
مقال للكاتب صفوح منجد
مع بدء الإسبوع الثاني على هروب بشار الأسد، بدأت الحياة تعود تدريجيا إلى طبيعتها في سوريا، فالسوريون عادوا إلى أعمالهم من جديد، والتلامذة باشروا رحلة العودة إلى صفوفهم، ومع أن نسبة الحضور في اليوم الأول لم تتجاوز ال 30 في المئة في المدارس والجامعات، لكن العودة ذاتها مؤشر جيد.
في حين أن عملية الإنتقال السياسي تسير بهدوء، والممسكون بزمام الأمور في سوريا الجديدة يحاولون تقديم نموذج جديد إلى الخارج، وإن كان لا يزال يثير الإزعاج لدى الإسرائيليين.
فوزير الدفاع الإسرائيلي أعلن أن التطورات الأخيرة في سوريا تفاقم المخاطر، رغم الإعتدال الذي يحاول قادة الفصائل إظهاره.
والإتصالات السياسية اللبنانية والهادفة إلى تظهير صورة الرئيس الجديد ستتواصل في الإسبوع الطالع وخصوصا أن عطلتي الميلاد ورأس السنة تضغطان على الجميع، إذ أن القوى السياسية أضحت في سباق مع الوقت من الآن إلى التاسع من كانون الثاني موعد الإنتخابات الرئاسية في لبنان.
أما جنوبا فالافت ما أوردته وسائل إعلام إسرائيلية من أن حكومة العدو صادقت على موازنة خاصة إستعدادا لعودة النازحين من الشمال إلى بيوتهم.
وفي المقابل أعلن الرئيس نجيب ميقاتي من إيطاليا (أن لبنان يحتاج إلى ما لا يقل عن خمسة مليارات دولار لدعم عملية إعادة الإعمار. ترى ماذا يقول نعيم قاسم الذي تحدث أمس الأول عن إفشال مخططات إسرائيل عن هذا الواقع؟ فحزب الله الذي تفرّد بقرار الحرب عاجز عن فعل أيّ شيىء، لذا يعود إلى الدولة مرغما لتبني هي ما هدمه هو، بقرار خاطىء متسرّع، فإلى متى سيبقى لبنان محكوما بهذه المعادلة غير المنطقية القاتلة؟
أما رئاسيا فكلما تناقص عدد الأيام الفاصلة عن موعد جلسة 9 كانون الثاني الرئاسية، كلما إزداد شك اللبنانيين بإمكان إجرائها أو بالحد الأدنى بإمكان توصلها إلى إختيار رئيس، أما الأسباب فكثيرة ومنها:
– 1: الإعتياد العام على الفراغ الذي يتحمّل مسؤوليته كل من عطّل إنتخاب الرئيس الجديد منذ بدء المهلة الدستورية عام 2022 وحتى اليوم، على الرغم من الأخطار الكبرى، ومن قبل بتسيير شؤون البلد من خلال حكومة بعيدة عن الدستور وخارجة على الميثاق مارست صلاحيات الرئاسة عن غير وجه حق وجعلت من الموقع الأول في البلد بمثابة لزوم ما لا يلزم، في ذهن جزء كبير من الرأي العام.
– 2: التغيير غير المسبوق في المشهد الإقليمي ولاسيما بعد السقوط المفاجىء للنظام السوري، وما أدى إليه من خلل كبير جدا في التوازن بين إيران المتراجعة من جهة، ومناوئيها الإقليميين والدوليين الذين سجلوا نقاطا كثيرة على حساب طهران في المرحلة الأخيرة من جهة أخرى.
– 3: الكلام الأميركي الصريح أو المنقول عن أكثر من مصدر غربي لناحية عدم القبول بعد اليوم برئيس لا يلتزم التوجهات الجديدة التالية لإتفاق وقف النار في لبنان بشكل كامل، والتي بات يُطلق عليها إصطلاحا تسمية 1701 أي بكلام آخر رفض ملء الفراغ الرئاسي بشخصية قريبة أو تدور في فلك الثنائي الشيعي ولاسيما حزب الله.
– 4: الفرصة السانحة التي يجدها فريق لبناني وازن في التحولات الأخيرة في الداخل والمحيط لمحاولة فرض معادلات سياسية جديدة قد تكون من نوع (غالب ومغلوب) في مقابل فريق آخر يدعو إلى التوافق وإستيعاب الصدمة، والإستعداد لإطلاق مرحلة جديدة في البلاد بالتعاون بين الجميع.
– 5: النهم الرئاسي التقليدي الذي يعمي بصائر البعض ويجعل من تفصيل الإسم الذي يشغل الكرسي الرئاسي أولوية مطلقة على حساب العناوين الكبرى ومحورها حماية المجتمع والحفاظ على الوطن ولاسيما في ضوء الأخطار التاريخية والمستجدّة.
لكن في إنتظار إتضاح الصورة المحلية يبقى الهم الأكبر إقليمي ولاسيما سوري لمعرفة هوية نظام الحكم الجديد، على وقع الإستفزاز الإسرائيلي غير المسبوق، وذروته اليوم (أمس) الإعلان الرسمي عن قرار التوسع في بناء المستوطنات في الجولان المحتل، وقد طالعتنا تل أبيب بعزمها إقفال سفارتها في العاصمة الإيرلندية “دوبلن” بسبب سياستها المعادية لإسرائيل، وتعتزم فتح آفاق جديدة مع دول المنطقة تحت منطق التعاون والتنسيق؟!.
وتل أبيب هذه تعتزم بناء مستوطنات إضافية في الجولان السوري المحتل، كما أعلن رئيس حكومتها على مرأى ومسمع الجميع وستُكمل تقدمها داخل الأراضي السورية وفق الحاجة العملية كما يقولون إلى حين الإنتهاء من ضرب كامل مخزون الجيش السوري من السلاح الذي يرونه خطرا والأخطر أن لا شيىء سيتغيّر ولا مواقف، إضافة إلى بيانات الإدانة فالعربدة الصهيونية لن تجد من يردعها في سوريا، بل هناك من يعينها في الضفة الغربية، أما غزة فيبدو أنها أحرقت كل أوراق بنيامين نتنياهو وحكومته وبات يفكر جديا بالمضي نحو إتفاق لوقف إطلاق النار كما يشير الإعلام العبري.
من جهة ثانية تجمع الهيئات والقيادات السياسية والنيابية على إعتبار أن الإستحقاق الرئاسي سيظل عنوانا ساطعا في المشهد اللبناني حتى التاسع من الشهر المقبل وهو التوقيت الرسمي لإنتخاب رئيس جديد للجمهورية اللبنانية، حيث تتكثف في المرحلة الفاصلة التحركات والمشاورات والإتصالات على خطين، داخلي وخارجي، ومحورها الرئيسي هو عين التينة.
وفي خضم الأوضاع الراهنة في المنطقة فالترشيحات العلنية بدأت تظهر، فالتيار الوطني الحر وكما قال النائب إدي معلوف نحن سمينا ثلاثة مرشحين هم: زياد بارود، جورج خوري، وإلياس البيسري.
وإعلان التيار علنا للمرة الأولى أسماء مرشحيه يؤكد أن المعركة الرئاسية تزداد حماوة، وهي ستستكمل غدا مع إعلان رئيس تيار المردة سليمان فرنجية موقفه من الإستحقاق المنتظر، وعليه فالصورة ستتبلور أكثر فأكثر في الأيام المقبلة بإعتبار أن كتلا كثيرة تستعد لإعلان مرشحيها إلى الرئاسية.
لكن تعدد الأسماء ليس في مصلحة إنجاز الإستحقاق الرئاسي في التاسع من كانون الثاني المقبل إذ كلما كثرت الاسماء وتعددت، كلما قلّت حظوظ أي مرشح في نيل 65 صوتا في الدورة الثانية وما يليها من دورات الإقتراع.