شعار ناشطون

مسرح “زقاق” يناشد المجتمع الثقافي الدولي: نريد تضامنكم

01/11/24 09:33 am

<span dir="ltr">01/11/24 09:33 am</span>

صدر عن مسرح “زقاق” في بيروت البيان الآتي:

 

رَهِيبَةٌ أيّامُنا هذِهِ في تاريخِنا المُعاصرِ. عُقودٌ من السَّعيِ والعملِ على سَنِّ قوانينَ ومُعاهداتٍ واتِّفاقيّاتٍ تَحوي القِيَمَ الإنسانيّةَ المُشتَرَكَةَ وتَجمعُنا كمُواطِنينَ في العالَمِ، يُداسُ عليها بشكلٍ مُمنهَجٍ، تُتَجاهَلُ بِعُنفٍ، تتفكَّكُ بتوحُّشُ آلةِ موتٍ ودمارٍ وتجريدٍ من الإنسانيّةِ، تَقضِمُ مناطقَ بأكمَلِها في فلسطينَ ولبنانَ وتُحوِّلُها إلى أنقاضٍ – كلُّ ذلكَ بِحُجّةِ حقِّ إسرائيلَ في الدفاعِ عن نَفْسِها.

 

نكتبُ هذه السطورَ، مُحاطينَ بأصواتِ المُسيَّراتِ والطائراتِ الحربيّةِ والصواريخِ والتفجيراتِ والتهديدِ بالحصارِ والاحتلالِ الاستيطانيِّ لبلدِنا، مُتسائلينَ عن عددِ الحروبِ التي سنتمكنُ من النجاةِ منها بعد. ما الذي يُمكنُنا قولُه والقيامُ به في مواجهةِ هذا الرعبِ؟ ما الذي يُمكنُنا فِعلُه لإحداثِ أيِّ تغييرٍ في مجرى التاريخِ، بينما يقعُ فعلُنا كفنانينَ بالأساسِ على هامشِ المجتمعِ؟ قد يبدو الأمرُ ساذجًا، لكنَّنا نعرفُ ما يجبُ فعلُه. حينما تحدثُ مذبحةٌ في الشارعِ خلفَنا، يُواجِهُ الفنُّ الجريمةَ، ويَحمي التماسُكَ المجتمعيَّ، ويُعَزِّزُ الشعورَ بالوجودِ المُشترَكِ. نعلمُ أنَّه بإمكانِ الجهودِ الفرديّةِ التأثيرُ على النقاشِ العامِّ وإعادةُ بناءِ القِيَمِ التي تُحقِّقُ إمكانيّةَ تغييرٍ عالميٍّ أشمَل.

 

منذُ التأسيسِ في عامِ 2006، عامِ الحربِ الإسرائيليّةِ الوحشيّةِ الأُخرى على لبنانَ، ظلَّ زُقاق مُلتزمًا بالعملِ في ظلِّ ظروفٍ صعبةٍ، محليًّا ودوليًّا. والآن، في عامِ 2024، بعد مرورِ ثمانيةَ عشرَ عامًا، نجدُ التاريخَ يُعيدُ نفسه بشكلٍ مأساويٍّ، ولكن على نطاقٍ أوسعَ. إنَّنا نَشهدُ مستوى غيرَ مسبوقٍ من الاعتداءاتِ المُسلَّحةِ الإسرائيليّةِ، تتصاعدُ عُنفًا وفَتكًا باستخدامِ التكنولوجيا العسكريّةِ المُتطوّرةِ والذكاءِ الاصطناعيِّ والهجماتِ السيبرانيّةِ والأسلحةِ المُحرَّمةِ دوليًّا.

 

قَرَّرنا منذُ أيّامٍ إلغاءَ مهرجانِ أرصفةِ زقاقٍ الذي نُنظِّمُهُ كُلَّ سنتينَ، والذي يأتي هذا العامَ بمناسبةِ الذكرى الثامنةَ عشرةَ لتأسيسِ زقاق. رأينا في العيدِ الثامِنَ عَشَرَ رمزًا لمرحلةِ البلوغِ: المسؤوليّةَ والحريّةَ. المسؤوليّةُ، بمعنى التزامِنا المستمرِّ بالعملِ مع المجتمعِ من خلالِ الفَنِّ، والحريّةُ بمعنى استمراريّةِ القُدرةِ على التساؤُلِ والتحدّي وإعادةِ خَلقِ عَوالِمِنا بقُوَّةِ الخَيالِ.

 

فَعَلَتِ الحربُ الإسرائيليّةُ الوحشيّةُ المستمرّةُ على لبنانَ فِعلَها، بترَت جهودَنا للحفاظِ على هذا اللقاءِ الثقافيِّ الحيويِّ. كنّا نتطلّعُ إلى استقبالِكم أيّها الزملاءُ والأصدقاءُ الأعزّاءُ، من جمهورٍ وفنّانينَ وضيوفٍ من لبنانَ والعالَمِ. كنّا نتطلّعُ إلى لقائِكم، كي نُفَكِّرَ سويّةً حولَ هذه اللحظةِ المُهمّةِ في تاريخِنا المُشتَرَكِ، كتقليدِ معتادٍ استمرَّ لعَقدٍ من الزمنِ، هنا في بيروتَ. أجبرَتْنا الظروفُ على التوقّفِ، لكن، ها نحنُ هنا، باقونَ ثابتونَ على التزامِنا بالخَلقِ والإبداعِ. في مواجهةِ القتلِ والتدميرِ نتجمّعُ كفِعلِ قوّةٍ، نُمارسُ الفَنَّ كفِعلِ مُقاوَمةٍ، نُسهمُ في دعمِ مُبادَراتِ الإغاثةِ والاحتياجاتِ الأساسيّةِ للأشخاصِ الأكثرِ تضرّرًا من العدوانِ، فنستمِرُّ، وإلى جانبِ الفِعلِ نُصغي. عندما نقفُ على الحافّةِ، يُصبِحُ الإصغاءُ فِعلًا حيويًّا. يُساعِدُ الإصغاءُ العَميقُ على دَفعِ كُلِّ فِعلٍ وعَملٍ باتجاهٍ تشارُكيٍّ وعادِلٍ.

 

ندعو في هذه اللحظةِ التاريخيّةِ المجتمعَ الثقافيَّ والفنّيَّ الدوليَّ إلى الوقوفِ مُتَّحدينَ ضدَّ الفظائعِ الاستعماريّةِ، فظائعَ تشتركُ في إنتاجِها أموالٌ حكوميّةٌ وأموالُ دافعي الضرائبِ في “الغربِ”. نَحُثُّكم على رفعِ أصواتِكم والتحدُّثِ عن الوضعِ الحاليِّ الذي وصلَ إلى نقطةٍ لا رجعةَ فيها: مجازرُ يوميّةٌ، نزوحٌ هائلٌ، تدميرٌ مهولٌ للمناطقِ السكنيّةِ المدنيّةِ… في مقابلِ خنوعٍ دوليٍّ مُقلِقٍ ومُنفِّرٍ. لا نرى في هذه اللحظةِ قضيّةَ بقاءٍ فحسب، بل قضيّةَ مستقبلِ الوعي البشريِّ. ندعوكم إلى إظهارِ ما تَكنُّونهُ من روحٍ تضامنيّةٍ، خلالَ هذه الأوقاتِ المُظلِمةِ التي يعيشُها لبنانُ وفلسطينُ والعالمُ، وترجَمةِ تلكَ الروحِ إلى أفعالٍ.

 

نبكي موتانا كُلَّ يومٍ. نبكي خساراتِنا كُلَّ يومٍ. نبكي ونحنُ على يقينٍ أنَّ وقتَ الحِدادِ الحقيقيِّ لم يَحِنْ بعدُ، حِدادٌ يَعِدُ بأن يكونَ طويلًا وصعبًا، هذا إن أتيحت لنا فرصةُ الحِدادِ يومًا. أمّا الآنَ، تبدو المُهمّةُ المُلحّةُ واحدةً: وقفُ هذا التوحُّشِ!

 

بينما نَرى طِفلةً صغيرةً في غزّةَ تحملُ أُختَها الصغرى المُصابةَ على كتفيها، وتَسيرُ بها حافيةَ القدمينِ لمسافةِ كيلومترينِ أملًا في إنقاذِ حياتِها، لا يسعُنا إلّا أن نبحثَ في أنفسِنا، على الأقلِّ، عن القوّةِ ذاتِها للمضيِّ قُدمًا.

 

نَترقّبُ اليومَ الذي نستطيعُ فيه لقاءَكم بأمانٍ، ونتشاركُ فيهِ الأعمالَ الفنّيّةَ في المسرحِ مرةً أُخرى. حتى ذلكَ الحينِ، نتمنّى لجميعِ الذينَ يعيشونَ هذه الفظائعَ أو يشهدونَ عليها، سواءً عن قُربٍ أو عن بُعدٍ، أن يتمكّنوا من البقاءِ آمنينَ والحفاظِ على صحتِهم العقليّةِ.

تابعنا عبر