كتب محمد شقير في “الشرق الأوسط”:
يخطئ من يراهن على أن رئيس الحزب «التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط يستعد للاستدارة على الثوابت التي رسمها لنفسه في تعاطيه مع إنجاز الاستحقاق الرئاسي على قاعدة أن التوافق على رئيس للجمهورية لا يشكل تحدياً لأي فريق، ولديه القدرة على الجمع بين اللبنانيين باتجاه تأييده زعيم تيار «المردة» النائب السابق سليمان فرنجية، ويقول مصدر قيادي في «اللقاء الديمقراطي» لـ«الشرق الأوسط» إن جنبلاط باق على موقفه، وإن ترويج البعض لخلافه مع نجله النائب تيمور جنبلاط في مقاربتهما لهذا الاستحقاق ليس في محله، وينم عن رغبة لا أساس لها من الصحة.
ويلفت المصدر إلى أن البعض يعرف جيداً عمق العلاقة بين تيمور جنبلاط ووالده في تعاطيه مع الملف الرئاسي، ويتشاور معه في كل شاردة وواردة لما يتمتع به من خبرة اختزنها من خلال تعاطيه من موقعه القيادي في الشأن السياسي العام، لكن هذا البعض يحاول القفز فوق الحقائق بترويجه لخلاف بينهما غير موجود في الأساس. ويؤكد أن رئيس «التقدمي» كان السباق في دعوته للتوافق على تسوية تؤدي إلى انتخاب رئيس للجمهورية يتموضع في منتصف الطريق بين المعارضة ومحور الممانعة، ويقول إنه أعد لائحة من ثلاثة مرشحين هم: قائد الجيش العماد جوزيف عون، والوزير السابق جهاد أزعور، والنائب السابق صلاح حنين، على أن يبقي الباب مفتوحاً أمام ضم مرشحين آخرين، وهذا ما طرحه في لقائه بوفد قيادي من «حزب الله».
ويضيف بأن جنبلاط توخى من طرحه هذا فتح ثغرة في الحائط المسدود الذي يعيق انتخاب رئيس للجمهورية؛ بسبب الانقسام الحاد بين الكتل النيابية الذي كان وراء تحويل جلسات الانتخاب السابقة إلى مهزلة.
ويقول المصدر نفسه إن جنبلاط لم يلق استجابة من القوى السياسية الرئيسية المعنية بانتخاب الرئيس، ما اضطره إلى تجميد تحركه الذي حظي بموافقة «اللقاء الديمقراطي» برئاسة نجله تيمور الذي يتولى وبتشجيع منه إدارة الملف الرئاسي، من دون أن ينقطع عن التواصل مع رئيس المجلس النيابي نبيه بري الذي يعرف جيداً موقف رئيس «التقدمي» ونجله، وبالتالي لا يضغط على حليفه، كما يروج البعض، لإقناعه بتبديل موقفه لدعم ترشيح فرنجية. ويرى أن انكفاء رئيس «التقدمي» على الأقل في المدى المنظور عن التحرك في الملف الرئاسي يعود بالدرجة الأولى إلى أنه لن يتفرد بموقف لجهة دعمه هذا المرشح أو ذاك بخلاف إرادة الكتل المسيحية الوازنة؛ لأن هناك صعوبة في تجاهل إحدى الكتلتين؛ حزب «القوات اللبنانية» و«التيار الوطني الحر». ويقول إنه يتشارك في الرأي مع نجله تيمور والنواب الأعضاء في «اللقاء الديمقراطي».
ويكشف المصدر نفسه عن أن الملف الرئاسي كان ولا يزال موضع تشاور بين جنبلاط و«اللقاء الديمقراطي»، ويؤكد أن رئيس «التقدمي» ليس في وارد تجاوز النواب الأعضاء فيه، خصوصاً أن نجله يتواصل باستمرار مع سفراء الدول الخمس الأعضاء في اللجنة التي تتولى مساعدة لبنان لإنهاء الشغور الرئاسي. ويضيف أن رئيس «التقدمي» أوكل التصرف بالملف الرئاسي إلى «اللقاء الديمقراطي» الذي يتشاور معه باستمرار، لكنه ليس في وارد أن ينوب عنه في اختياره للمرشح الرئاسي الذي يحظى بدعمه، ويقول إن تيمور جنبلاط يتواصل مع حزبي «القوات» و«الكتائب» والعدد الأكبر من النواب المستقلين، من دون أن ينقطع عن التواصل مع نواب في «التيار الوطني» برئاسة النائب جبران باسيل. لذلك فإن رهان البعض على وجود خلاف بين جنبلاط الأب والابن ينطوي على عدم معرفة بالعلاقة الوطيدة بينهما، وبالتالي فإن الرهان على استدارة «اللقاء الديمقراطي» نحو فرنجية والبناء عليه في احتساب مؤيديه يفتقد إلى ما يبرره من وقائع وأدلة ملموسة.
وعليه، فإن حركة السفراء والموفدين في سعيهم لحث النواب على إنهاء الشغور الرئاسي تصطدم بالانقسام الحاد داخل البرلمان الذي لم يتبدل، وأدى إلى تعطيل جلسات الانتخاب، وهذا ما قد يضطرهم للانكفاء لبعض الوقت؛ لأنه لم يعد لديهم ما يقولونه سوى إسداء النصائح لمنع تمدد الشغور في موقع الرئاسة إلى ما لا نهاية.