بقلم الكاتب صفوح منجّد
السبت في 28 تشرين الأول يوم لن تنساه الأمة العربية في كل أماكن تواجدها، ففيه وفي ساعات الصباح الأولى منه شنت قوات العدو الإسرائيلي حربها المدمرة على “غلاف غزة” بكل مناطقه ومدنه، بعد أن أرجأ العدو هجومه عدّة مرات منذ أن تمكنت حركة حماس من إحتجاز رهائن لديها من جنسيات مختلفة لاسيما من اميركيين و إسرائيليين، حيث أعلنت الحركة أنها على إستعداد للإفراج عن الرهائن لديها فور إنصياع العدو لشروطها وفي مقدمها الإعتراف بحق الشعب الفلسطيني بإقامة دولته على تراب وطنه.
وطبعا هذا الموقف بل هذا الإنتصار الذي هلل له كل العرب وكل الشعوب المؤمنة بالحرية والديمقراطية أزعج الإسرائيليين بل وضعهم أمام ورطة وفي حالة إرباك لا يعرف كيف يمكن أن يخرج منها، مطلقا العنان لجرائمه ولأعمال القصف والإبادة بحق الشعب الفلسطيني الذي مضى على تهجيره من أرضه وحرمانه من بناء دولته 75 عاما أمضاها مع عوائله وأبنائه في أجواء الحرمان والبؤس وإنتظار الفرج، في حين كان العدو ولم يزل يصول ويجول ويعربد منتظرا الوقت المناسب ليمضي في الإستيلاء على بقية الأرض الفلسطينية وحرمان هذا الشعب المسكين والمنكوب من أي فرصة ليستعيد حريته وأرضه وكرامته.
ولكن بدا للجميع أن هناك من يشارك إسرائيل في غيّها وجرائمها مزودا إياها بالمال والسلاح وبالموقف أيضا وفي الوقت نفسه يحاول أن يقضي على من تبقى من أبناء فلسطين مطلقا التهم بحق كل من يحاول الإنتفاض ضد هذا الواقع ولاسيما هؤلاء المنتفضين الذين شرعوا في محاولة إستعادة أرضهم بكل الوسائل التي شرّعها العالم لنصرة المظلومين والمشردين والمحرومين من سعيهم لبناء بل لإستعادة أرضهم ووطنهم.
وفي اللحظة التي إعتقد معها الفلسطينيون في الشتات أنهم باتوا على بُعد (فشخة) من أرضه المحتلة والخلاص من تحكّم الصهاينة بحاضره ومستقبله وأرضه، فإذ بالقوى التي تدّعي الإنسانية وبحق الشعوب في بناء أوطانها، تسارع إلى تجديد عقدها مع “الشيطان” وتؤكد أنها لن تتنازل عن أراضٍ إمتلكتها بالقوّة وبالسلاح ولن تسمح لأبناء تلك الأرض الأصيلين بالعودة إلى أرضهم وإلى دولتهم ولتباشر بسن السكاكين وشحن كل أنواع القذائف الحربية الأرضية منها والجوية وحتى البحرية لتقف بالمرصاد أمام تلك الحقوق التي هي أولا وأخيرا أقوى من كل أسلحة الدمار التي تستخدمها إسرائيل في وجه الشعب الفلسطيني الذي مضى حتى اليوم 22 يوما على بدء حراكه وثورته في وجه آلة الحرب الإسرائيلية التي هالها أنّ أحد فصائل المقاومة إستطاع أن يعتقل العشرات من حاملي الجنسيتين وإحداهما هي الجنسية الإسرائيلية، “لتقوم القيامة ولا تقعد” في صفوف المحتلين الذين سارعوا إلى التهديد بإقتحام البلدات والمدن الفلسطينية التي تتحكم بها إسرائيل إذا لم يتم الإفراج عن هؤلاء الرهائن.
ومنذ ذلك اليوم عاش الفلسطينيون في الأرض المحتلة ومعهم كل العرب والعالم المؤمن بقضيتهم في أجواء ما سيقدم عليه أولئك الذين سلبوا الأرض والوطن وهجّروا أبناءه منذ العام 1948.
وعشية اليوم ال 22 بدأ العدو بتنفيذ مخططاته الإجرامية والكيدية ومحاولات إبادة الأبناء الحقيقيين لفلسطين بكامل مساحتها، إذ بهؤلاء المجرمين وبغيبوبة من القوى المؤمنة بالسلام وبالأمان (هكذا إعتقدنا) فإذا بها لا تختلف من ناحية الشراسة وإنعدام الإنسانية وزعمها بالوقوف إلى جانب حرية الإنسان وصون حقوقه، تسارع إلى “التزلّم” لدى الشيطان ولتمكنه من محاولة القضاء على صاحب الأرض الأصيل.
ووسط هذه الأجواء الحامية شرع العدو في “تحمية” المعركة مستخدما كل أنواع الإبادة والتدمير من الرض والجو، مستخدما الدبابات والمدافع الثقيلة والطائرات الحربية والصواريخ والمسيرات ليبدأ هجومه منذ صبيحة السابع من الشهر الجاري ومركزا ضرباته على قطاع غزة بكل بلداته ومناطقه وصولا إلى الشريط الجنوبي من لبنان المقابل للأرض المحتلة في معركة سبق أن أطلق عليها المجاهدون والثوار إسم “طوفان الأقصى”، وصولا إلى فجر يوم الجمعة 27 الجاري حيث إندفع المجرمون الصهاينة بإتجاه قطاع غزة تحت وابل من القذائف والصواريخ وبمشاركة الطيران والدبابات والمسيرات.
وليتردد على ألسنة السكان في الأرض المحتلة وفي كل مناطق العالم السؤال هل بدأ الهجوم البري على غزة انطلاقا من شمال القطاع ؟ لا جواب قاطعا عن السؤال حتى الآن . لكن الثابت ان الحرب في غزة دخلت مرحلة جديدة ، وهذا ما كشفه صراحةً وزير الدفاع الاسرائيلي. فالمشهد العسكري في الساعات الاربع والعشرين الماضية لم يكن عاديا ، اذ ان قوات البر الاسرائيلية دخلت شمال القطاع ولم تخرج منه ، كما جرت العادة ، وهي لا تزال فيه ، كما صرح بذلك المتحدث باسم الجيش الاسرائيلي.
أما “حركة حماس” من جهتها اكدت ان عناصرَها مستعدون لمواجهة هجمات اسرائيل بكامل قوتهم نافيةً ان تكون القوات الاسرائيلية توغلت في الشمال ، ومؤكدةً ان المعارك ناشبة في مناطق قريبة من الحدود.
ومع الحرب الميدانية كانت اسرائيل تقصف تحت الارض في شمال القطاع ، في استهداف واضح للانفاق التي قيل أن رجال المقاومة مع الرهائن يتواجدون فيها، أما فوق الارض وفي الفضاء ، فقد قُطعت خدمات الإتصالات والإنترنت عن القطاع لاكثر من عشر ساعات. ولم يعرف ما إذا كان الانقطاع ناتجا من القصف الإسرائيلي، أم أنه في إطار الحرب السيبرانية التي تخوضها إسرائيل ضد حماس ؟؟
في المحصلة: حرب غزة تَعنُف يوما بعد يوم، وعدد الضحايا يتزايد ، فيما العالم يشارك في الجريمة عبر عدم قيامه بأي جهد حقيقي لمنع استمرار سفك الدماء،
واحتدام الميدان قلل من فرص الجهود المبذولة في سبيل وقف اطلاق النار.
كما أن لا جديد يذكر على صعيد المفاوضات التي تقودها قطر، وذلك لمنع تمدد حرب غزة ولمنع المنطقة من الانزلاق الى حرب شاملة. وقد واكب إتساع رقعة المواجهات في غزة خرق إسرائيلي لقواعد الإشتباك في لبنان ، وذلك للمرة الثانية منذ بدء الحرب قبل واحد وعشرين يوما. اذ ان مسيرة اسرائيلية استهدفت بثلاثة صواريخ موقعا في جبل صافي أي بعمق 20 كيلومترا عن الشريط الحدودي، بعدما كانت المواجهات تنحصر سابقا ضمن خط نار لا يتجاوز الخمسة كيلومترات.
وتركز الإهتمام بما صدر عن الأمم المتحدة في بيان أعدته مجموعة الدول العربية وطُرح على التصويت حيث إعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة مشروع قرار عربى بشان وقف العنف فى قطاع غزة، ويدعو القرار إلى “هدنة إنسانية فورية ودائمة ومستدامة تفضي إلى وقف الأعمال العدائية”، ويطالب جميع الأطراف بالامتثال الفورى والكامل لالتزاماتها بموجب القانون الدولى، وتمكين وتسهيل الوصول الإنسانى للإمدادات والخدمات الأساسية إلى جميع المدنيين المحتاجين في قطاع غزة.
ويرفض القرار بشدة “أية محاولات للترحيل القسري للسكان المدنيين الفلسطينيين”. ويدعو إلى إلغاء الأمر الذي أصدرته إسرائيل للمدنيين الفلسطينيين وموظفي الأمم المتحدة، فضلا عن العاملين في المجال الإنساني والطبي، بإخلاء جميع المناطق الواقعة إلى الشمال من وادي غزة والانتقال إلى جنوب القطاع.
ويدعو أيضا إلى “الإفراج الفوري وغير المشروط” عن جميع المدنيين المحتجزين بشكل غير قانوني، ويطالب بسلامتهم ورفاههم ومعاملتهم بشكل إنساني امتثالا للقانون الدولي.
ويؤكد على الحاجة إلى إنشاء آلية على وجه السرعة لضمان حماية السكان المدنيين الفلسطينيين، وآلية أخرى للإخطار الإنساني لضمان حماية مرافق الأمم المتحدة وجميع المنشآت الإنسانية، ولضمان حركة قوافل المساعدات دون عوائق.
وينطوي القرار على إدانة جميع أعمال العنف التي تستهدف المدنيين الفلسطينيين والإسرائيليين، بما في ذلك “جميع أعمال الإرهاب والهجمات العشوائية، فضلا عن جميع أعمال الاستفزاز والتحريض والتدمير”.
وتعبر الجمعية العامة فيه عن القلق البالغ من الوضع الإنساني الكارثي في قطاع غزة وتداعياته الهائلة على السكان المدنيين، ومعظمهم من الأطفال.