منير الربيع – المدن
في الثاني من تموز عام 2022، أطلق حزب الله ثلاث طائرات مسيّرة باتجاه حقل كاريش، في رسالة أمنية وعسكرية مباشرة، تُظهر قدرته على تهديد الحقل واستهدافه، ومنع الإسرائيليين من استخراج الغاز منه. وفي العشرين من تموز من العام نفسه، أجرى حزب الله مناورة عسكرية غير علنية، تخللها نشر منظومة صواريخ وتوجيهها باتجاه المنصة العائمة في كاريش أيضاً، كرسالة تهديد جديدة تساعد في المفاوضات التي كانت قائمة حينها، حول ترسيم الحدود البحرية. ما بعد الحادثتين، تفعّل مسار التفاوض وصولاً إلى اتفاق الترسيم والذي تم في 27 تشرين الأول 2022. أي بعد ثلاثة أشهر على هذه الأحداث، التي أظهرت وكأن حرباً جديدة ستندلع بين حزب الله واسرائيل.
ارتفع سقف التهديدات في حينها الى ذروته، فصب ذلك في خانة تحسين شروط التفاوض وإرساء الاتفاق في نهاية المطاف.
لهجة تصعيدية
هل ما تشهده الحدود الجنوبية اليوم من مواجهات عسكرية، مربوطة باستمرار الحرب على قطاع غزة، سيكرر سيناريو الترسيم البحري نفسه؟ خصوصاً أن الاقتراحات الأميركية لتفادي التصعيد أصبحت معروفة، وهي الحد من التصعيد العسكري ومن ثم وقف العمليات العسكرية وبعدها إطلاق مسار الترسيم البري؟ حزب الله لا يزال عند لازمة اشتراط وقف الحرب في غزة ليوقف هو عملياته العسكرية. ففي خطابه الأخير رفع أمين عام الحزب، السيد حسن نصرالله، من منسوب لهجته التهديدية والتصعيدية، معتبراً أنه جاهز للحرب.
يأتي ذلك بالتزامن مع الكثير من المؤشرات في محور المقاومة، التي تفيد بأن هناك استعدادات للتصعيد على مختلف الجبهات، خصوصاً بعد الضربات الأميركية البريطانية للحوثيين في اليمن. أما في لبنان فلا تزال التهديدات الإسرائيلية واضحة عن الاستعداد لشن عملية عسكرية ضد الحزب.
تبادل الرسائل بين واشنطن وطهران
جزء من آليات وعناصر التفاوض يقتضي التصعيد والتهديد، وجزء آخر يمكن أن يدفع وفق أي حساب خاطئ إلى تدهور الأوضاع نحو مواجهة واسعة. ولكن في موازاة التصعيد اللفظي الذي ينطوي على التهديد بتصعيد عسكري كبير في كل المنطقة، وهو ما جاء على لسان نصرالله، والمتحدث باسم كتائب القسام أبو عبيدة، وعلى لسان مسؤولين حوثيين.. تؤكد المعلومات استمرار تبادل الرسائل بين واشنطن وطهران في سبيل منع حصول هذا التصعيد، واستثمار التهديد في الميدان التفاوضي، ولو اقتضى ذلك بعض الاستعراض العسكري.
في المقابل، تقول مصادر في محور المقاومة إن موجة التصعيد ستستمر على كل الجبهات حتى يقتنع الأميركيون والإسرائيليون بوجوب وقف الحرب على قطاع غزة.
وتشير هذه المصادر إلى أن قوى المقاومة مقتنعة حالياً بأن التصعيد مطلوب ميدانياً. وهو كلام يقوله مسؤولون في هذا المحور في مجالس واجتماعات متعددة. أما بالنسبة إلى تقديراتهم أيضاً، فهم يعتبرون أنه في حال وجد الأميركيون والإسرائيليون أن لا خيار أمامهم سوى التصعيد فسيخوضون هذه المواجهة بقوة. ولكن يرفق هؤلاء المسؤولون كلامهم بعبارة “إلا إذا حصل اتفاق غير متوقع”. والاتفاق هنا حتماً لا بد أن يكون بين الولايات المتحدة الأميركية وإيران.
في المقابل، يقول الأميركيون إنهم مطمئنون للموقف الإيراني، وأن طهران لا تريد التصعيد. كذلك يعمل الأميركيون على التدخل في تفاصيل التفاصيل الإسرائيلية والصراعات الداخلية، للجم أي محاولة من قبل حكومة الحرب برئاسة نتنياهو للذهاب إلى حرب أو توسيع نطاقها. طهران تراهن أيضاً على الاختلاف الإسرائيلي-الأميركي حول مقاربة مسار الحرب على غزة، بشكل يسرّع الانتقال إلى المرحلة الثالثة، أي تخفيف موجهة الاجتياحات العسكرية البرية، سعياً وراء تبريد بعض الجبهات والتوجه نحو مفاوضات أوسع، وفق مقتضيات الرسالة التي وجهتها واشنطن لطهران وكشفها السفير الإيراني في سوريا، ورد طهران الذي يشير إلى الاستعداد للتفاوض وعدم الرغبة في الحرب.