كتبت لوسي بارسخيان في “نداء الوطن”:
أعلن أطباء البقاع، خلال تحرّك نظّموه أمام مركز نقابتهم في زحلة، انهم سيتوقّفون عن إستقبال المرضى على نفقة الجهات الضامنة، بعدما تخلّفت هذه الجهات ومن بينها وزارة الصحة عن تسديد مستحقّاتهم منذ أكثر من سنتين.
بين الأطباء المعتصمين كان الدكتور جلال عبده. الطبيب الذي ذاع صيته بين مصابي “كورونا” وعائلاتهم في مدينة زحلة وقضائها، بعدما شكّل بمنصبه كمسؤول عن قسم “كورونا” في مستشفى زحلة الحكومي، الوجه الإنساني الاقرب الى مرضى الحالات الصعبة من مختلف أنحائه، وتابع حالات بعضهم حتى خارج المستشفى، لا يقبض أي أتعاب، ومستحقّاته مجمّدة لدى الجهات الضامنة منذ سنة 2019، مثله مثل عشرات الاطباء الذين تبدّدت قيمة أتعابهم، وبات سوء حالهم المعيشي يهدّد حتى إمكانية متابعاتهم لتطورات الطب العالمية وسعيهم لتطوير معرفتهم حفاظاً على المستوى الطبي في لبنان.
500 مليار ليرة هي مجمل قيمة المستحقّات المترتبة للأطباء لدى الجهات الضامنة ووزارة المالية، هي مستحقّات مجمّدة منذ سنة 2019، ويتقاضاها الأطباء على سعر 1500 ليرة لتسعيرة الدولار. وإنطلاقاً من هذا الواقع يصبح الطبيب “البنك الوحيد الذي اقرض الدولة من دون فائدة” كما قال الدكتور ساري عبد الله الذي تحدّث باسم الأطباء، فيما “الدولة تدعم حبة الكاجو والفواكه ولا تدعم الطبيب، تدعم المعدّات الطبية ولا تدعم من يقوم بتركيبها”. من وجهة نظر الأطباء “ليست الدولة هي التي تؤمّن العلاج للمواطنين على حساب الجهات الضامنة أو الوزارة مباشرة، إنما هم يعالجون على نفقة الأطباء” ولكن إذا كانت “مهنتنا انسانية لا تستغلوا انسانيتنا” كما جاء في إحدى العبارات التي حملتها لافتة حملها الأطباء المعتصمون. وللدكتور جلال عبده هذا الشرح: “نحن نمضي يومياً أكثر من ساعتين على محطة بنزين لنملأ خزّان السيارة بخمسين ألف ليرة تتبدد على المحطة وفي الطريق حتى نصل الى المستشفى، لتسعر تعرفتنا بـ 37 ألف ليرة ولا تدفع إلا بعد سنتين”.
الأطباء المعتصمون هم “طينة الذهب الأبيض، وهي الثروة الوحيدة المتبقّية في لبنان، بعدما تبدّدت أحلام اللبنانيين بإستخراج الذهب الأسود، وشهدوا بأعينهم إنهيار ودائعهم التي كانت تصنّف ذهباً أخضر”.
كسائر اللبنانيين، كان الاطباء مودعين أيضاً، بعضهم إستعان بجزء من مدخراته التي تمكّن من تحريرها في المصارف، وانفقها بظلّ إنعدام الموارد الأخرى، وهم لا يريدون أن يمدّوا يدهم الى جيوب الناس، ولكن ككل اللبنانيين، على الأطباء مترتّبات جامعات ومدارس لأولادهم، بعضهم يسدّد أقساط سيارة وشقة، وبعضهم كالدكتور عبده، مرتبط ويخطّط للزواج وتقسيط بيت.
ولذلك يقولون “نحن اليوم نشعر أننا لم نعد قادرين على مداواة الناس ونحن عليلين، فالانسان لا يقبل أن يعمل بخسارة لأنّ بالخسارة لا يمكن المتابعة”.
ولكن ألا يضع تكبيد المواطنين كلفة الإستشفاء ضغوطاً عليهم وليس على الدولة المطالبة بالمستحقات، خصوصاً أنه سيجعل العلاج حكراً على من يملك المال؟ يؤكد الأطباء أن إجراءاتهم ليست سوى محاولة ضغط ستتابع بخطوات لاحقة، مطالبين نقابتهم بخطوة قانونية لنيل مستحقّاتهم، معلنين السعي للتنسيق مع لجان الأطباء في كل لبنان وصولاً الى الإعتصام العام امام وزارة المالية.
في المقابل، أوضح وزير الصحة حمد حسن أنّ وزارة الصحّة رفعت الى وزارة المالية كل ملفات المستحقات بعد التدقيق بها، “إنما نحن نعلم حجم الضغط المالي الحاصل، ووزير المالية لا يقصّر ويقوم بالمستطاع ويحاول على قدر الامكانيات تأمين الحوالات المالية”.
وقال: “أقدّر وجع الأطباء والظروف الصعبة التي يعيشونها، ولكن أنا متأكّد أنّ الاطباء بخلفيتهم الانسانية لن يتركوا الناس، ممكن ان يكون لديهم موقف ونحن معهم بذلك لحثّ المرجعيات المالية على تلبية طلباتهم”.
كلام حسن جاء خلال تفقّده حملة “ماراثون لقاح فايزر” التي نظّمت في مستشفيات البقاع ومن ضمنها زحلة للأشخاص الذين بلغوا الستين وما فوق، سواء أكانوا لبنانيين أو مقيمين، حيث أعلن حسن عن حملات مشابهة ستنظّم في الاسابيع المقبلة بالمحافظات الاخرى أيضاً.
ولفت حسن الى إستمرار وصول اللقاحات اسبوعياً، معلناً ايضاً عن إنضمام المؤسسات الخاصة الى الحملة في الايام المقبلة بعد بدء توافد كمّياتها المطلوبة. وأكّد أنّ المستشفيات التي تخزّن اللقاح لن تكون معرّضة لخطر إنقطاع التيار الكهربائي، متحدّثاً عن ثلاثة مصادر لتغذيتها، إمّا عبر مؤسسة كهرباء لبنان أو مولّدات خاصة أو عبر تجهيز البرادات بنظام الـ ups.