بقلم الكاتب صفوح منجد
في خضم حرب الإبادة وجرائم القتل الهمجية والتي لم يعرف التاريخ المعاصر شبيها لها وتصعيدا وتكثيفا لإستخدام الأسلحة الحديثة بالرغم من إعتبارها محرمة دوليا وإنسانيا وتراجع الإهتمام الدولي كما يبدو عن المجريات الحربية التي تزداد وحشية، بغياب أي بريق يلوح في الأفق عالميا ومحليا لإعلان هدنة سواء في غزة وباقي المناطق الفلسطينية أو على صعيد جبهة الجنوب اللبناني التي باشر العدو الصهيوني في توسيع رقعتها لتطال قرى ومدنا في العمق اللبناني لاسيما في البقاع الشمالي.
وفي اليوم ال 160 للحرب على قطاع غزة، كشف وزير الخارجية الأميركي أن “هناك إقتراحا قويا الآن لوقف إطلاق النار في غزة”، مؤكدا أن بلاده منخرطة بشكل مكثف كل يوم وكل ساعة لتحقيق وقف النار؟! مشيرا إلى أنه عقد مؤتمرا (عن بعد) مع مسؤولين من قبرص وبريطانيا والإمارات وقطر والإتحاد الأوروبي والأمم المتحدة لبحث إنشاء ممر بحري جديد وتشغيله لتوصيل المساعدات الإنسانية إلى غزة؟ لافتا إلى أنه عند إنشاء هذا الممر سيصبح بالإمكان توزيع ما يصل إلى مليوني وجبة يوميا بالإضافة إلى الأدوية، معتبرا في الوقت عينه أن الممر البحري ليس بديلا عن الطرق البرية!! ونسي وزير الخارجية الأميركي السيد بلينكن أن يوضح للرأي العام أن بلده العظيم يقتصر دوره في هذه الحرب القائمة على إنشاء ممر بحري للطعام وللدواء، و”تغميض” العيون عن الأموال والأسلحة الحديثة من كل الأنواع والأصناف التي تتدفق من بلده إلى الكيان المجرم لدعم خطته العدوانية.
كل ذلك يحصل وبطون الغزاويين تقرع جوعا، وللمفارقة فإن المصادر الصحية الأميركية سجلت في الساعات القليلة الماضية أرقاما هامة على صعيد حالة الغذاء والدواء في غزة حيث اصبح عدد المرضى في صفوف الأطفال والنساء 350 الف حالة يعانون من شتى انواع الأمراض وسط إنعدام الدواء والعلاج في غزة، في حين أن الهلال الأحمر الفلسطيني أكد وجود أكثر من مليون طفل يعانون من سوء التغذية في غزة مما سيزيد من نسبة الوفيات في المناطق الفلسطينية التي تعاني من حرب مدمرة.
ووسط هذه المعاناة الوطنية والغزاوية أطلّ علينا الأمين العام ل”حزب الله” في أمسية رمضانية في الضاحية الجنوبية لبيروت وقال في كلمة تم نقلها بواسطة شاشات التلفزة “إن خسائر شمال إسرائيل أكثر مما هي خسائر الجنوب في المواجهة الدائرة، والسبب أن الجنوب مهمل فلا سياحة فيه ولا مصانع ولا مشاريع ضخمة”.
وإذ لفت إلى وصول الغارات الإسرائيلية إل البقاع قال: “ان الرهان هو على (عض الأصابع) وأن الأمر يحتاج إلى بعض الوقت كي يوقف العدو عدوانه وأن يُهزم ويعترف بفشله”.
ولا بد من التساؤل: كم من الأشهر والسنوات ستمضي على حالتنا تلك عندما نصبح شعبا من دون أصابع؟ وهل سنكتفي بعد الأيام الماضية والآتية إلى حين يتم رفع اليد عن المعالجات الداخلية سواء فيما يتعلق بإستعادة الدولة لقرار إعلان الحرب أو تثبيت الهدنة أو حماية اللبنانيين كل اللبنانيين على إختلاف أديانهم ومذاهبهم وقبل كل شيىء بناء دولة القانون على أسس العدالة والمساواة وترسيخ الحكم الديمقراطي وتدعيم مؤسساته وفي مقدمها السلطات الثلاث وإنجاز الإنتخابات الرئاسية بالطرق القانونية ووفق ما ينص عليه الدستور، ورفع الغطاء عن حالات الفساد وجعل السلاح في يد القوى الشرعية وحدها والإقلاع عن سياسة زرع المحاسيب والأعوان في الدوائر والمؤسسات والإسراع في إطلاق ورشة بناء اليوم قبل الغد، وتلبية المطالب المحقة.
ولنتذكر أن الشعب الذي أطلق حركة 14 آذار قبل 19 عاما بعد شهر من جريمة العصر التي اودت بحياة الرئيس الشهيد رفيق الحريري ورفاقه، هذا الشعب قادر اليوم قبل الغد على إستعادة هذه المحطة الإستثنائية في تاريخ لبنان وأن يقود الثورة مجددا، وهذه المرة لن تقوى قوى الذل والعار على الإطاحة بها بعد أن تمرس شعبنا بالظلمة والظلمات منذ تلك اللحظة التي سلّم فيها لجماعة “النفاق السياسي” دفة الحكم، ففعلوا ما فعلوه على إمتداد هذه السنوات العجاف، لن يعيد “الكرّة” فالذي رفع شعار “حرية سيادة إستقلال” قادر على إستعادة هذه اللحظة ومواجهة أعداء الداخل والخارج كما حصل في 14 آذار وأكثر، وهذه المرة ليكن الجميع على عِلم أن “الصدور العارية” ستتصدى لترسانتهم وستنتصر.