غادة حلاوي – نداء الوطن
يعكس التراجع عن قرارات اتخذتها الحكومة وأعضاء فيها، حجم المأزق الذي انزلق اليه الكل من دون استثناء. إخفاقان اثنان في غضون أسبوع وقبله اخفاق بالسياسة ليس لفريق الممانعة فحسب بل للفريقين على حد سواء. كان يمكن لوزير الأشغال علي حمية أن يكون بغنى عن المشروع ككل. في بلد منهار لا يجد الموظف فيه ما يسد جوعه وجوع عائلته، لم يكن تلزيم مشروع كهذا ضرورة ولا يحتل أولوية في سلم الأولويات الملحة. هذا في ما يتعلق بالمشروع. أمّا بشكل التراجع وترتيباته وما قاله حمية، فلم يعد مقبولاً أن يخرج وزير من حكومة يعلن تراجعه عن المشروع بناء لطلب الجهة التي يمثلها. وكأنه يعني أنّ هذه الجهة هي التي سبق وطلبت منه الموافقة على المشروع، أو أنّ المسألة ليست محصورة بمجلس الوزراء ورئيسها. هنا أيضاً يبدو الموضوع مدعاة أسف وريبة.
يؤشر ما حصل لوجود تخبط ولامسؤولية ولا أسس يُركن إليها في كل ما يتم تقديمه. وكما في الصغيرة، كذلك في الإستحقاقات الكبرى كانتخابات رئاسة الجمهورية. يحضر الشخص على حساب البرنامج. هنا أيضاً كل فريق يرسم تصوراً لرئيس الجمهورية بمعزل عن الفريق الآخر مع اختلاف جوهري في المقاربة بين الفريقين.
في الموضوع الحكومي كان التراجع مفيداً ولو كان استدراكاً لتعميق الأزمة. أمّا في الموضوع الرئاسي فمن سيبادر الى التراجع وكلا الطرفين «يتمسمر» على موقفه وخلف مرشحه رغم علمه بالعقبات التي تعترض وصوله. لكن في نهاية المطاف لن يبقى كل خلف تموضعاته ولا بد من تراجع طالما أنّه عادة متبعة فمن سيبادر إلى التراجع؟
عملياً يتعاطى فريق المعارضة وكأنه غير متمسك بمرشحه النائب ميشال معوض. أو أنّ الترشيحات الكثيرة تجاوزته بأشواط بينما لا يفوت «حزب الله» الفرصة للتأكيد على دعم مرشحه رئيس «تيار المرده» سليمان فرنجية. إذا استمر الوضع مربكاً أمام ترشيحه فالبعض يتوقع إنسحابه من تلقاء نفسه، لكن عارفيه والمقربين يجزمون أنه في الفترة الحالية ليس بوارد الإنسحاب أو الترشح. هو بات مثلهم جميعاً رهين انتظار شيء ما أو تسوية ما تنتهي لصالحه. وهو أيضاً مأزوم في واقعه كما «الثنائي» وكما المعارضة وفي انتظار ما سيفرج عنه الإتفاق السعودي- الإيراني من تسويات في المنطقة ومنها لبنان.
لكن الخطير بالأمر أنّ البحث الجاري لا يقتصر على انتخاب الرئيس والشخص المؤهل لرئاسة الجمهورية بل يتعداه للبحث في صيغة جديدة للنظام ينطلق النقاش بشأنها من مؤتمر جديد تشارك فيه الدول المعنية بلبنان بغرض إعادة النظر في الطائف وتعديله في مكامن معينة.
لكن مثل هذا الطرح لم يبلغ درجة من الجدية لإنشغال الدول باهتمامات أخرى خارج الساحة اللبنانية. لا كلمة سر رئاسية لدى الديبلوماسيين بل مجرد تكهنات واستفسارات تؤكد أنّ دول القرار كأميركا مثلاً لم تحسم أمرها أو تدلي بدلوها بعد، وبينما تنشغل فرنسا بهمومها فهي لا تزال تطل بأسماء غير متعارف عليها بين وقت وآخر، بينما يعمل عدد من المرشحين على الترويج لأنفسهم، وقد تقدم اسم جهاد أزعور على غيره من الأسماء في وقت يصر «حزب الله» على دعم فرنجية. وقد كان لافتاً حديث نائب الأمين العام الشيخ نعيم قاسم في هذا الخصوص في سياق كلمة تقصّد من خلالها الرد على تصريحات الحليف القديم جبران باسيل من دون أن يسميه ما يؤكد عمق الخلاف بين الحليفين وانتقاله الى المنابر بعدما كان لسنوات حبيس الغرف المغلقة. أشاد قاسم بمزايا فرنجية نافياً أن يكون حزبه قد التزم مع أحد بتسمية خلال كل فترة الحديث عن الرئاسة. إصرار «حزب الله» لا يعني تضاعف حظوظ فرنجية، فالحزب متى تعقدت الأمور سيجد نفسه وشريكه رئيس المجلس نبيه بري مجبرين على التراجع لاستحالة استمرار الأوضاع على حالها.
تقول مصادر سياسية واسعة الإطلاع إن المشكلة في لبنان باتت عميقة ومستعصية ويتعذر حلها بحوار محلي وإن كان انعقاده غير ممكن من الأساس في ظل الإنقسام العمودي بين الفريقين، ولذا فإن الحل في لبنان سيكون جزءاً من معادلة شاملة ستشهدها المنطقة ككل. وإلى أن يحدث ذلك ويتم التوصل إلى تسوية من هذا النوع فالأوضاع ستبقى على حالها، مشاحنات وانقسامات سياسية قد لا تنتهي قريباً. لكن الخطير في كل ذلك هو ما عاد الديبلوماسيون ينبهون منه على المستوى الأمني من إمكانية عودة التفجيرات الأمنية، وهو ما يستدعي من عدد من السياسيين إتخاذ إجراءات أمنية إستثنائية تقيد حركتهم.