منير الربيع – المدن
تتكاثر الاجتهادات لتفسير الموقف السعودي حيال ملف الرئاسة اللبنانية، بالنظر إلى الجولة التي يقوم بها السفير وليد البخاري على مختلف الأفرقاء السياسيين. البعض يذهب إلى تحميل الزيارة أكثر مما تحتمل من تفسيرات، حول حصول تغير بالموقف، إنطلاقاً من عدم وضع فيتو على أي مرشح. فيما آخرون يشيرون إلى أن الموقف لا ينطوي على أي تغيير، إنما يظهر عدم تدخل سعودي بتفاصيل الملف اللبناني، ويشدد على ضرورة التوافق بين الأفرقاء. ثمة من يشير أيضاً إلى أن السفير السعودي لم يكن مشاركاً في لقاء ممثلي الدول الذين جالوا على المسؤولين اللبنانيين بعد اجتماع باريس في السادس من شباط الفائت. وهو يجري هذه الجولة حالياً عوضاً عن عدم المشاركة سابقاً.
مشكلة الأصوات والنصاب
في كل الأحوال، لا تزال الوقائع على حالها، مشكلة الأصوات ومشكلة النصاب. وفيما يتم تأكيد أجواء بأن فرنسا لا تزال مصرة على موقفها، يأتي تسريب جو آخر يفيد بأن باريس ليست هي من تتبنى هذا الطرح، إنما تعتبره واقعياً. وتشير إلى أن لا مانع من الذهاب إلى طروحات أخرى في حال كانت تحظى بموافقة اللبنانيين.
هذا الكلام يدفع المهتمين بالملف اللبناني إلى العودة لمراقبة مواقف الكتل من كل المرشحين. وبناء على هذه التقييمات، ثمة من يعتبر أن فرنجية لا يزال يواجه مشكلة مسيحية في ظل معارضة القوات اللبنانية والتيار الوطني الحرّ وحزب الكتائب. فيما قائد الجيش جوزيف عون لا يواجه هذا الكم من المشاكل. إذ هناك طرفان مسيحيان بالحدّ الأدنى يؤيدانه، وقد أعلنا عن ذلك بشكل أو بآخر هما القوات اللبنانية، وحزب الكتائب، فيما مشكلة قائد الجيش تنحصر فقط بموقف التيار الوطني الحرّ. وتقول وجهة النظر هذه إنه في حال اقترع 86 نائباً لقائد الجيش، فيمكن أن يصبح رئيساً بتجاوز مسألة تعديل الدستور. من خلال التقييمات أيضاً، تبرز محاولات أخرى لاستشراف إمكانية اتفاق القوى المعارضة على مرشح وسطي. وهو ما تدور حوله مساع متعددة لكنها لم تصل إلى أي نتيجة.
تجيير الوقائع
بناء على هذه التطورات، لا تزال التقديرات متضاربة حول إمكانية إنجاز الاستحقاق الرئاسي قريباً. فثمة من يعتبر أن القدرة على إنجازه ستتحسن وتتسارع وتيرة التحركات من الآن حتى شهر حزيران، وذلك قبل انتهاء ولاية حاكم مصرف لبنان رياض سلامة. فيما آخرون يبدون متشائمين في وجهة نظرهم، باعتبار أن لا شيء يحتّم ذلك في ظل عدم الاتفاق الداخلي، وعدم بروز مقومات لتوافق خارجي أيضاً. أصحاب وجهة النظر هذه يعتبرون أن الفراغ قد يستمر إلى ما بعد انتهاء ولاية قائد الجيش جوزيف عون. وعندها يمكن انتخابه من دون الحاجة إلى تعديل الدستور أو إلى 86 صوتاً.
يسعى كل طرف إلى تجيير الوقائع لصالحه، بالارتكاز إلى موقف إحدى القوى الدولية أو الإقليمية. فمعارضو فرنجية يستندون إلى موقف سعودي واضح بأن الرياض لن تطلب من أي نائب أو كتلة التصويت لمرشح لا تقتنع به. وبالتالي، فهي لن تضغط على حلفائها. فيما قوى أخرى تعتبر أن فرنجية لا يحظى بموافقة وقبول داخلية ودولية، نظراً لموقعه السياسي، خصوصاً أنه يعتبر حليفاً لحزب الله وسوريا وإيران وروسيا. ويستند هؤلاء على معارضة أميركية، معززين قناعتهم بذلك بالبيان الذي صدر عن الخارجية الأميركية يوم الإثنين الفائت. في المقابل، لا يزال رئيس مجلس النواب نبيه برّي، وحزب الله، على موقفهما الداعم لفرنجية، بانتظار أن يؤدي الوقت إلى تغير الظروف بشكل إيجابي.
كل ذلك يعني أن المسألة لا تبدو قريبة وأنها تحتاج إلى وقت طويل، ربطاً بكل التطورات الحاصلة في المنطقة، وبانتظار انتهاء القمة العربية ومجرياتها، والزيارات الأميركية إلى السعودية.