عماد الشدياق – أساس ميديا
بعد طول انتظار، أعلن حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، في بيان أمس، انطلاق العمل بمنصّة “صيرفة”. لكنّ المفارقة كانت في اعتماد سعر 12 ألف ليرة للدولار الواحد، بخلاف التوقّعات، التي سادت في الأسابيع الماضية، بأن تنطلق بسعر 10 آلاف ليرة.
تسبّب هذا الخبر سريعاً بانخفاض سعر الصرف لدى صرّافي “السوق الموازية” إلى حدود 12700 ليرة، بعدما سجّل سعر الصرف منذ صباح أمس الخميس ارتفاعاً غير معهودٍ لامس، للمرّة الأولى منذ أشهر، سقف 13000 ليرة للشراء و12900 ليرة للمبيع.
حمل بيان سلامة خمس دلالات جديدة، تشير إلى منحى تراجعي عن بعض ما ورد في مضمون التعميم رقم 157، الصادر في 10 أيار 2021، الذي افتُرِض أنّه سينظّم عمل المنصّة بيعاً وشراءً. وهذه الإشارات هي التالية:
أوّلاً، مضمون البيان يؤكّد أنّ اعتبار ما يُسمّى “صيرفة” منصّةَ تداولٍ هو أمر غير دقيق، طالما أنّه تحدّث حصراً عن تسجيل “طلبات شراء” فقط، ولم يأتِ على ذكر عمليات مبيع، إن وُجدت طبعاً، وهذا الأمر باقٍ على ما هو عليه ما دام الهامش بين سعريْ الصرف في المنصّة ولدى الصرّافين غير متطابق، ولو بأقلّ من ألف ليرة لبنانية. ولا يُستبعد أن يستمرّ هذا الهامش ويكبُر.
حمل بيان سلامة خمس دلالات جديدة، تشير إلى منحى تراجعي عن بعض ما ورد في مضمون التعميم رقم 157، الصادر في 10 أيار 2021، الذي افتُرِض أنّه سينظّم عمل المنصّة بيعاً وشراءً
ثانياً، لم يخاطب البيان إلاّ المصارف. لم يأتِ على ذكر الصرّافين الذين بُذِلت جهود في دورة لتدريب مندوبيهم، نظّمها مصرف لبنان على مدى 3 أيام. وهذا بدوره يشير إلى أنّ الهدف من المنصّة كان ولا يزال سحب المستوردين والتجّار من “السوق الموازي” فحسب. وهو أمر محمود إن استطاع المصرف المركزي أن ينجح فيه.
ثالثاً، ترقّب مصرف لبنان وإرباكه ما زالا سيّديْ الموقف. فقد حدّد الحاكم هامشاً من الوقت بين تسجيل الطلبات من خلال دفع الأموال بالليرة اللبنانية “كاش” من أجل الحصول على الدولارات (تبدأ اليوم الجمعة)، وبين عملية تسلّمها بعد نحو أسبوع (27 من الشهر الجاري). وهذا يدلّ على أنّ المركزي ربّما يحتاج إلى الوقت للتأكّد من صحّة هذه الطلبات ومن قانونيّتها، وحتّى لا تنتقل تُهم “التهريب” و”التلاعب” و”سرقة الدولارات” من “السوق الموازية” إلى أحضان المصرف المركزي والمصارف.
رابعاً، كشف بيان سلامة أنّ هذه الدولارات ستُدفع “للمصارف المراسلة حصراً”، أي أنّها ستُدفع في الخارج في حسابات المصارف المحلية ولمصلحة مسجّلي الطلبات الذين يُفترض أنّهم من المستوردين والتجّار، وذلك وفق ما ينصّ مضمون التعميم 157. وحَصْر عمليّة الدفع بالمصارف المراسلة يُقصي الأفراد عن عمليّات شراء الدولارات من أجل الاستخدام الشخصي.
ربّما استدرك “المركزي” هذا الأمر، واكتشف أنّ المادة الثانية من تعميمه رقم 157، التي تجيز توفير “الحاجات الشخصيّة لعملائه”، كانت فخّاً نصبه لنفسه، لأنّها قد تتيح للعملاء الالتفاف عليه بمساعدة المصارف، وسحب الدولارات المحتجزة (لولارات) بسعر 3900 ليرة، ثمّ شراء الدولارات بسعر المنصة (12000 ليرة)، وهو ما تراه مصادر مصرفية متابعة “باباً مقنّعاً لعملية Haircut جديدة وغير معلنة، قادرة على فتح شهية المودعين على التخّلي عن ودائعهم لقاء دولارات مصرف لبنان الطازج، وهذا ما يؤدّي إلى استنزافها من جديد”. فالشيك بالدولار يُصرف اليوم بنحو 25%، أي أنّ كلّ ألف دولار تُدفع 250$، لكنّ بيعها على 3900 ليرة، ثمّ شراؤها على سعر المنصة الذي حدّده سلامة بـ12000، سيجعلان الألف دولار تعادل 325$… ولعلّ هذا ما يبرّر جعل سعر الصرف في المنصّة أقرب ما يكون إلى سعر “السوق الموازي”.
كشف بيان سلامة أنّ هذه الدولارات ستُدفع “للمصارف المراسلة حصراً”، أي أنّها ستُدفع في الخارج في حسابات المصارف المحلية ولمصلحة مسجّلي الطلبات الذين يُفترض أنّهم من المستوردين والتجّار
خامساً، الحديث الدائم عن “عدم إتمام المصارف للجهوزيّات التقنيّة”، من أجل التداول في منصة “صيرفة”، بات مكشوفاً اليوم، خصوصاً بعد إعلان مصرف لبنان أنّ عمليات الدفع ستكون للمصارف المراسلة، إذ تعود عدم جهوزيّتها إلى انكشاف بعض هذه المصارف أمام مصارف الخارج، وإلى أنّ تحويل الأموال لمصلحتها في الخارج سيحرمها إياها، وسيوقعها في أزمات مع زبائنها الذين يُفترض أنّهم دفعوا. ولهذا آثر بيان الحاكم أن يخاطب “المصارف المشاركة في المنصّة فقط”، وليس جميع المصارف، التي لم يبدِ عدد منها الحماسة اللازمة للأسباب المذكورة سابقاً.
وقد كشف مصدر صيرفي لـ”أساس” أنّ “الصرّافين لا مكان لهم في هذه المنصة، وأنّ عملية بيع الدولارات ستكون محصورة بالمصارف فقط”، كاشفاً أنّ “المنصّة ليست إلاّ عملاً بهلوانياً جديداً يصعب أن يدوم مفعوله أكثر من شهر في أبعد تقدير، لأنّ طلب المستوردين والتجّار على الدولار سيكون كبيراً جداً بعد رفع الدعم، ولن يستطيع مصرف لبنان الاستمرار بهذه المنصّة طويلاً”، متوقّعاً أن “تضبط المنصّة سعر الصرف لوقت محدود، لكن بعد ذلك سيشهد سعر الصرف ارتفاعات دراماتيكية، ولا يُستبعد أن تلامس 20 ألف ليرة للدولار الواحد بعد أن يزول مفعول مسكّنات رياض سلامة”، خاتماً حديثه مع “أساس” بالسؤال: “هل نحن أقوى من فنزويلا وإيران؟”.