كتب محمد دهشة في “نداء الوطن”:
كان أبناء مدينة صيدا يعوّلون كثيراً على انفراج قريب في تشكيل الحكومة العتيدة، يحبسون أنفاسهم ويأملون في ان تكون خطوة الرئيس المكلف سعد الحريري بتقديم تشكيلة الى رئيس الجمهورية ميشال عون خطوة على طريق فتح كوة في جدار الأزمات التي أرهقتهم مع طول أمدها وحاصرتهم جوعاً وفقراً وغلاء في الاسعار الى حدّ الاختناق وربّما الموت.
ويقول أنيس حبلي لـ”نداء الوطن”: “نستبشر خيراً في تشكيل الحكومة، هي طوق النجاة والخلاص من ازماتنا”، مضيفاً: “بعدما كانت كل المؤشرات سلبية، بدأت تلوح في الافق آمال، وان شاء الله لا تكون من الرئيس ميشال عون مجرّد مناورة لكسب الوقت وإحراج الرئيس الحريري واخراجه من المشهد السياسي، المطلوب الموافقة على التشكيلة لانقاذ البلد من انهيار حتمي”.
في أروقة المدينة وصالوناتها العائلية وبين احيائها وحاراتها، وداخل اسواقها ودكاكينها ليس هناك الا حديث واحد، ضرورة وضع حدّ للخلاف السياسي والازمات المعيشية وتداعياتها في طوابير البنزين، شحّ المازوت، الانقطاع شبه التام في التيار الكهربائي، التقنين القاسي بالتيار الكهرباء، فقدان الادوية من الصيدليات، ارتفاع الاسعار والغلاء، يجب ان تتحوّل خيبات الناس آمالاً. ويؤكد محمود بوجي “انّ الاجواء متساوية بين التفاؤل والتشاؤم، ومجرّد ذلك هبط سعر صرف الدولار الاميركي، ما يشير الى ان ارتفاعه مرتبط بالواقع السياسي وليس فقط بالانهيار الاقتصادي والمالي”. ولكن بعد اعتذار الرئيس الحريري خابت الآمال التي بدا أنها معلقة على أوهام لأن الناس عادوا إلى واقعهم الذي لم يخرجوا منه.
وعلى وقع الانتظار والاجواء الضبابية، بقيت أزمة شح المازوت في صيدا ومنطقتها تؤرق المسؤولين والمواطنين على حدّ سواء، وهي تتفاقم صعوداً حتى نام عدد كبير من ابنائها على العتمة، وبدا مشهد المدينة وكأنّه في سباق محموم بين تأمين المادة للمستشفيات والافران واصحاب المولدات ومعمل زهرة لانتاج الاوكسجين، وبين امتصاص الاحتجاج الشعبي الذي بدأ ينذر بانفجار، ترجم في أكثر من منطقة وحي من الاحياء بإقفال الطرقات بالاطارات المشتعلة وحاويات النفايات واحياناً بشكل فردي ونتيجة فورة غضب سرعان ما تنتهي.
واعتبر رئيس تجمّع اصحاب المولدات الخاصة في صيدا علي بوجي “انّ مردّ المشكلة ليس فقط ازمة المازوت وشحّها، بل الى التقنين القاسي بالتيار الكهربائي من قبل الدولة، حيث لا تزيد ساعات التغذية عن اربع ساعات في افضل الاحوال، ما يحمّل اصحاب المولدات العبء الاكبر في سدّ الفراغ، ومع شحّ المازوت وارتفاع الاسعار ترتفع الفاتورة ويشكو الناس”، مشيراً الى “ان المطلوب من الدولة ان تؤمّن على الاقل عشر ساعات تغذية كي يستطيع اصحاب المولدات سدّ فراغها، وغير ذلك لا فائدة من الامر حتى ولو تم تأمين المادة، لان الفاتورة ستبقى مرتفعة وسينوء كاهل المواطن تحتها في خضمّ الازمة المعيشية والحياتية الخانقة”.
وعدّد بوجي اسباب عدم امكانية اصحاب المولدات تحمّل التقنين القاسي، قائلاً: “اولاً، لا نستطيع تحمّل 22 ساعة قطع، وثانياً تجهيزاتنا غير كافية وغير قادرة على ذلك، وانا واحد من الذين احترقت المولدات لديهم نتيجة الضغط، ثالثاً الناس لا تستطيع دفع كلفة الـ 22 ساعة تغذية بالمولد، اذ قد تصل الفاتورة الى اكثر من مليون ليرة لبنانية وهذا عبء كبير، وتقديرنا ان رسم الاشتراك في شهر آب المقبل سيتخطّى المليون ومئة الف ليرة لبنانية، اي اكثر من الحدّ الادنى بمرّتين تقريباً”، مؤكداً “وجود سوق سوداء خفيف لبيع المادة لأننا نرفضه ولا نستطيع المشي به وتحمّل كلفته، واحياناً نضطر لتأمين مئات الليترات حتى لا ننقطع او لتشغيل الآليات، اصحاب المولدات اتخذوا قراراً بعدم التعاطي معها وكل واحد يتصرّف حسب امكانياته في تأمين المازوت المدعوم، وبالتالي اطفاء المولدات أو التقنين بها لساعات يعود الى قدرته”.