كتبت ليلى دندشي
إعتاد اللبنانيون عامة وأبناء طرابلس والشمال بصورة خاصة على إسترجاع القضايا الإقتصادية والإستثمارية في المنطقة مع بداية كل عهد جديد، أو إطلاق الجهات الرسمية لرزمة من المشاريع الحيوية في إطار السعي الحكومي لإمتصاص إستهجان اللبنانيين لسياسة ما يسمونه بالمركزية المتبعة في تحقيق بعض مطالب أبناء هذه المناطق الذين إعتادوا على “نشر” العديد من البرامج ذات الصلة بتطوير الأطراف بما فيها بعض المدن التي إعتاد المسؤولون على عدم تذكرها إلآ في المناسبات لاسيما الإنتخابية منها وكذلك عند تشكيل الحكومات والإستحقاقات الإنتخابية، فتتدفق الوعود بشأن المشاريع الكبرى التي مضى على تردادها على مسامع أبناء (الأطراف) بما فيها المدن الكبرى أحيانا، كما الحال مع مدينة طرابلس مثلا ومع مناطق شمالية ومنها تحديدا المناطق المجاورة لعاصمة الشمال ومنها الكورة والضنية وعكار …
وهكذا تمضي السنوات والعهود وتبقى البرامج والوعود على حالها، وتبقى هذه المناطق على وضعها وتأخرها وعدم تحريك أي حجر فيها ولتبقى المشاريع الموعودة حبرا على ورق.
وها هي المشاريع الكبرى (وهذه الصفة لتأكيد الحرمان ليس إلآ) تمر السنوات والعهود والحال على ما هي عليه، جمود تام وتجاهل للقضايا الإقتصادية والإستثمارية، دون أن يرف أي رمش لدى الممسكين بزمام المقدرات التي إن تحركت وجرى تفعيلها بإمكانها أن تقلب الميزان التجاري والصناعي رأسا على عقب، ولكن المتمترسون وراء الإمعان بتطبيق “المركزية” يستمرون في مخططاتهم بتجاهل أوضاع هذه المناطق إنطلاقا من معرض رشيد كرامي الدولي بطرابلس، إلى مطار رينيه معوض في عكار، إلى سكك الحديد والأوتسترادات الموعودة بها عكار، ودعم المشاريع الإنمائية في الكورة والضنية ومناطق الإصطياف في الشمال.
وحدّث ولا حرج عن تلك المشاريع الوهمية التي طُرحت وما تزال لتفعيل وتطوير هذه المنشآت التي ذكرت، ومنها على سبيل المثال لا الحصر مطار رينيه معوض في عكار الذي عُرف تاريخيا بمطار القليعات والذي نتوقف عنده في هذه الإطلالة.
فكما ذكرنا فإن مطار القليعات في شمال لبنان وعلى ساحل عكار عاد الحديث عنه منذ أيام قليلة مع إكتشاف خطة السرقة الكبرى التي كان يتم الإعداد لها من خلال ما سمي بمشروع توسعة مطار بيروت الدولي وبناء التيرمينال 2 في حرمه والذي كان من المتوقع أن يدر ملايين الدولارات لحساب أصحاب الصفقة التي كادت أن تتم خلافا للقوانين اللبنانية وفي الوقت نفسه حرمان خزينة الدولة من مردود هذه الصفقة.
وهكذا تصدّر مطار “القليعات” في شمال لبنان فجأة اهتمام جهات حكومية وأهلية التي سارعت إلى السؤال لماذا لا تبادر الحكومة على الفور إلى إطلاق خطة عمل تقضي بتفعيل دور المطارات القائمة في المناطق والإستفادة منها إن لجهة تأمين مداخيل لخزينة الدولة من جهة وتوفير المشقة والمال عن أبناء المناطق، علما أن هذه المطارات لا تتطلب سوى “مصاريف” وأعباء قليلة لتشغيلها كمطارات مدنية في المناطق ومنها مطار القليعات في عكار ومطار “حامات” على ساحل الكورة – سلعاتا ، ومطار رياق في البقاع.
والجدير ذكره أنه في السنوات الماضية أوعزت الجهات الحكومية الى إدارات معينة، بوجوب إجراء كشف هندسي سريع على أوضاع مطار القليعات المذكور وتحديد حاجياته، ودرس ما يجب القيام به على صعيد وضعه في الخدمة في الأحوال الاضطرارية، ولاحقا الإستفادة من دوره الإنمائي في طرابلس والشمال.
وذكرت أوساط متابعة أن مطار القليعات قد تضرر أثناء العدوان الإسرائيلي في العام 1982 ، حيث تعرّض أحد مدارجه لقصف جوي من الطيران الإسرائيلي، وتم تدمير رادارين اثنين موجودين في حرم المطار الذي يضم بعض المنشآت التي لم يجر الاهتمام بها منذ سنوات عديدة.
ومطار القليعات يقع على ساحل عكار، ويبعد زهاء 20 كلم شمال طرابلس، ويعود تاريخ إنشائه الى ثلاثينيات القرن المنصرم، في أعقاب تقسيمات سايكس ــ بيكو التي وضعت المنطقة العربية شرق المتوسط تحت الانتداب الفرنسي والانكليزي.
وعقب إنشاء المصفاة التابعة لشركة نفط العراق (إي.بي.سي) الانكليزية ومدّ خطوط نقل البترول من كركوك ــ العراق الى البداوي شمال طرابلس، عبر سوريا، (المتوقفة عن العمل حالياً) أنشأت الشركة المذكورة مطار القليعات ليكون همزة وصل بين مصافي البترول التابعة لها في العراق ومقر الشركة في إنكلترا.
ومع إعلان استقلال لبنان، وضعت الحكومة اللبنانية يدها على مطار القليعات، واستردت في وقت لاحق ملكية مصفاة النفط ومنشآتها في البداوي.
ويحتوي مطار القليعات على مدرجين اثنين، طول كل منهما 3200 متر بعرض 60 متراً، الى جانب منشآت وهنغارات وأبنية صغيرة.
وفي أعقاب حرب عام 1967 وتوقيع لبنان على معاهدة الدفاع العربي المشترك، قررت القمة العربية رصد مبالغ مالية لإعادة تأهيل مطار القليعات من الناحية العسكرية وتجهيزه بالمعدات الحربية لاستقبال الطائرات والجنود عند الضرورة في إطار الصراع العربي ــ الإسرائيلي، ودعم «دول الطوق» في وجه العدوان الإسرائيلي.
وجرى استخدامه كمطار مدني خلال أحداث عامي 1988ــ 1989، وبفعل انقطاع الطريق الساحلية بين الشمال والعاصمة بيروت، وتحت ضغط الهيئات الشمالية، قامت شركة طيران الشرق الأوسط بتسيير رحلتين، واحدة صباحية وأخرى مسائية، وكانت رحلة «البوينغ» تستغرق بين القليعات ومطار بيروت ذهاباً» أو إياباً» زهاء 22 دقيقة، وتطير فوق البحر على مقربة من الساحل وعلى علوّ متوسط.
وتم في منشآت مطار القليعات انتخاب الرئيس الشهيد رينيه معوض كأول رئيس للجمهورية في أعقاب اتفاق الطائف في عام 1989، حيث حطت في حينه على مدارج المطار ثلاث طائرات تحمل النواب اللبنانيين إضافة إلى أعضاء اللجنة العربية المكلفة بتطبيق اتفاق الطائف.
وفي منتصف التسعينيات، اشتدت المطالبة بتحويل مطار القليعات إلى مرفق سياحي وتجاري في إطار اللامركزية والتنمية المناطقية، واستخدامه بشكل خاص على صعيد النقل التجاري وتحديداً في مجال التصدير الزراعي في مناطق البقاع والشمال إلى الخارج، كمشروع متكامل بعد تطوير مرفأ طرابلس والانتهاء من شق الطريق بين البقاع والشمال عبر منطقة الضنية.
والجدير ذكره أن رئيس غرفة التجارة والصناعة والزراعة في طرابلس توفيق دبوسي أعدّ مع المعنيين ومجموعة من المهندسين المختصين مشروعا متكاملا للإستفادة من مطار رينيه معرض عن طريق سلسلة من المشاريع التنموية والإنشائية ومن بينها إستكمال الأوتستراد الساحلي بين طرابلس والحدود الشمالية مرورا بالمنطقة الساحلية المواجهة للمطار، علما أن الأوتستراد الحالي متوقف عند مدينة المنية. كما تضمن المشروع خطة للإستفادة من المنطقة الساحلية وإقامة المشاريع السياحية ،إضافة إلى إعادة العمل بالقطار الحديدي وتأهيل السكة القائمة من محطة القطار “الحالية” في مدينة الميناء إمتدادا شمالا بإتجاه الحدود.
ومن شأن ذلك، كما يشير الرئيس دبوسي ان يعزز ويساعد في إستكمال وإعادة تجهيز معرض رشيد كرامي الدولي بطرابلس وبذلك يكون قد تم “الربط” بين المعرض ومحطة القطار والأوتستراد فالمطار، وتتحقق عند ذاك إنجاز مشروع حضاري على مستوى عالمي ويمكن الإستفادة منه على صعيد كل الشمال وكل لبنان.