50 ألفاً
شباط: من 60 ألفاً إلى 88 ألف ليرة
خلال شهر شباط، اتّخذت وزارة الاقتصاد قرار “دولرة” الأسعار في المحالّ والسوبرماركت. تعرّض هذا القرار للنقد الشديد باعتبار أنّه محاولة للتخلّي عن العملة الوطنية. لكن مع الوقت أثبت أنّه ساهم بشكل كبير في تهدئة سعر صرف الدولار، نتيجة انخفاض الطلب عليه لدى الصرّافين.
تزامناً أيضاً، كان ثنائي الحزب و”حركة أمل” يلمّحان بشكل مبكر إلى ضرورة التمديد لرياض سلامة، بينما كانت المدّعية العامّة في جبل لبنان غادة عون تتّهم عدداً من المصارف بتبييض الأموال، وهو ما أثار خوفاً لدى الهيئات الماليّة والاقتصادية في البلاد من قطع علاقات لبنان مع المصارف المراسلة.
آذار شهر الذروة: 141 ألف ليرة
مع بداية شهر آذار، رفع مصرف لبنان سعر منصة “صيرفة” إلى 70 ألفاً بقرار قافزاً فوق سردية “العرض والطلب” التي كان يؤكّد عليها منذ إطلاق “صيرفة”. عاد المركزي لبيع الدولارات للمواطنين عبر المصارف، بينما سعر الصرف في “السوق السوداء” كان بحدود 93 ألفاً، فواصل ارتفاعه إلى 141 ألفاً منتصف آذار.
لكن على الرغم من هذا الارتفاع، بدأ دور الصرّافين والمضاربين بالتراجع الملحوظ. “دولرة” الأسعار همّشت حاجة المستوردين والتجّار إلى أدوارهم وما عادوا الجهة التي تمدّهم بالدولارات. بدأت أدوارهم بالتراجع شيئاً فشيئاً واعتاد الناس على مفاعيل “الدولرة” وبدأوا بتلمّس عدم حاجتهم إلى الليرات، وأخذت أغلب الرواتب تتحوّل إلى الدولار.
نيسان: ذروته 107 آلاف ليرة
مطلع نيسان، هبط سعر الصرف تدريجياً من 113 ألف ليرة تقريباً إلى ما دون 100 ألف، وفي المقابل رفع مصرف لبنان سعر “صيرفة” إلى 90 ألفاً. ومنتصف هذا الشهر أيضاً، قدّمت الحكومة لموظّفي القطاع العام زيادة 4 رواتب، رافعة حجم كتلة الرواتب من قرابة 3 تريليونات إلى 7 تريليونات ليرة لبنانية، واصل دفعها مصرف لبنان بالدولار الأميركي على سعر منصة “صيرفة”.
أيّار: ذروته 97 ألف ليرة
مطلع شهر أيار، استمرّ الدولار بالهبوط إلى نحو 95 ألفاً.
حزيران: 94 ألف ليرة
مع بداية حزيران واصل الدولار تراجعه نتيجة بداية فصل الصيف مسجّلاً رقم 90 ألفاً. خلال هذا الشهر أيضاً، دشّن مصرف لبنان العمل بالتعميم 165، الذي يجيز التحويلات وإصدار الشيكات عبر مقاصّة داخلية في مصرف لبنان، بالليرة اللبنانية وبالدولار الأميركي “الفريش”. وكان يراهن عليه من أجل ضبط اقتصاد “الكاش”، وبالتالي من أجل إبعاد شبح إدراج لبنان على “اللائحة الرمادية” للدول غير الممتثلة لمكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب.
خلال الشهر نفسه، وافق مجلس شورى الدولة على قبول مراجعة تقدّمت بها جمعية المصارف ضدّ “خطّة التعافي” التي أقرّتها الحكومة، معتبرة أنّ الخطّة تشطب رساميل المصارف ولا تعترف إلا بمئة ألف دولار “فريش” لكلّ مودع في مصارف لبنان.
قبل رحيل الحاكم السابق رياض سلامة، كانت التوقّعات تشير إلى أنّ سعر صرف الدولار سيرتفع بشكل هستيري، إلا أنّ مصرف لبنان مع حاكمه بالوكالة وسيم منصوري، استطاع أن يضبط سعر الصرف
تمّوز: شهر التذبذب
في شهر تموز ومع اقتراب موعد رحيل رياض سلامة، أطلق نواب الحاكم تهديدات بالاستقالة في حال لم تقُم السلطة السياسية بالإصلاحات، بينما نائب الحاكم وسيم منصوري هدّد برفض تسلّم الحاكمية في ظلّ الظروف السائدة في حينه، رافضاً أن يكون “رياض سلامة” آخر. وفي غضون ذلك، عاد الدولار إلى الارتفاع بشيء لا يُذكر نتيجة الأجواء المتشنّجة، فارتفع إلى نحو 91,500 ليرة.
آب: بداية الانحدار إلى 89 ألف ليرة
خلال شهر آب، كُشف النقاب عن التدقيق الجنائي في حسابات مصرف لبنان الصادر عن شركة “ألفاريز إند مارسل” الأميركية، التي وقّعت عقداً مع وزارة المالية في 17 أيلول من عام 2021، فأفرجت وزارة المالية عن التدقيق بعد تأخّر اقترب من 12 شهراً أخفته خلالها في الأدراج خوفاً من “الفضيحة”. لكنّ الفضيحة الكبرى كانت في التقرير نفسه، لا في ما يحويه من معلومات فحسب. إذ ركّز على تجاوزات سلامة وسلوكه في تسيير عمل المصرف المركزي، ولم يخبر الرأي العامّ اللبناني الكثير عمّا حصل في السنوات الثلاثين الماضية، وكيف ضاعت ودائع اللبنانيين، أو كيف بدّدت الدولة ما استلَفَته من المصارف.
في الشهر نفسه، ارتفعت رهانات السلطة على النفط والغاز مع بداية إطلاق العمل بمنصّة الحفر في البلوك رقم 9، فزاره رئيس مجلس النواب نبيه برّي ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي وأطلقا سلسلة مواقف ذهبت سراباً مع تعاقب الأيام.
أيلول: الاستقرار سيّد الموقف
خلال شهر أيلول، اشتدّت الخلافات “تحت الطاولات” بين المصارف وحاكمية مصرف لبنان، التي اتُّهمت بالاهتمام بالمودعين أكثر من المصارف، خصوصاً بعد كلام الحاكم بالوكالة وسيم منصوري عن زيادة الدفعات الشهرية والضغط على المصارف. يومها هدّدت المصارف بالادّعاء على مصرف لبنان باعتبار أنّ لها أموالاً في ذمّته ولم يعترف بها.
خلال هذا الشهر أيضاً، عاد الحديث عن قرب إطلاق منصة بلومبرغ من أجل ضبط سعر صرف الدولار، الذي استقرّ بالفعل عند سعر 89 ألفاً بعد رحيل رياض سلامة، واستطاع الحاكم الجديد ضبط عمل المضاربين واعتماد أسلوب آخر مختلف يقضي بعدم التدخّل في السوق إلّا بمبالغ قليلة جدّاً مع إصرار على عدم إدانة الدولة دولاراً واحداً.
تشرين الأوّل: 89,500 ليرة
في تشرين الأول تحتلّ مناقشة الموازنة المشهد بعدما أغرقتها الحكومة بزيادات الضرائب والرسوم. وتوازياً دخلت البلاد في جوّ الحرب بعد عملية “طوفان الأقصى” التي نفّذتها حركة “حماس” في غلاف غزة، فتأجّلت كلّ الأحاديث عن الإصلاح والانتخابات الرئاسية، وانصبّ الاهتمام على ضرورة عدم غرق لبنان في حرب شاملة ومدمّرة ضدّ إسرائيل.
خلال الشهر نفسه، أعلنت شركة “توتال إنرجيز” الفرنسية أنّ البلوك النفطي رقم 9 الملاصق للحدود مع إسرائيل خالٍ من الغاز، وهو ما أثار شكوكاً في ترابط ذلك مع ما يحصل في قطاع غزة.
تشرين الثاني: الاستقرار مستمرّ على الرغم من الحرب
“احتفل” لبنان خلال هذا الشهر بمرور “سنة أولى فراغاً” في الرئاسة، وذلك على وقع الحرب المحدودة بين الحزب وإسرائيل في جنوب لبنان. على الرغم من مخاوف توسّع المعركة إلى “حرب شاملة” واصل سعر صرف الدولار استقراره عند 89 ألفاً، وكان ذلك إنجازاً سُجّل للمصرف المركزي.
في المقابل، كانت الحكومة “ترسم” مشروع قانون هيكلة المصارف، وكذلك “خطة طوارىء”، لكن من دون تمويل، تحاكي الحرب الشاملة ضدّ إسرائيل. في حينه أعلن مصرف لبنان رفضه تمويل تلك الخطة إلّا بقانون يصدر عن مجلس النواب. كما قام في المقابل بتوسيع هامش المودعين المستفيدين من التعميم 158.
كانون الأوّل: هبوط مؤجّل؟
بداية الحديث عن أسباب عدم هبوط الدولار، خصوصاً بعد المعلومات التي كشفها مصرف لبنان حول قدرته على جمع قرابة 400 مليون دولار من السوق، وهو ما يعني أنّ فائض الدولارات في السوق كان يمكن أن يخفّض سعر الصرف إلى حدود 80 ألف ليرة أو ما دون ذلك، لكنّ المركزي فضّل جمع هذه الدولارات من أجل تعزيز احتياطاته بدلاً من الضغط على سعر الصرف لخفضه.
خلال هذا الشهر أيضاً، بدأ الحديث جدّياً عن قرب إطلاق منصة “بلومبرغ” المنتظرة (يقال في الأشهر الثلاثة الأولى من العام الجديد)، خصوصاً مع القرار الذي اتّخذه الحاكم وقضى بتوحيد سعرَي “صيرفة” و”السوق الموازي”، تمهيداً لتحريره، تزامناً مع الإصلاحات المنتظرة وعلى رأسها إقرار قانون الموازنة و”الكابيتال كونترول” المنتظر بدوره منذ أكثر من 4 سنوات!