كتبت غادة حلاوي في “نداء الوطن”:
تقول التقارير الواردة إنّ الأميركيين كما الإسرائيليين يرصدون باهتمام فحوى تصريحات مسؤولي «حزب الله» أو المقربين من بيئته الاعلامية أو السياسية لمعرفة هل هو في وارد توسيع رقعة الحرب؟ وما سيكون ردّه على سقوط هذا العدد من الشهداء على أرض المعركة الدائرة على الحدود في الجنوب اللبناني؟ في المقابل لا يزال «حزب الله» يتلقى رسائل عبر أصدقاء ومقربين من الأميركيين والفرنسيين تستفسر عن موقفه من المعارك وأفق الحرب الدائرة. يتقصّد «حزب الله» التزام الصمت وعدم تقديم أي إشارة مباشرة أو مداورة، مولياً اهتمامه للميدان، حيث يكون الردّ بالشكل اللازم.
حتى الساعة لا يوجد ما يشير إلى معالم اتفاق قريب على وقف إطلاق النار في غزة أو هدوء قريب على جبهة الجنوب. يؤكد ما تشهده جبهتا غزة والجنوب اللبناني، أنّها حرب حقيقية بدليل صدور ما يقارب خمسين بياناً عن عمليات عسكرية نفّذها «حزب الله» ووجود ما يزيد على 350 جندياً اسرائيلياً موجودين في كل مستوطنة من المستوطنات على الحدود الشمالية. حرب استنزاف لم يقل «حزب الله» كلمته النهائية في شأنها بعد.
يرفض «الحزب»، كما هو واضح، إعطاء ولو إشارة تطمئن اسرائيل أو الدول الغربية المساندة، لكنه وجّه أمس رسالتين بالغتين بالشكل والمضمون في وقت يترصّد العالم توقيت خروج أمينه العام.
لم تكن الرسالة التي خطها السيد نصر الله بخط يده عند الرابعة فجر أمس الأول مجرد عبارات عابرة، ففي كل عبارة من عباراتها رسالة. هي أقرب إلى رسالته الشهيرة للمقاتلين في حرب تموز، وإنّ ركّزت راهناً على التعامل الاعلامي مع عناصر «حزب الله» الذين يسقطون على أرض المعركة. كان يمكنه أن يستعيض عن رسالته بالطلب إلى العلاقات الاعلامية مباشرة، لكنّه تقصّد الذهاب أبعد بتوجيه توصية خطية باعتماد «تسمية الذين ارتقوا منذ 7 تشرين الأول بالشهداء على طريق القدس في بيانات النعي أو مسيرات التشييع أو مناسبات الذكرى أو ما شابه ذلك». وذلك للقول إنّ هذه المعركة لها مدلولاتها وأهدافها، ولتكن رسالة للفلسطينيين والاسرائيليين معاً بمدى انخراط «حزب الله» في صلب المعركة الدائرة في غزة ولإعطاء هوية واضحة للشهداء وعلى سبيل تكريمهم تماماً مثلما سبق وأعطى لمشاركة «حزب الله» في سوريا عنوان «لن تسبى زينب مرتين».
ويندرج في تفسير معنى الرسالة الخطية أنّ السيد يتحكم بأدوات المعركة الإعلامية والسياسية والميدانية، ويؤكد من خلالها للإسرائيلي دور «حزب الله» في المعركة، وتقول للفلسطيني إنّ «الحزب» جزء من الحرب الدائرة، وإنّ عناصره يسقطون في الجنوب دفاعاً عن القدس، ويمكن اعتبار كلامه رداً ضمنياً على تصريح رئيس حركة «حماس» في الخارج خالد مشعل الذي اعتبر فيه أنّه بإمكان «حزب الله» تقديم أكثر مما يقدّمه نصرة لغزة حيث التزم «الحزب» الصمت حياله، لكنه خرج أمس بلسان سيده ليقول إنّ هذا العدد الكبير من الشهداء إنما سقط نصرةً لغزة والقدس.
رسالة أخرى بالغة تقصّدت العلاقات الاعلامية توزيعها وهي الصورة التي تعلن عن اجتماع بالأمين العام لحركة «الجهاد الإسلامي في فلسطين» زياد نخالة ونائب رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» الشيخ صالح العاروري. وعلى خلاف العادة يظهر الضيفان جالسين في مواجهة الأمين العام يتوسّطهما مجسّم للقدس في ترتيب لم يكن عبثياً. بعدما درجت العادة أن يستقبل السيد ضيوفه فتتوزع مقاعدهم حوله وليس على مسافة قصيرة قبالته مباشرة، بما يفصح عن تنسيق مباشر لإدارة الحرب من بيروت إلى غزة.
«حزب الله» الذي سقط له هذا العدد الهائل من الشهداء في الجنوب اللبناني لم يقل كلمته بالرد على استهدافه بعد. بالمقارنة مع امكاناته بات واضحاً أنّه لم يستخدم نسبة واحد في المئة من قوته العسكرية، وهو لا يزال يدير المعركة بهدوء وروية ومستعد لكل الاحتمالات، ونظراً إلى المتعارف عليه عنه فهو لن يفوّت فرصة الرد المناسب على سقوط شهدائه، ربما يكون ذلك قريباً أو ربما من الباكر التنبؤ بموعده بعد.
مواجهات على امتداد 41 كيلومتراً، ونحو 53 بياناً عن عمليات عسكرية شنّها «حزب الله» خلال أسبوعين، ووجود ثلث الجيش الاسرائيلي على الحدود مع لبنان، واستنفار اسرائيلي كثيف، ليست إلاّ جبهة مشتعلة، لكن السؤال كيف ستشتد؟ أم أنها ستكون حرب استزاف يطول أمدها أشهراً إضافية؟ الجواب يعبّر عنه الميدان واحتياجات المعركة.