كتبت رنى سعرتي في “نداء الوطن”:
سيناريو وحيد يمكنه اذا تحقق ان يبقي سعر صرف الدولار مقابل الليرة مستقراً او ربما ينخفض، وهو: انتخاب رئيس جمهورية اصلاحي، وتشكيل حكومة اصلاحية بسرعة، وتعيين حاكم اصلاحي لمصرف لبنان، وتسريع اعداد واقرار التشريعات الاصلاحية المطلوبة لبدء الخروج من الازمة لا سيما الكابيتال كونترول وهيكلة المصارف والاتفاق على توزيع الخسائر… والأفضل هو ادراج كل ذلك في سياق الاتفاق الاولي مع صندوق النقد الدولي وصولاً الى التوقيع النهائي الذي يسمح ببدء صرف قرض من الصندوق تواكبه قروض ومساعدات من دول مانحة عربية ودولية، فضلاً عن عودة تدفق الاستثمارات التي تحفزها عوامل الثقة بالاصلاح والاستقرار السياسي والامني.
سيناريو مستبعد
بما ان هذا السيناريو في علم الغيب، فان الواقع يشير باستمرار الى تدهور عدد من المؤشرات بما يشي بتأرجح او تذبذب سعر الصرف. فالميزان التجاري عاجز بقوة، واقتصاد الكاش يضرب اطنابه، ولا نمو اقتصادياً مستداماً يخلق فرص عمل للحد من الهجرة والبطالة والفقر، ولا ايرادات نامية باضطراد لخزينة الدولة، ولا قضاء مستقلاً يفتح ورشة مساءلة ومحاسبة تركز على استعادة الاموال المنهوبة وكبح الفساد.
واقع الطلب على الدولار
مع دولرة التداولات التجارية النقدية في السوق وفقدان الليرة دورها كعملة ادخار، ومع مواصلة تسديد رواتب القطاع العام بالدولار، لم يعد هناك طلب كبير على الدولار لدى الصيارفة او في سوق القطع باستثناء طلب المستوردين وطلب مصرف لبنان لتأمين حاجات الدولة بالدولار والبالغة حوالى 200 مليون دولار شهرياً لكنه لا يؤمن الا نصفها منذ خروج رياض سلامة من الحاكمية. كما ان عمليات المضاربة على العملة مع توقف منصة صيرفة عن العمل، اصبحت معدومة بسبب تقليص حجم الكتلة النقدية في السوق الى حوالى 60 تريليون ليرة وتوقف مصرف لبنان عن طبع العملة، وهو الامر الذي جفف الليرة لدى المراكز المالية في السوق، والتي كان البعض يستخدمها متى يشاء لرفع سعر الصرف او خفضه. وبالتالي فقد ساهمت تلك العوامل مجتمعة لغاية الآن في الحفاظ على استقرار سعر صرف الدولار من دون اية منصة نشطة للتداول.
منصة بلومبيرغ
اما ومع بدء العمل بمنصة بلومبيرغ بعد شهرين ربما، ووسط الحديث عن تسديد رواتب القطاع العام (80 مليون دولار) في الفترة المقبلة بالليرة على سعر صرف السوق، ومع امكان رفع سعر صرف السحوبات النقدية في المصارف الى حوالى 90 الف ليرة في حال اقرّت موازنة تعتمد هذا السعر، فان حجم الكتلة النقدية بالليرة في السوق سيزيد، لان التعويل على جباية ايرادات الدولة على سعر صرف الـ90 الف ليرة لن يؤدي الى سحب كميات الليرات التي سيتم ضخها من قبل القطاع المصرفي حتّى لو تم خفض سقف السحوبات. وستبقى الفجوة بين عرض الليرات وسحبها كبيرة، مما سيزيد الطلب على الدولار في السوق، في ظلّ غياب محتمل للعرض.
دور مصرف لبنان والوسطاء
وبما ان مصرف لبنان اعلن انه لن يستخدم التوظيفات الالزامية للتدخل للجم سعر الصرف في السوق، بل انه بحاجة لشراء حوالى 100 مليون دولار شهرياً من السوق من اجل تأمين حاجات الدولة بالدولار، فان توقعات الخبراء تجمع على ان مسار تراجع الليرة قد يُستأنف من جديد قريباً.
وإذا كان هدف البنك المركزي من اعتماد منصة بلومبيرغ هو توحيد سعر الصرف وتعويمه وضمان اعتماد آلية تسعير شفافة وإطار حوكمة للتداول، فان ايلاء مهمّة الوسيط والـ market maker للمصارف (13 مصرفاً في المرحلة الاولى) سيمنحها امكانية التلاعب في سعر الصرف والتحكم به اذا تركت من دون رقابة لصيقة. ولكن يبقى السؤال الاهمّ هو من سيعرض بيع دولاراته عبر المنصة؟ ومن أين سيؤمن مصرف لبنان حاجات الدولة من الدولارات شهريا؟
دعم تقني
أفادت مصادر المجلس المركزي لمصرف لبنان ان صندوق النقد الدولي أبدى استعداده لتقديم الدعم التقني والتدريب حول آلية عمل المنصة وضمان تطبيق الحوكمة الرشيدة والشفافية، واطلاع مصرف لبنان حول توقيت وكيفية تدخله في السوق. لان التوقعات الحالية تشير الى ان سعر صرف الليرة قد يشهد مزيداً من التراجع مع بدء عمل المنصة ومع تحرير سعر الصرف، لكن البنك المركزي يعتبر انها عملية يستطيع ادارتها.
شروط إلزام التجار
وذكرت المصادر انه من بين الاقتراحات المطروحة حول آلية عمل بلومبيرغ، وضع شروط لإلزام التجار والمستوردين من اجل فتح اعتمادات لهم للاستيراد، تتمثل بتأمين السيولة النقدية بالليرة اللبنانية وايداعها في المصارف التي بدورها ستشتري بها الدولارات عبر المنصة. هذا الشرط سيدفع التجار والمستوردين، بعد دولرة معظم التداولات التجارية المحلية، الى بيع دولاراتهم في السوق السوداء لتأمين السيولة المطلوبة بالليرة من اجل الاستيراد.
ورغم ان هذه الخطوة تساهم في ضخ الدولارات في السوق السوداء وتحويلها الى سوق لبيع الدولارات وليس شرائها، إلا ان عواقبها تحمل مخاطر اخرى مرتبطة بعودة المضاربات وعودة تعدد أسعار الصرف.
دور الصرافين
وكشفت المصادر ان بعض الصيارفة من فئة «أ» سيسمح لهم بالانضمام الى عمل منصة بلومبيرغ لتأمين وصول الاشخاص الذين لا يتعاملون مع المصارف الى المشاركة بالمنصة. وذلك من خلال آلية لا تتطلب فتح حسابات مصرفية لهؤلاء الصيارفة بل تحويلات مباشرة لحسابات الافراد الراغبين في التداول عبر المنصة.
وبما ان الآلية لم تكتمل بصورة نهائية، هناك اجتماع سيعقد بين مصرف لبنان وموظفي صندوق النقد الدولي المعنيين بالشق التقني، حيث من المرجح ان تنكشف عوائق وشوائب في آلية عمل المنصة يجدر وضع سيناريوات مواجهتها.
مصري: لم نتبلغ شيئاً
في هذا الاطار، اوضح نقيب الصيارفة مجد مصري ان الصيارفة لم يتبلّغوا شيئاً من قبل مصرف لبنان حول آلية عمل منصة بلومبيرغ، علماً انهم طالبوا بعقد اجتماع مع حاكم مصرف لبنان بالانابة للاستفسار حول هذا الموضوع. لكنه لم يحدد لهم موعداً بعد لغاية اليوم. وقال لـ»نداء الوطن» ان المصارف أيضا لا تملك معلومات حول آلية عمل المنصة الجديدة، مما يؤشر الى ان البنك المركزي نفسه لم يحدد بعد الآلية النهائية. وبالتالي إذا كان السعي لضمّ الصيارفة فئة «أ» الذين يملكون وحدات لمكافحة تبييض الاموال وتمويل الارهاب (inhouse) للمنصة، فيجب ابلاغهم بذلك واخضاعهم لعمليات تدريب مسبقة علما ان الصيارفة ممنوعون من فتح حسابات مصرفية، وبالتالي سأل مصري: كيف سنتمكن من العمل على المنصة، فهل عبر المصارف التي ستكون الوسيط من دون حيازتنا حسابات مصرفية؟
ميزان المدفوعات
وفيما اعتبر ان آلية عمل منصة بلومبيرغ ما زالت غامضة، رأى ان كلّ ما يتم التداول به هو مجرّد تكهنات اذ لا توجد رؤية واضحة بعد لدى مصرف لبنان. وقال: وفقا للمعطيات الحالية، لست مؤمناً بعمل تلك المنصة التي اعتبرها مضيعة للوقت.
اما بالنسبة لمسار سعر الصرف مع بدء عمل منصة بلومبيرغ، فاشار مصري ان حجم الاستيراد في لبنان يبلغ حوالى 20 مليار دولار في حين يبلغ حجم التصدير حوالى 3 مليارات دولار، وحجم التحويلات المالية من المغتربين الى لبنان حوالى 8 مليارات دولار، مما يجعل عجز ميزان المدفوعات واقعاً مستمراً. لافتا الى ان مصرف لبنان كان يلجأ الى طباعة العملة والهندسات المالية لتأمين الدولارات، مما كان يؤدي الى انهيار سعر صرف الليرة. وبالتالي، فان المشكلة هي في عجز ميزان المدفوعات وليس بنوعية المنصة التي يجب اعتمادها للتداول.
ستنهار الليرة أكثر
اضاف: المشكلة اقتصادية وليست نقدية ولن تعالج بمنصة! من سيعرض الدولارات على المنصة باستثناء بعض الافراد لزوم تسديد مستحقاتهم لوزارة المالية من ضرائب ورسوم؟ وكم تبلغ نسبة تلك الدولارات من اجمالي الطلب؟ لا شيء يذكر. واكد مصري ان العمل على منصة بلومبيرغ سيسير باتجاه واحد، وسيعاود سعر الصرف الانهيار!
حكيم: سيعود التدهور
من جهته، اعتبر المصرفي والوزير السابق آلان حكيم ان منصة بلومبيرغ هي مجرّد علامة تجارية، تضمن الرقابة والشفافية للعمليات المتداولة عبرها، وهي خطوة نحو توحيد سعر الصرف، مؤكداً انها لا تلعب أي دور في التأثير على سعر الصرف، لافتاً الى ان التدهور في سعر صرف الليرة الذي سيبدأ قريباً، لن يكون مرّده منصة بلومبيرغ بل الآلية المعتمدة على العرض والطلب في ظّل شح عرض الدولارات.
ستبقى السوق الموازية
وشرح حكيم لـ»نداء الوطن» ان عرض الدولارات عبر منصة صيرفة، كان يتم من قبل مصرف لبنان إما من احتياطيه او من الدورة النقدية التي كانت تتم عبر صيرفة والتي سمحت له بتخزين جزء من الدولارات. اضاف: اما اليوم، فلا يوجد مصدر لعرض الدولارات على بلومبيرغ، وبالتالي ستكون مجرّد أداة لفرض رقابة على التداول الداخلي عبرها، والذي سيشمل التداول النقدي الرسمي فقط، بينما سيستمر التداول غير الرسمي أي السوق السوداء بالعمل من خارج المنصة «على هواه». مما سيؤدي حتماً الى مزيد من التدهور في سعر صرف الليرة.
واكد حكيم ان استقرار سعر الصرف والهدوء الحالي، يعودان الى «حالة حبس الأنفاس» للوصول الى اتفاق على انتخاب رئيس للجمهورية، «والى إحجام أصحاب الكتل النقدية الكبيرة المعروفين، عن التدخل حالياً في السوق للتلاعب بسعر الصرف والمضاربة، وليس نتيجة موسم الصيف ودولارات السياحة….». في المقابل، رأى حكيم ان هذين الهدوء والاستقرار في سعر الصرف لن يطولا، وسيعاود سعر الصرف فلتانه قريباً.