منير الربيع – المدن
أبدى ديبلوماسي أميركي استغرابه من كلام رئيس الحكومة، نجيب ميقاتي، حول إدخال حزب الله للمحروقات الإيرانية إلى لبنان. واعتبر أن موقف ميقاتي ينطوي على تناقض. فكيف يقول إن ما جرى هو خرق للسيادة، ويستطرد بجملة ثانية أن ذلك لن يؤدي إلى فرض عقوبات على الحكومة اللبنانية، لأن لا علاقة لها بذلك؟
السيادة وقانون قيصر
مدعاة الاستغراب نقطتان، الأولى هو كيف يمكن اعتبار الأمر الذي يمس بالسيادة في دولة معينة لا يكون له علاقة بالحكومة، ولا يستدعي العقوبات. أما الغرابة الثانية، فهي أن ميقاتي ومنذ تكليفه برئاسة الحكومة، كان يقول إنه حصل على موافقة أميركية، وأن لواشنطن دوراً بتمرير تكليفه وإنجاح تأليفه للحكومة. وهو يعلم أكثر من غيره أن تسوية الحكومة كانت نتاج لمقدمات تسوية أوسع، عبرت من اتفاق الغاز مع مصر والكهرباء مع الأردن، عبر سوريا. وزيارة وفد لبناني إلى دمشق، وتطبيع العلاقات مع النظام السوري، والحصول على موافقة مبدئية أميركية بمنح استثناءات لإعفاء لبنان من قانون قيصر. ولذلك، لم يكن من داع ليتحدث ميقاتي بهذا الموضوع.
وفي الوقت الذي كان يعلن فيه ميقاتي موقفه هذا على قناة “سي. أن. أن” الأميركية، كانت لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي تعقد اجتماعاً، تستمع فيه لباربرا ليف مرشحة الرئيس الأميركي جو بايدن لمنصب مساعد وزير الخارجية الأميركي. صحيح أن ليف اعتبرت خطوة حزب الله هي محاولة من حزب الله لتحسين سمعته. لكن هذا الموقف ليس ذات أهمية بقدر الموقف الأميركي الواضح، والذي يشير إلى تساهل واشنطن مع إدخال المحروقات الإيرانية، وصولاً إلى البحث في منح استثناءات للبنان من عقوبات قانون قيصر. وهو موقف أكده أيضاً رئيس اللجنة الديموقراطية في المجلس بوب منينديز، الذي عبر عن انفتاحه على الموافقة على بعض الإعفاءات من قانون قيصر، في سبيل مرور الغاز والكهرباء إلى لبنان عبر سوريا.
ترسيم الحدود
لذا، لا بد من اعتبار أن تسوية تشكيل الحكومة كانت قد مرّت من بين هذه الخطوط والنقاط كلها، وصولاً إلى طرح سؤال أساسي حول المقايضة بين تشكيل الحكومة وإدخال النفط الإيراني وإنجاز اتفاق الغاز المصري والكهرباء الأردنية إلى لبنان، وبين ملف ترسيم الحدود، الذي يغيب كلياً عن الاهتمامات الأميركية واللبنانية أيضاً. وهو ملف على ما يبدو أنه مؤجل داخلياً لحسابات إقليمية ودولية، ولحسابات مصلحية سياسية وشخصية. أما خارجياً، فيبدو أنه مؤجل لحسابات استراتيجية. وتأخر لبنان عن التنقيب عن النفط والغاز في مياهه بسبب الخلافات على المساحات، مقابل مسارعة إسرائيل إلى التنقيب والاستخراج من مناطق قريبة ومحاذية للمياه الإقليمية اللبنانية. وكأن لبنان سيحصل على إمدادت الغاز المصري والكهرباء الأردنية، مقابل عدم الذهاب إلى التنقيب في مياهه، بسبب تأجيل البت في ملف ترسيم الحدود وإنجازه.
ففي لحظة توجه الوفد اللبناني إلى دمشق، ومن ثم عقد الاجتماع الرباعي في العاصمة الأردنية عمان، كان في لبنان من لديه قناعة أن هذه الخطوات ستؤدي إلى تأجيل البت في ملف ترسيم الحدود البحرية. خصوصاً أن زيارة وفد الكونغرس الأميركي إلى لبنان التي حصلت قبل فترة، لم تأت على ذكر ملف ترسيم الحدود البحرية والمنطقة الاقتصادية الخالصة في المياه اللبنانية. أي لا تداول في ملف التنقيب عن النفط والغاز. واكتفى أحد أعضاء الكونغرس بالإعلان عن استعداد واشنطن لتوفير البدائل من النفط والغاز للبنان. ما يعني إطالة أمد ملف الترسيم والتنقيب، أو طي صفحته في هذه المرحلة، وتأجيل البحث فيها. على أن يستعيض لبنان عن ذلك باستجرار الغاز المصري والكهرباء الأردنية.