جوني منير – الجمهورية
فجأة ارتفع منسوب التوتر في الشرق الاوسط بين الاميركيين والايرانيين على رصيف المفاوضات الدائرة حول الملف النووي. فالانسحاب العسكري الاميركي المُلتبس من أفغانستان فتح الطريق امام سيطرة حركة «طالبان» على المعابر الحدودية بين افغانستان وايران. حتى الآن تبدو ايران قادرة على التعامل مع المعطى الجديد لكنّ المنطق يدفع الى التوجّس مستقبلاً، فعودة التنظيم السني الاكثر تطرفاً في العالم الى الامساك بدولة تتجاور مع دولة اسلامية ايضاً لكنها تخضع للعقيدة الشيعية سيعني في يوم ليس ببعيد، انطلاق حرب استنزاف مكلفة وصعبة وطويلة قائمة على أساس النزاع الديني.
في المقابل تعرّضت المواقع الاميركية في العراق وسوريا لاستهدافات عسكرية ولكن من خلال تنظيمات موالية لإيران. وهو ما يعني التلويح بعودة حروب الاشباح التي عانى منها الجيش الاميركي في السابق والتي هي من اكثر الحروب التي تُقلقه.
وبالتزامن، ظهر تنظيم «داعش» مجدداً في البادية السورية، هذه التعقيدات جعلت البعض يربط بينها وبين تفاقم الاوضاع اكثر في لبنان، وعلى اساس تراجع التفاؤل بولادة الاتفاق النووي وهو ما يعوّل عليه اللبنانيون للحَد من هول الكارثة التي يعيشونها، على الاقل لناحية ايجاد حل للازمة السياسية تمهيداً للانطلاق في اتجاه الاصلاحات المطلوبة.
في الواقع، إنّ الصورة الملبدة لا تعكس حقيقة ما يدور في الكواليس بمعنى انّ ما يحصل قد تكون له علاقة بتعزيز الاوراق التفاوضية لدى الجانبين الاميركي والايراني، لكنه لا يعني أبداً وبأي صورة أنّ ثمة تعقيدات حقيقية تهدد المفاوضات الدائرة. فالاوساط الديبلوماسية المعنية لا تبدو قلقة من احتمال إجهاض المفاوضات الدائرة، هي تعتقد انّ الاتفاق سيحصل وأنّ لبنان سيستفيد من ذلك، ولو بطريقة غير مباشرة. بمعنى آخر، فإنّ الاوساط الديبلوماسية المعنية تعترف ضمناً ان لبنان الذي يرزح تحت أثقال هائلة قد لا يبدأ بتلمّس ابواب الحلول قبل ولادة الاتفاق النووي.
لكن المشكلة انّ الانهيارات المتسارعة باتت تهدد ركائز الدولة، ما يعني انه لم يعد هنالك من قدرة على انتظار الوقت، وقد يكون الرئيس سعد الحريري قد سمع هذا الكلام مراراً وتكراراً، ولذلك نصحته باريس وايضاً واشنطن بعدم الاعتذار. وفحوى النصيحة انّ مرحلة ما بعد الاعتذار غير مضمونة، خصوصاً انّ البديل غير مؤمن وخطوة الاعتذار عندها ستفاقم الفوضى الحاصلة وستدفع البلاد سريعاً نحو المجهول المعلوم.
ولم يعد سراً انّ باريس تكثّف من تنسيقها مع القاهرة، صحيح انّ الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لن ينجح في مسعاه لإعادة وصل الخط المقطوع بين الحريري وولي العهد السعودي محمد بن سلمان، لكنه قادر على التعويض من خلال نسج مظلة عربية حيال الوضع في لبنان.
لذلك قدّم السيسي موعد اجتماعه بالحريري، فيما عمدت باريس الى إرسال موفديها الى لبنان ولو من دون توافر حلول، وفي موازاة ذلك اعلن الاتحاد الاوروبي فجأة قراره بإنزال عقوبات على مسؤولين لبنانيين يعرقلون مسار الولادة الحكومية.
الصورة كانت متكاملة ما بين الاقناع المصري والضغوط الفرنسية والعصا الاوروبية. فكما عدّل الرئيس المصري موعد لقائه بالحريري، كذلك عدّل مستشار الرئيس الفرنسي زيارته الى لبنان وجعلها الثلاثاء بدلاً من الخميس. ومن الواضح انّ البرنامج الفرنسي كان متجانساً مع البرنامج المصري.
وبالنسبة الى الفرنسيين، لا يجب اضافة أزمة تكليف على أزمة التأليف في حال اعتذار الحريري، فالاعتذار الاقتصادي لا يحتمل اي خطوة ناقصة. فعلى سبيل المثال أبلغ حاكم مصرف لبنان المركزي رياض سلامة الى المعنيين انه وخلال اسابيع معدودة سيعمد الى رفع الدعم كاملاً عن البنزين، وهو ما سيفتح الابواب امام مزيد من الفوضى. أمّا في شأن البطاقة التمويلية، فحتى الآن لم يحصل اي جديد على صعيد وضع وزارتي الشؤون الاجتماعية والاقتصاد بشأن اللوائح المطلوبة. وبالتالي، إذا باشرت الدوائر المختصة العمل الآن فهي في حاجة الى ما بين اربعة الى خمسة اشهر لإتمام عملها. لا بل إنّ المساعدات التي طلبتها السفيرتان الاميركية والفرنسية من الدوائر السعودية ما تزال من دون جواب واضح.
في المقابل، إنّ الحريري الذي كان قد بدأ التمهيد لخطورة اعتذاره منذ نحو أسبوعين، سمع من رئيس مجلس النواب نبيه بري ضرورة اختيار البديل، لكنّ الجوجلة لم تسفر عن نتيجة. كان الأكثر تطابقاً اسم الرئيس نجيب ميقاتي الذي هاتَفه الحريري خلال وجود الاول في اليونان. ميقاتي الذي بَدا متهيّباً للوضع، قال انه في ظل عدم توافر المساعدات فإنّ تولّي هذه المسؤولية يعتبر انتحاراً.
وجسّ بري نبض «حزب الله» من ميقاتي. فالسائد كان أنّ قيادة الحزب لا تثق بوعود ميقاتي نتيجة تجارب كثيرة. لكنّ الجواب الذي تلقّاه بري أنه ما بين الفراغ وتسمية ميقاتي نختار ميقاتي شرط أن يسمّيه سعد الحريري.
وعلى رغم من ذلك بقيت تسمية ميقاتي غير محسومة، مع وجود شعور لدى الثنائي الشيعي بأنّ ميقاتي الذي يتأرجح في قراره قد يكون يريد ضمان تسميته لتشكيل حكومة ما بعد الانتخابات اذا ما وافق على تولّي الحكومة الحالية.
صحيح أنّ الالحاح الفرنسي ـ الاميركي يهدف الى شراء الوقت والحد قدر الامكان من الانهيارات الحياتية والاقتصادية المتلاحقة والتي ستجعل لبنان جحيماً حقيقياً، الّا أنّ أحد اسباب التعثر في ايجاد بديل عن الحريري هو الخشية من الواقع الاقتصادي المرعب والمشكلات الهائلة التي فتحت الشوارع امام الفوضى الشاملة. طبعاً اضافة الى العراقيل التي ستمنع تشكيل اي حكومة اذا لم تلحظ ثلثاً معطلاً ولو في شكل مقنّع. وفي هذه الحالة سيلتهب الشارع ايضاً.
لذلك لم يعد سراً الاهتمام الدولي بالانتخابات النيابية المقبلة، فهي ستكون المرحلة الفاصلة بالنسبة الى هؤلاء لإزاحة الطبقة السياسية الحالية وإنتاج طبقة من وجوه جديدة.
وفي الاستطلاعات الدقيقة والخاصة التي قامت بها سفارات غربية، بدا لها انّ تبدلات واسعة ستحصل على مستوى الخريطة المقبلة لمجلس النواب خصوصاً على المستوى المسيحي، لكن ثمة شرطاً اساسياً يتضمن توحيد اللوائح وتأمين أوسع مشاركة وعدم تشتيت الاصوات.
الأرجح انّ آلام اللبنانيين ستطول وستزداد.