كتب حسين طليس في “الحرة”:
يشكل “التشخيص النفسي الذاتي – Psychological Self-Diagnosis”، واحدا من أبرز التحديات التي تواجه اليوم الأطباء والمعالجين النفسيين حول العالم.
وسمحت الثورة المعلوماتية التي أحدثها الانترنت عموما، ومواقع التواصل الاجتماعي خصوصا، بوصول أوسع وانتشار أكبر للمعلومات المتعلقة بالصحة النفسية والعقلية واضطراباتها، وحولتها مؤخرا إلى موضوع مرغوب ومُتابع، يتمحور حوله الكثير من محتوى المؤثرين والمدربين (life coaches) وحتى الأطباء والمتخصصين.
وعلى الرغم من الأثر الإيجابي لهذا الواقع، لناحية نشر الوعي والثقافة العامة حول الصحة النفسية، التي كانت حتى وقت قريب جدا، موضوعا مهمشا عن حيز التداول والنقاش العام، ومنطلقا للوصم والتمييز والأفكار الخاطئة.
إلا أن ذلك الواقع أفرز مشكلة أخرى تتمثل بفتح المجال أمام عدد كبير من غير المؤهلين وغير المختصين للحديث حول الأمر، وتقديم مشورات وتعميم معلومات وعوارض وتشخيصات.
وبات ذلك يرتد سلبا على واقع الصحة النفسية عموما، لاسيما وأنها أصبحت مصدرا ومنطلقا لظاهرة التشخيص الذاتي، والتي يقوم خلالها الأفراد والمتابعين بإسقاط تلك المعلومات على أنفسهم وحالتهم النفسية واضطراباتهم، ويتوصلون عبرها إلى نتائج تشخيصية، خاطئة في معظم الأحيان، تزيد من مشاكلهم تعقيدا بدلا من حلها.
ويزداد انتشار هذه الظاهرة على نطاق أوسع في بلد كلبنان، الذي ترتفع فيه نسب الاضطرابات النفسية المسجلة نتيجة ما يواجهه السكان خلال السنوات الماضية من ظروف اقتصادية اجتماعية وأمنية استثنائية، بعد الانهيار الشامل الذي أصاب البلاد منذ العام 2019، خصوصاً مع ارتفاع تكاليف الخضوع لعلاج نفسي، فيما يعيش أكثر من 80 في المئة من السكان بفقر متعدد الأوجه والأبعاد، وفق وصف الأمم المتحدة.
مدخل إلى التشخيص الذاتي
“خمس عوارض تشير إلى أنك مصاب باضطراب نقص الانتباه وفرط النشاط ADHD، وهناك أسئلة تكشف إن كنت تعاني من الاكتئاب، هذه السلوكيات تشير إلى أنك تواجه الوسواس القهري، احذروا هذه العلامات قد تدل على أن شريككم لديه اضطراب الشخصية النرجسية”.
هذه العناوين تشكل نموذجا عما يعترض رواد مواقع التواصل الاجتماعي من محتوى بات ينتشر بكثافة ويتناول الصحة النفسية بصورة معممة بعيدة عن الحقائق والمنهجية العلمية للتشخيص النفسي.
مثل هذه العناوين كانت مدخلا لكل من أحمد وسارة إلى مسار طويل من المتابعة والقراءة والبحث الذي انتهى بهم إلى تشخيص ذاتي لاضطراباتهم النفسية، دون العودة إلى أي اختصاصي معالج أو طبيب نفسي، وفق ما يرويان لموقع “الحرة”.
قصة أحمد بدأت من مقال يتحدث عن عوارض ما يسمى “الاكتئاب المبتسم”، smiling depression، في وقت كان يمر فيه بحالة نفسية غير مستقرة.
ووجد أحمد نفسه معنيا بمعظم العوارض التي تحدث عنها المقال، ما شكل دافعا له للغوص أكثر في بحث متعمق في الاضطرابات النفسية وعوارضها.
“فيما بعد استنتجت من خلال قراءاتي أنني أعاني أيضا من القلق، الذي يدفعني أكثر نحو اكتئاب كنت أشعر بعوارضه وحيدا وأرى أنني أخفيه عن الناس بشخصيتي المرحة والساخرة”، يضيف أحمد.
ويتكرر الأمر نفسه مع سارة التي تروي لموقع “الحرة” كيف لعب أحد الفيديوهات على إنستغرام، دورا مفصليا في حياتها، فكان بمثابة “صحوة” أنذرتها بكونها تعاني من اضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة ADHD، على حد قولها
ويوثق الفيديو معاناة أحد صناع المحتوى مع عوارض الاضطراب الذي لم تكن تعرف عنه سارة أي تفصيل من قبل، “وفجأة وجدت نفسي معنية بكل ما يقال في الفيديو وكأنه كان لحظة وعي على ما أعيشه يوميا وأظن أنه أمر طبيعي يواجهه كل الناس.”
ومن هذا الفيديو إلى غيره، بدأ يزداد ظهور المحتوى المرتبط بهذا الاضطراب على حسابات سارة، لاسيما وأنها باتت مهتمة أكثر بمتابعة المؤثرين الذين يتحدثون عنه.
وانتقلت الشابة اللبنانية من مواقع التواصل إلى المقالات والمواقع العلمية والدراسات حول هذا الشأن، ما سمح لها أن تكوّن خلفية واسعة من المعلومات والتحديثات المرتبطة بالـ ADHD، وصولا إلى الاقتناع التام بتشخيصها الذاتي لنفسها بكونها مصابة به.
وتقول سارة “منذ ذلك الحين باتت الأمور باتت منطقية، فهمت كل تفاصيل شخصيتي وحياتي وطريقة عمل عقلي بعد أن تعرفت إلى هذا الاضطراب، بت أفهم لماذا أعجز عن القيام بالكثير من الأمور التي تبدو لغيري سهلة وبسيطة، كأن أصل على الموعد المحدد أو أبدأ العمل على هدف ما مهما كان بسيطا”.
ظاهرة منتشرة
ما حصل مع أحمد وسارة ما عاد استثناءً، إذ باتت ظاهرة التشخيص الذاتي تتكرر مع كثير من الحالات، وترصدها مراكز وعيادات الصحة النفسية في لبنان، وفق ما تؤكد المعالجة النفسية والمشرفة العيادية في منظمة “براين ستايشن”، هيا سعد.
وبحسب سعد، عادة ما تتصدر مواقع التواصل الاجتماعي قائمة مصادر المعلومات بالنسبة إلى الذين يشخصون أنفسهم ذاتيا، يليها الإنترنت بشكل عام وما يحتويه من مقالات ودراسات وحتى اختبارات كالتي تدعي تحديد “سمات الشخصية” واستنتاج الاضطرابات بناء على إجابات محضرة مسبقا حول عدد من الأسئلة، دون أي أساس علمي لها.
وبينما كان التشخيص الذاتي للاضطرابات النفسية أمر موجود في السابق، يتخذ هذا التوجه اليوم انتشارا أوسع على نحو كبير.
وحسب ما ذكرته سعد “لم يكن هناك من قبل وصول إلى هذا الحجم من المعلومات حول الصحة النفسية واضطراباتها، ولم يكن هناك هذا الكم من الحديث حولها.”
ولعب مشاهير السوشال ميديا والمؤثرون الذين يتخذون من الإضرابات النفسية موضوعا للمحتوى الخاص بهم، دورا بارزا في انتشار التشخيص الذاتي بين الناس، رغم عدم امتلاكهم أي مؤهلات تسمح لهم بالحديث أو تقديم النصائح والاستشارات، بحسب المعالجة النفسية.
وتقر سارة بالدور الأساسي الذي لعبته مواقع التواصل الاجتماعي في وصولها إلى تشخيصها الذاتي.
وتقول “كان اقتناعي بالتشخيص الذي توصلت إليه تدريجيا، بسبب التشكيك المستمر في البداية ورفضي لفكرة التشخيص الذاتي لما يحمله من هامش خطأ مرتفع بالعادة، إلى أن وصلت في النهاية إلى أمور لا يمكن إنكارها والتغاضي عنها أو التشكيك بها.”
ويزيد من اقتناع سارة بتشخيصها أن الأمور ما عادت تقتصر على رصد العوارض، بل انسحب أيضا على الحلول المقترحة.
وتقول “حين تكون الحلول نافعة ومجدية لحالتي، أزداد اقتناعا بأن تشخيصي صحيحا، خاصة وأن بعض الحلول لا تعمل إلا على دماغ المصاب بالـ ADHD بكونه يعمل بطريقة مختلفة عن غيره”.
ما تتحدث عنه سارة تضعه المعالجة النفسية في خانة المخاطر المترتبة عن التشخيص الذاتي، بكون هذه النصائح التي يقدمها المؤثرون، عادة ما تكون عامة وقد تجدي نفعا مع كثير من الحالات والاضطرابات، وليست مرتبطة بتشخيص محدد
إلا أنها في المقابل تزيد من التشبث بالتشخيص الذاتي وتعزز ثقة الناس بصناع المحتوى والمعلومات التي ينشرونها، ويصعّب من مهمة المختصين لاحقاً.
مخاطر التشخيص الذاتي
بعد اقتناع أحمد بتشخيصه الذاتي، عاد إلى الإنترنت مجددا ليبحث عن حلول لما يعانيه.
ويقول “جربت الكثير من الحلول السلوكية التي ما كانت تجدي نفعا، بل زادت من مستوى القلق لدي حول ما أعانيه، رحت أبحث بعدها عن الأدوية الموصوفة للحالة التي أعاني منها، وللتخلص من القلق رحت أتناول دواء (إكزاناكس) كخافض لمستوى التوتر، دون وصفة طبية.”
وكان ضعف التركيز وتراجع الإنتاجية من أبرز العوارض التي عانى منها الشاب اللبناني والتي أوصلته إلى تشخصيه الذاتي، إلا أن تلك العوارض ازدادت حدة بعد تناوله للدواء المهدئ.
ويضيف “بت أعاني من اضطرابات في النوم، واعتماد أكبر على الدواء، دون تحقيق نتيجة على الصعيد النفسي.”
وعبر التشخيص الذاتي مجددا، انتقل أحمد من الدواء المهدئ إلى استخدام منشطات تحتوي على الأمفيتامين، بعدما اطلع على معلومات عن دور لهذه العقاقير في زيادة التركيز والانتباه ورفع الإنتاجية، وهو ما كان يطلبه.
إلا أن النتيجة جاءت مخالفة لتوقعاته من جديد، ليجد نفسه مدمنا على تلك المنشطات، دون أن يطرأ أي تبديل على حالته النفسية.
ما حصل مع أحمد يأتي في صلب التحذيرات التي يطلقها المعالجون النفسيون حول التشخيص الذاتي، والذي عادة ما يقود إلى اللجوء لعلاجات وحلول خاطئة، أو حتى إلى استخدام أدوية معينة ترتبط بالتشخيص بدون وصفة طبيب، بحسب سعد.
وتقول سعد “هذه مشكلة باتت شائعة في لبنان لاسيما تجاه الأدوية المعالجة للاكتئاب والقلق”.
وتسلط المعالجة النفسية الضوء على أثر سلبي آخر للتشخيص الذاتي، ويتمثل بخلق نوع جديد من الاضطراب النفسي، وهو القلق على صحتهم النفسية، والمبالغة في التشخيص Overdiagnosis، حيث يشعر المصاب بتوتر كبير ودائم حول أي تغييرات او عوارض صحية بسبب الخوف من أن يكون لديهم اضطرابات معينة.
وبالإضافة إلى مخاطر الوقوع في التشخيص الخاطئ، تنبه سعد من أنه “حتى ولو صادف أن يكون التشخيص صحيحا”، ذلك لا يعني أن هناك طريقة واحدة للمعالجة
وتقول “لكل حالة خصوصياتها والعلاج المناسب لها الذي قد يختلف جذريا عن غيره، حيث لا تصلح كل المعالجات لجميع الأشخاص”، متسائلة “فكيف إذا كان التشخيص خاطئ في الأصل؟”
وتحذر من أن تلك الحلول كما التشخيص الذاتي من شأنها أن تؤثر سلبا على الوضع النفسي للأفراد، قائلة “كلما تأخر التشخيص الصحيح والحصول على المعالجة الصحيحة كلما ساءت الحالة.”
من الذاتي إلى تشخيص الآخرين
وفي تطور آخر للظاهرة تلفت سعد إلى أن أثر الاعتماد على معلومات الإنترنت ما عاد يقتصر على تحفيز التشخيص الذاتي فحسب، “بل بات ينتقل إلى تشخيص الآخرين أيضا”.
وفي كثير من الحالات تعزز هذه الظاهرة الوصم الاجتماعي للأفراد أو الذين يعانون من الاضطراب، حيث ينتقل إلى “تشخيص المحيط”، فيبدأ الشخص بتحليل من حوله وإصدار أحكام حول سلوكهم لربطهم باضطرابات معينة بناء على تشخيصه الخاص.
وعلى سبيل المثال، يبرز مؤخرا توجه شائع لتشخيص الآخرين باضطراب الشخصية النرجسية، بناء على التعميم الجاري للعوارض على مواقع التواصل، ولاسيما بين الشركاء الذين يخوضون علاقات عاطفية.
وبات الكثير من الأزواج يشخصون شركاءهم بأنهم نرجسيون.
تؤكد سعد أن حالات عدة تصل إلى العيادات النفسية وتسأل “هل أنا نرجسي فعلاً؟، وذلك بناءً على تشخيص أو اتهام تعرضوا له.
وعادة ما يؤدي ذلك إلى مشاكل كبيرة وخطيرة على الأشخاص والعلاقات، “في حين أن اضطراب الشخصية النرجسية أمر نادر جدا لا يتخطى 1 بالمئة من عموم الناس”، حسبما تذكر المتحدثة.
كذلك تلفت المعالجة النفسية إلى حالات أخرى تصل إلى العيادات ولديها تشخيصا ذاتيا لاضطرابات “غير موجودة أصلا في علم النفس”، كالقول مثلا “أنا صاحب شخصية حساسة” أو “شخصيتي ضعيفة”، وينتقلون إلى تحليل الأسباب، وهذا يمثل خطرا أكبر.
وبناء عليه تنبه سعد من أن هناك حد رفيع ما بين اكتساب التوعية والثقافة حول الصحة النفسية، وما بين إسقاط تلك المعلومات على الذات والآخرين.
والحل الأمثل لذلك أن يبقى كل شخص باختصاصه وأن يلتزم به، لاسيما مع انتشار وتنامي ظاهرة “اللايف كوتشز”، إذ لا يجوز لأشخاص درسوا لمدة شهر أو شهرين “لايف كوتشينغ” أن يقدموا على تشخيص نفسي يحتاج من المعالج أو الطبيب دراسة 7 سنوات على الأقل ليكون مؤهلا، حسب حديثها.
نفور ورفض.. وخسارة الثقة بالمختصين
لم تحصل سارة من معالجتها النفسية على التأكيد الذي كانت تنتظره لتشخيصها الذاتي.
وعن ذلك تقول “رفضت المعالجة شكوكي وقالت إنني لا أعاني من هذا الاضطراب، دون حتى أن تستمع إليّ بما يكفي”.
وتضيف سارة “قدمت لي المعالجة بالمقابل معلومات كانت قديمة نسبةً لما كنت أقرأه بشكل شخصي من خلال بحثي وما كنت أطلع عليه عبر مواقع التواصل”.
وتتابع “بالتالي شعرت بأنها تعتمد على مدرسة قديمة وغير محدثة خاصة لناحية تشخيص اضطراب الـ ADHD.”
منذ ذلك الحين توقفت الشابة اللبنانية عن زيارة معالجتها النفسية.
وتستطرد قائلة “ما عدت مرتاحة لأسلوبها بعدما واجهتني فورا بالرفض”.
وتقول سارة إنها باتت تشعر بحاجة إلى بذل مجهود كبير “كي يتمكن المعالج من رؤية ما تعاني منه وفهمه”.
وهو ما دفعها أكثر نحو الاطلاع والمواكبة الشخصية، حتى باتت ترى “نفسها على دراية واسعة وتامة بالعوارض، تمكنها اليوم من إقناع أي معالج نفسي بما تعاني منه”.
وعما إذا كانت مستعدة للتخلي عن تشخيصها الذاتي في حال واجهت رفضا آخر له من معالجين أو أطباء آخرين، تقول سارة: “يعود الأمر إلى أسلوب المعالج وطريقته في الإقناع”.
وتضيف” ولكني بت على قناعة شبه تامة بأني مصابة بهذا الاضطراب، ولم يعد منطقيا بالنسبة لي أن يكون ذلك غير صحيح، خاصة بعد ما راكمته من معلومات في هذا السياق”.
ما حصل مع سارة، بات سمة عامة يختبرها المعالجون والأطباء النفسيون في عياداتهم، فغالبا ما يقابل تشخيصهم العيادي بالرفض والنفور إذا ما تعارض مع التشخيص الذاتي، بحسب سعد.
وحسب حديثها “يكون هناك نوع من التشبث والإصرار، وقد تضعف ثقتهم بالمعالجين النفسيين، مقابل ثقة مبالغ فيها بما يحصلون عليه عبر مواقع التواصل من معلومات وتحليلات، وهناك من يقومون بالبحث عن معالج آخر ليقنعوه بتشخيصهم الذاتي”.
وتشرح المعالجة النفسية كيف يؤثر التشخيص الذاتي على مسار العلاج.
ويتطلب التشخيص العيادي جلستين أو 3 جلسات للوصول إلى تشخيص مبدئي للحالة، لكن ذلك يتضاعف عند وجود “تشخيص ذاتي”، وفقا لحديثها.
وعن ذلك تقول “يتطلب الأمر 5 و 6 جلسات من أجل نفي التشخيص الذاتي أولا من ثم البحث عن التشخيص الحقيقي وصولا إلى إقناع المريض به”.
ولكن في الوقت نفسه، تنبه سعد إلى ضرورة “عدم وضع اللوم على الأشخاص أنفسهم”، فهم بالنتيجة يواجهون مشكلة معينة ويريدون حلها للشعور بالراحة.
وتضيف “دورنا كمعالجين أن نفهم سبب تمسك هؤلاء بتشخيصهم وبما يسمعونه ويشاهدونه عبر مواقع التواصل، للتمكن من مساعدتهم.”
ما السبب؟
وعن أسباب تمسك أشخاص معينين بتشخيصهم الذاتي تشرح المشرفة العيادية أن البعض لديهم مشاكل “تدفعهم للتمسك بفكرة إصابتهم ببعض الاضطرابات، بحيث يسعون إليها بكونها تبرر لهم بعض السلوكيات”.
ويصبح التذرع بوجود اضطراب معين مريحا لهم، بحيث يرمون عليه المسؤولية، خاصة حين يشعرون أنهم باتوا يفهمون ما يحصل معهم، وفقا لسعد.
وتضيف أن هناك نوعا آخر من الحالات التي يطلب فيها الشخص أن يكون لديه مشكلة او اضطراب معين بهدف لفت الانتباه، لتعويض قلة الثقة بالنفس، عبر تحصيل الاهتمام من الآخرين، “وهذا ما يدفعهم نحو التمسك أكثر بتشخيصهم الذاتي”.
كما يمكن بحسب سعد، أن يكون لهذا التشخيص أبعاد ترتبط بالانتماء إلى مجتمعات المصابين بهذه الاضطرابات، وهي ظاهرة نامية على مواقع التواصل يتشارك عبرها المشخصين باضطراب معين المعلومات والدراسات والنصائح والتعاطف ويخلقون نوعا من الروابط فيما بينهم، قد تكون جذابة لمن يواجه مشاكل في الانتماء أو الثقة بالنفس.
في المقابل، ترى سارة أنه وفي وقت باتت مصادر المعلومات مفتوحة ومتاحة أمام الجميع عبر الانترنت، وما عادت المعرفة مقتصرة على المختصين حصرا، رغم أهمية دورهم، “فالإنسان هو أكثر من يفهم نفسه وما يعانيه ويشعر به، قبل التدخل الخارجي”، على حد قولها.
وإذ تصادق المعالجة النفسية على أن الانسان “هو أكثر من يفهم ما يشعره ويعيشه من معاناة نفسية ومن عوارض معينة”، تحذر من أن ذلك لا يعني أنه مؤهل لتحديد السبب وتحليل العوارض بشكل علمي دقيق وموضوعي.
لاسيما وأن العوارض نفسها قد تظهر نفسها مع الكثير من الاضطرابات وتتكرر بأشكال متشابهة ولكن لأسباب مختلفة تماما، وفقا لحديثها.
وتتابع “لهؤلاء أقول: قد يكون هناك أسباب أخرى لما تعانونه، معرفتها قد يريحكم، ولكن ليس بالضرورة الاضطراب المشخص ذاتيا من قبلكم.”
هذا الأمر عاينه أحمد عن قرب، بعدما دفع ثمنا صحيا باهظا، نتيجة تشخيصه الذاتي، وما تبعه من لجوء إلى أدوية ومخدرات بهدف الوصول إلى حل.
واضطر الشاب اللبناني للتوجه إلى عيادة طبيب مختص بدأ معه رحلة علاج توصل بنتيجتها إلى تشخيصه باضطراب الشخصية المثالية (Perfectionism).
واتضح له أخيرا أن كل ما كان يعانيه من مشاعر قلق وتوتر واكتئاب، ناتجة عن هذا الاضطراب، بخلاف ما توصل إليه من خلال تشخيصه الذاتي.