جاء في “نداء الوطن”:
لا أحد يعلم مدى صلاحية المثل القائل “الخلاف لا يفسد في الودّ قضية”، في مقاربة ما يدور في فلك العلاقات بين الرئيس نبيه بري و”حزب الله” بشأن قضية الوراثة السياسية لرئيس مجلس النواب وزعامة حركة “أمل” المعقودتين لبري منذ عقود.
بلا ريب، ان ما يجمع الطرفين وتحديداً رئيس البرلمان والحركة والسيد حسن نصرالله، هو اليوم في أفضل حالاته بعد تاريخ معقّد منذ ثمانينات القرن الماضي والتي شهدت صراعاً دموياً لم يسبق له مثيل في الطائفة الشيعية قبل ان تستقر العلاقات بينهما تحت خيمة التحالف السوري الايراني منذ بداية حقبة إتفاق الطائف عام 1990، ثم لتستفرد ايران بالخيمة لاحقاً.
ماذا استجد اليوم على مشهد الزعامة الشيعية بعدما ساد في وقت من الأوقات إقتناع بأن الرئيس بري بصفتيه البرلمانية والحزبية أصبح زاهداً في ان يترك وراءه وريثاً يكمل الدرب كما درجت العادة في لبنان؟
إنها قضية من سيرث رئيس البرلمان الذي يجلس على كرسي الرئاسة الثانية منذ العام 1992 ولا يزال، أي منذ 31 عاماً، كما يرث زعيم حركة “أمل”، أي بري، والذي يتربع على عرش قيادتها منذ الثمانينات من القرن الماضي. وما أدى فعلياً الى طرح قضية التوريث هذه على بساط البحث احداث 17 تشرين الاول عام 2019، عندما أصبح الرئيس بري وعائلته هدفاً للمشاركين في تلك الاحداث متهَماً بأنه “مايسترو المنظومة”. وقد أدى هذا التحوّل في الرأي العام الى استنفار دائرة المقربين من بري والذين نصحوه بالتفكير بإعداد من يرثه.
من يستعيد مرحلة الانتخابات النيابية الاخيرة في أيار 2022، يتبيّن ان هناك أمرين بارزين هما: إصرار الثنائي الشيعي على الاستئثار بكل مقاعد الطائفة الشيعية في البرلمان مهما كان الثمن، حتى ولو تمت التضحية بمقاعد حلفاء للثنائي، كي لا يحدث أي اختراق لقلعته البرلمانية.
والأمر الثاني، هو قيام بري بإبعاد كل من هو محتمل ان يكون رئيساً للبرلمان ولديه المؤهلات اللازمة، مثل الوزير والنائب السابق ياسين جابر، الذي أثبت منذ التسعينات من القرن الماضي انه يتمتع بإمكانيات على صعد مختلفة في الشأن العام، لكن فجأة جرى إسقاط ترشيحه من لائحة الثنائي عن النبطية.
أول الغيث في التحضير للوراثة، كان دخول مسؤولَين بارزين من حركة “أمل” في سباق التوريث، هما احمد البعلبكي والنائب هاني قبيسي. ثم دخل الى مضمار السباق النائبان قبلان قبلان وعلي حسن خليل. وقد ظهرت أرجحية لقبلان على خليل، لكن سرعان ما واجه عراقيل في الدائرة النافذة حول بري، قبل ان يستقر الخيار في نهاية الامر على باسل بري نجل رئيس البرلمان من زوجته السيدة رندة.
في المعلومات، ان نجل بري الاصغر باسل، دخل منذ فترة معترك العلاقات العامة من خلال إنشاء شبكة لتوزيع المساعدات وتقديم الخدمات وإقامة إتصالات مباشرة مع قواعد والده الشعبية، لا سيما في جنوب لبنان ومنطقة الزهراني الانتخابية تحديداً، علماً ان بري الابن أسس قبل اعوام جامعة فينيسيا في منطقة صور على قاعدة محاكاتها للجامعات المتقدمة في لبنان مثل الجامعة الاميركية.
لم يطل الوقت، حتى ادرك “حزب الله” أبعاد عملية تأهيل باسل بري (سميّ باسل تيمُّناً بنجل حافظ الاسد الذي قتل في حادث سيارة وكان مرشحاً لكي يكون وريثاً لوالده بعد وفاة الأخير). وبحسب المعلومات أيضاً، فقد أطلق “الحزب” إشارات تؤكد رفضه لقرار شريكه التوريث. ومن أجل تأكيد رفضه دفع بخيار بقاء المدير العام للأمن العام سابقاً اللواء عباس ابراهيم في منصبه بالتمديد له. لكن هذا الخيار لم ينجح بعدما تبيّن ان الرئيس بري قام بما يلزم كي يحبط هذا التمديد برلمانياً وحكومياً بالضغط على رئيس حكومة تصريف الاعمال فكان له ما أراد.
لكن ذهاب اللواء ابراهيم الى المنزل لم ينه قصة التوريث. فالأخير دأب ولا يزال على التأكيد انه مستمر في العمل العام بما في ذلك التحضير لخوض السباق الانتخابي في العام 2026. وفي المقابل، تستمر حركة باسل بري على حالها تحضيراً إما لخوض الانتخابات النيابية المقبلة خلفاً لوالده، وإما لخوض السباق الانتخابي إستثنائياً في حال طرأ ما يتطلب إجراء إنتخابات فرعية.
إذاً، تعيش ساحة الثنائي الشيعي منازلة بين “الحزب” الذي يميل الى ترشيح اللواء ابراهيم وبين بري بخليفته نجله باسل.
يحيط العاملون على التوريث الموضوع بهالة من الكتمان، غير أنه صار موضوعاً مطروحاً باستمرار في دوائر حركة “أمل” ولدى الحليف، وفي العلن في كثير من الأحيان.