فيما تستمر الوساطة الدولية لفض النزاع، يحذّر مدير معهد أبحاث الأمن القومي، التابع لجامعة تل أبيب، رئيس الاستخبارات العسكرية الأسبق تامير هايمن من احتمال نشوب حرب شاملة مع “حزب الله”، لكنه يدعو في نفس الوقت لمواصلة استخراج الغاز من الحقل المائي المتنازع عليه.
وأوضح هايمن، في مقال نشره موقع “المعهد”، “إن إسرائيل تقف أمام فترة حساسة في الشمال، وإنه في السيناريو المتطرف، يدور الحديث عن وضع من الممكن أن يتدهور إلى حرب شاملة، لكنها ليست قدراً، وهناك آليات لدى الطرفين يمكنها بالتأكيد الحؤول دون وقوعها”.
وأضاف, “صحيح أن الحدث مرتبط بالخلاف على الحدود الاقتصادية بين إسرائيل ولبنان، لكن لا يجب الوقوع في الخطأ: الحديث يدور، أولاً وآخراً، عن حدث يرتبط بالوضع الداخلي اللبناني المتغير, نبدأ من الخلاف التقني أولاً، النزاع على الحدود ما بين إسرائيل ولبنان, هناك حقلان كبيران للغاز في منطقة الشمال؛ الأول “قانا”، والثاني “كاريش”.
وتابع, “إنه في الوقت الذي يتواجد كاريش برمته داخل “المياه الاقتصادية الإسرائيلية”، فإن “قانا”، في أغلبيته، داخل المياه الاقتصادية اللبنانية، والجزء الجنوبي منه هو الموجود في منطقة النزاع, زاعما أنه بسبب عدم وجود علاقات دبلوماسية بين إسرائيل ولبنان، فإن كل دولة رسمت حدودها البحرية منفردة، وهذا ما ولّد منطقة نزاع ملاصقة”.
ويستذكر هايمن أنه, “بعد التوجه إلى الوساطة الدولية بخصوص ترسيم الحدود البحرية، تقرر أن يحصل لبنان على جزء أكبر من المنطقة المتنازع عليها، وبشكل غير مفاجئ، قبلت إسرائيل التسوية في وقت رفضها لبنان”.
وأشار إلى أنَّ, “حتى أنه بعد الانتخابات الأخيرة في لبنان، ذهب اللبنانيون إلى أبعد من ذلك ووضعوا خطاً جديداً للحدود بصورة أحادية، ومن دون أي منطق، تجاوز حقل كاريش, ومن الواضح أن هذا الخط غير مقبول من الجهات الدولية أيضاً, ويبدو أن الحكومة اللبنانية فهمت أنها تسلقت شجرة عالية وأرادت النزول عنها، إلا أن حسن نصر الله استغل الفرصة وانقضّ عليها, وهو ما يقودنا إلى السبب الحقيقي الكامن وراء الأزمة التي يفتعلها حزب الله هنا”.
وشدّد هايمن على الزعم بأن, “الوضع الداخلي في لبنان هو المسبّب الرئيسي لهذا التصعيد، ويقول إن لبنان يعاني جرّاء عدم استقرار سياسي، وأزمة اقتصادية خانقة، وساعات قليلة من الكهرباء في اليوم، أزمة طاقة حرجة، بالإضافة إلى استقطاب طائفي عميق يستند إلى ذاكرة تاريخية مؤلمة (الحرب الأهلية)”.
وأضاف, “أنه بعد الانتخابات الأخيرة، وعلى الرغم من أن “حزب الله” لم يضعف، فإن هناك أعضاء مستقلين دخلوا البرلمان حديثاً، ويطرحون موقفاً معارضاً لوجود ميليشيات شيعية مسلحة في لبنان (حزب الله)”.
وتابع, “هؤلاء طبعاً ليسوا أحباء صهيون، لكنهم وطنيون لبنانيون يوجّهون النقد إلى سلاح المقاومة, هم مع لبنان ضد إسرائيل, ومطلوب من نصرالله تبرير وجود سلاح مقاومة أصلاً، وإن كنت لا تقاوم، فما حاجتك إلى هذا السلاح؟ نصر الله يستغل الوضع الحالي: المواطنون اللبنانيون يعرفون أزمة الطاقة ويعانون جرّاءها، ويرون كيف تقوم إسرائيل باستخراج الغاز ولبنان لا”.
ويدعي هايمن أن, “قائمة نجاحات نصر الله واضحة، وحقق جزءاً منها: في تقدير نصر الله إسرائيل لن ترد على إطلاق المسيّرات التي كان الهدف منها جمع المعلومات الاستخباراتية، وحتى إن ردت فسيكون بشكل لا يؤدي إلى حرب شاملة”.
ولفتت إلى أنَّ, “من جانبه، كل نتيجة هي إنجاز. إن وُقِّع الاتفاق – فسيدّعي أنه تم بفضل التهديد بسلاح المقاومة. وإن قامت إسرائيل بتأجيل استخراج الغاز في أيلول فسيطرح الموضوع كأنه خضوع لتهديداته, وإن دفع استمرار الأزمة لبنان إلى طلب النفط من إيران فسيدّعي أيضاً أن هذا بفضله”.
ورأى هايمن أنه, “من المهم الانتباه إلى أنه وفي جميع خطاباته، يهتم نصر الله بالتشديد على أن إطلاق المسيّرات هو عملية لبنانية وليست إيرانية، والدافع هو وطنيته اللبنانية. وينّوه هايمن أن نصر الله محّق في الموضوع الإيراني، فالحديث يدور بشأن عملية خاصة بحزب الله من دون توجيه إيراني، حتى ولو كانوا يفركون أياديهم بسعادة”.
ويستذكر هايمن أن, “ما بدأ قبل أسابيع بإطلاق مسيّرة واحدة، تم إسقاطها بواسطة أدوات ناعمة، استمر في إطلاق ثلاث مسيّرات أُسقطت على يد سلاح البحرية وسلاح الجو, عملية أدت إلى شعور بالفخر”.
رجّح هايمن أن, “نصر الله لا يريد التوقف الآن، ومن المتوقع أن يستمر حزب الله في عمليات شبيهة, ولذا يدعو للتجهّز لسيناريوهات متطرفة، ومن غير المرجح أن يختار حزب الله استعمال الصواريخ الموجهة، أو المسيّرات التي تحمل المتفجرات، نصر الله أيضاً لا شكوك لديه في أن عملية كهذه ستؤدي إلى رد إسرائيلي قاس، وتبادُل إطلاق النار الذي سيحدث من شأنه أن يؤدي إلى حرب، تطوُّر من شأنه أن يكون ضربة قاضية للبنان المنهار أصلاً, ويمضي في تحذيراته: “رغم ذلك، فإن تجربة الماضي، وضمنها حرب لبنان الثانية، علّمتنا أنه حتى ولو لم يكن لدى الطرفين الرغبة في الحرب، فيمكنهما الانجرار إليها”.
وقال هايمن: “في حال استمر حزب الله في تحدي إسرائيل في الصيغة الحالية، وواصل إطلاق مسيّرات إضافية باتجاه منصة التنقيب، أمام إسرائيل عدة إمكانات:
الاحتواء, إسقاط المسيّرات، وليس أكثر من ذلك, الإيجابية, لن يكون هناك انجرار إلى معركة واسعة, أما السلبية الأساسية, فهي تعزيز الشهية باستمرار المعركة، وتوسيعها حتى إلى مناطق النزاع على الحدود البرية, سلبية إضافية ستكون تعاظُم قوة حزب الله في الداخل اللبناني، وتبرير وجود سلاح المقاومة الذي بفضله صمد لبنان لتحقيق حقوقه وفخره، ولم يخسر بسبب الردع الذي يقوم به هذا السلاح”.
في المقابل رأى هايمن أن ردا, يفوق توقعات العدو، في هذا السيناريو، لا تكتفي إسرائيل بالرد، إنما تفعل ذلك بشكل حاد جدًا, الإيجابية، الردع: عندما يكون الرد فوق التوقعات، تتم زعزعة الثقة بالنفس لدى الخصم الذي يعتقد أنه يعرف خطواتك المتوقعة، وبذلك تتم زعزعة الثقة إلى جانب الردع من عملية مستقبلية”.
وأضاف, “السلبية المركزية، من شأن هذا أن يدفع حزب الله إلى الرد بحسب معادلات الرد الخاصة به وكلما كانت الأهداف مؤلمة أكثر من طرفه، فسيرد بقوة أكبر, ولذا يرى أن الذهاب إلى هذا الخيار بالضرورة سيصعّد الردود المتبادلة التي ستؤدي إلى معركة”.
وتابع, “ردود متساوية، عمليات ذات تأثير في الوعي. عمليات خاصة سرية، ردود غير دراماتيكية ولا تنزع عن العدو قدراته, ويمكن في هذا السيناريو أن يكون الرد خارج لبنان، مثلاً في سورية, الإيجابية، إسرائيل ردت ولم تحتوِ. السلبية، حتى على هذا من الممكن أن يرد حزب الله، ومن الممكن أن ننجرّ إلى ديناميكية تصعيد”.
وبالنسبة لهايمن فإن, “الفرضية تقوم على أن نصر الله سيستمر في تحدي إسرائيل في الوقت القريب، ومن المهم التشديد على أن التصعيد حتى الحرب الشاملة يتعلق بالشكل الذي تقرر فيه إسرائيل الرد، كيف ترد على الرد على ردها, لذلك، هذا يرى أنه من الواجب القيام بما يلي الآن: تعزيز الجهوزية لمعركة واسعة- نحن في مرحلة حساسة، يمكن أن تتصاعد، لذلك يجب تعزيز الجهوزية والاستعداد للانتقال السريع إلى حالة طوارئ”.
وأشار إلى أنَّ, “فتح معركة مضادة على الوعي- نصر الله يضع لبنان تحت خطر الحرب الشاملة، يقوم بذلك بهدف تبرير وجوده، وإعادة توجيه الانتقادات الشعبية ضده، كالمسؤول، إلى حد ما، عن وضع لبنان، وليس لإنقاذ الدولة. يجب نشر هذا، وفي المقابل، إرسال رسائل عن طريق دول كفرنسا وألمانيا، مفادها أنه يجب على نصر الله ألا يخطئ مرة ثانية بقراءة نيات إسرائيل (كما حدث له في سنة 2006)”.
ولفت إلى أنَّ, “الاستمرار بإصرار شديد في سياسة استخراج الغاز- ولا يجب التأجيل بأي شكل من الأشكال بسبب التهديدات، يجب على التهديدات أن تعزز تصميم إسرائيل واستمرارها في الاستخراج في الموعد المحدد، وفي المقابل، الالتزام بالمفاوضات والاستمرار فيها”.