شعار ناشطون

الحلّ يبدأ من السراي.. لا من واشنطن

17/04/25 06:26 am

<span dir="ltr">17/04/25 06:26 am</span>

عماد الشدياق – نداء الوطن

“مرتا، مرتا. أنت تهتمين بأمور كثيرة وتضطربين والمطلوب واحد!”… بهذا القول الإنجيلي يمكن اختصار حال الحكومة مع أزمة الودائع: تحوص وتلوص عبر مصطلحات وتبريرات، لكنّها لا تصيب لبّ الأزمة التي عجزت الحكومات السابقة وستعجز أيّ حكومة أخرى في رسم الحلّ المناسب، ما لم تعترف بـ 5 حقائق.

يمكن تحديد الحقائق المطلوب الاعتراف بها، بالنقاط التالية:

– الأزمة “نظامية” وطالت كل القطاع المصرفي، وكل مفاصل الاقتصاد في الدولة.

– الأزمة كانت نتاج سياسات خاطئة من ناظم القطاع، مصرف لبنان.

– تتحمّل السلطة، أي البرلمانات وكذلك الحكومات المتعاقبة التي ضمّت سائر الأحزاب السياسية والمستقلين والموالين والمعارضين، مسؤولية تلك السياسات، بوصفها مراقباً لحسن سير وعمل المرافق العامة (ومنها مصرف لبنان)، وكانت تشاهد التخبّط في سياسات “المركزي” وتسكت.

– إنّ السلطة بشقيها التشريعي والتنفيذي، لم تكتفِ بالصمت والسكون، بل كانت تبارك للمصرف المركزي عمله، باعتبار أنّ ما يقوم به هو من أجل تمويل سياساتها التدميرية (استدانة من أجل الانفاق والتحاصص والهدر والفساد، وإلهاء الشعب من خلال تثبيت سعر الصرف وزيادة القدرة الشرائية بشكل وهمي ومن حساب أموال المصارف وبالتالي المودعين).

– المصارف، وبرغم الملاحظات على أدائها خلال الأزمة، كانت تنفّذ سياسات المصرف المركزي، وبالتالي فإنها لا تتحمّل مسؤولية ما آلت إليه الأزمة، منفردة. وإنّما تتشارك مع مصرف لبنان، والدولة بوصفها الجهة الرقابية على مرافقها.

وعليه، فإن البحث عن أي حلّ قبل الاعتراف بهذه الحقائق، لن يبصر النور لا اليوم ولا في الغد…

تزامناً مع هذا التخبّط، تستعجل الحكومة الذهاب إلى صندوق النقد الدولي خالية الوفاض. متأبطة (على طريقة الرئيس نواف سلام) قانوناً يتيماً وفارغاً عنوانه “قانون معالجة أوضاع المصارف في لبنان وإعادة تنظيمها”، لا يأتي صراحة على ذكر تحديد المسؤوليات وكيفية توزيع الخسائر، التي تعني تحديد النسب المئوية التي يُفترض أن تتحملها 4 جهات:

1. مصرف لبنان.
2. المصارف.
3. الدولة.
4. المودعون.

البداية من “تشريح” الودائع
لا مبالغة في القول إنّ ما يعطّل إقرار هذا القانون هو عبارة تمسكت بها الحكومات المتعاقبة كما الحكومة الحالية، وهي أساس تعطيل أيّ حلّ منظور، وتلك العبارة هي: “قدسية الودائع”، وذلك من باب “بيع” المواقف الشعبوية للمودعين وتمييع الحلّ.

وحينما نقول “مودعون” فليس المقصود المودعون الكبار حصراً، وإنّما كل المودعين (كباراً وصغاراً)، كل مودع استفاد من الفوائد المرتفعة، أو حصل على قرض ثم ردّ قيمته خلال الأزمة على سعر صرف وهميّ (1500 ليرة) ويطالب اليوم بكامل وديعته، وكل مودع حوّل وديعته بالليرة اللبنانية إلى دولار خلال الأزمة ويطالب المصرف بها اليوم بالدولار الأميركي… وقسّ على ذلك الكثير من الأمثلة.

هذا السيناريو، يعيدنا إلى المربّع الأول. أي إلى مصرف لبنان بوصفه الجهة القادرة على إحصاء الحسابات المصرفية عدداً، ومقارنتها من أجل معرفة “المشروع” منها من “غير المشروع”. وبالتالي “تشريحها” من أجل معرفة حجمها الفعلي، وفصل تلك الحقيقية من تلك غير المشروعة أو الوهمية… ويُقال إنّ حجم الودائع بعد عملية التصفية وحسم الفوائد واسترداد الفروقات من القروض المسددة على 1500 ليرة، ربّما ينحدر إلى أكثر من النصف بقليل (بين 50 و 60 مليار دولار).

بعد تجرّع كأس السمّ، والحصول على رقم الودائع الحقيقي، تستطيع الحكومة معرفة حجم “الفجوة المالية”، ثم يعلن مصرف لبنان، بعد أن يعترف بأموال المصارف، عن كيفية ردّ أموال المصارف التجارية… وإن كان هناك فرق بين المتوجب على المصارف من ودائع وبين ما تطالب به المصارف، تعمد الحكومة على تحمّله من خلال إعادة رسملة مصرف لبنان، خصوصاً أنّ جزءاً من هذه الخسائر تسبّبت به حكومات ما بعد الأزمة (الإصرار على الدعم، وسعر صرف 1500 ليرة، و”سعدنات” منصة صيرفة…).

عندها تستطيع الحكومة توزيع المسؤوليات، وبالتالي توزيع الخسائر. قبل هذا السيناريو، فإنّ كل ما نسمعه عن حلول وانتظار قوانين هو مضيعة وقت ولن يقود إلى أي حلّ.

وعليه، فإن مطلب الهيكلة قبل الإقرار بأموال المصارف لدى مصرف لبنان وقبل معرفة كيفية تسديدها، سيبقينا في حال المراوحة نفسها، طالما أنّ السلطة السياسية ترفض الاعتراف بهذه الحقائق.

أمّا التعويل على “عصا” صندوق النقد الدولي السحرية، فهو الآخر وهم يضاف فوق الوهم الموجود، الذي تغرق فيه السلطة وتظنّ أنّ “حفنة” من القوانين (حبر على ورق) تستطيع من خلال حملها إلى واشنطن، إعادة الاقتصاد والقطاع المصرفي لعافيتهما، هذا هو حقاً الوهم بعينه… لأنّ حل أزمة الودائع، وبالتالي الأزمة الاقتصادية برمتها يبدأ من السراي وليس من واشنطن.

تابعنا عبر